استعادة البعد المبدئي في هيئة باتت محكومة بتوازنات القوة أكثر من منطق القانون
شكّلت عهدة الجزائر غير الدائمة في مجلس الأمن محطة كاشفة لطبيعة التحوّلات التي تعرفها الدبلوماسية الدولية، ما جعلها قوة ضمير داخل مجلس، لم تغيّر ميزان قوّته، لكنها فضحت منطقه، مسجّلة مواقف سياسية، أخلاقية وتاريخية، حسبما تؤكّده الدكتورة نبيلة بن يحيى أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
أبرزت الأستاذة بن يحيى، في تصريح لـ«الشّعب”، أنّ عهدة الجزائر كانت عهدة “قوة ضمير” داخل مجلس الأمن، وشكّلت اختبارا لقدرة الدول الإفريقية على استعادة البعد المبدئي في مؤسّسة باتت محكومة بتوازنات القوة أكثر من منطق القانون.
وترى بن يحيى أنه من الضروري إبراز الخلفيات التي انطلقت منها الجزائر، حيث أنها دخلت مجلس الأمن وهي تحمل رصيدا تاريخيا مرتبطًا بالدفاع عن قضايا التحرّر، وعدم الانحياز، واحترام سيادة الدول، في سياق دولي يتّسم بازدواجية المعايير، وتآكل الشرعية الدولية، وتسييس الأزمات الإنسانية.
ووصفت بن يحيى الإطار العام لعهدة الجزائر في مجلس الأمن كعضو غير دائم (2024-2025)، بأنها عهدة مبدئية أكثر منها براغماتية، قائمة على الدفاع عن القضايا العادلة بدل منطق الصفقات، وهي بذلك تعكس مدرسة دبلوماسية تحرّرية-سيادية، متجذرة في تاريخها الثوري، فالجزائر لم تدخل المجلس كـ«وسيط صامت”، بل كفاعل سياسي يحمل خطابا نقديا للنظام الدولي.
وقالت بن يحيى إنّ الجزائر منذ تولي عهدتها، رافعت بقوة لنصرة القضايا العادلة على غرار القضية الفلسطينية، ولفتت إلى أنها انتقلت من التمثيل الأخلاقي إلى الاشتباك السياسي، وتعاملت معها باعتبارها قضية تصفية استعمار، لا نزاعا حدوديا، وكان ذلك اختبارا لمصداقية القانون الدولي، الذي أكّد ازدواجية المعايير في النظام الدولي.
وذكرت بن يحيى بأهم المبادرات والتحرّكات كالدفع المتكرّر نحو وقف إطلاق النار الفوري في غزّة، وحماية المدنيّين، وإدخال المساعدات الإنسانية دون شروط، المطالبة بمساءلة الاحتلال على جرائم الحرب، ورفض خطاب “حق الدفاع عن النفس” عندما يستخدم لتبرير الإبادة، وإعادة إحياء حلّ الدولتين كالتزام قانوني لا كخيار سياسي مرن، من خلال وضوح الموقف وعدم الانزلاق للغة الرّمادية.
وتعتقد بن يحيى أنّ الجزائر – من خلال هذه المبادرات – استطاعت كسر الصمت داخل المجلس في لحظات التواطؤ وإعادة القضية الفلسطينية إلى مركز النقاش الأممي، رغم المضايقات داخل مجلس الأمن، من أجل تحويل الخطاب إلى قرار ملزم بسبب الفيتو ومحدودية أدوات الضغط داخل مجلس غير متوازن، ومع كل هذا، ربحت معركة السردية والشرعية الأخلاقية.
فيما يتعلق بقضية الصّحراء الغربية، ترى المتحدثة أنّ المرجعية الجزائرية حافظت على توصيف الصّحراء الغربية كقضية تصفية استعمار، والتمسّك بحق تقرير المصير، ودعم مسار الأمم المتحدة وليس فرض حلول خارجها، وقد رفضت الجزائر من خلال التحرّكات داخل المجلس محاولات تمييع توصيف النزاع وتحويله إلى “نزاع إقليمي” أو “حكم ذاتي كحلّ وحيد” ، مشيرة إلى دور بعثة “المينورسو” التي تمثل – بحسبها – العودة للمسار الأممي الأصلي.
بالنسبة لهذه القضية، أكّدت بن يحيى على أنّ الجزائر كانت دائما على ثبات قانوني وعدم الانجرار للاستفزاز، وإعادة التذكير بالطابع القانوني للنزاع رغم محدودية القدرة على كسر التحالفات الداعمة للمغرب وهيمنة المقاربة الواقعية-البراغماتية داخل المجلس، كما منعت الانزلاق النهائي نحو شرعنة الأمر الواقع، رغم الاختراق السياسي المفروض على القضية.
وفيما يتعلّق بالوضع في السودان، قالت بن يحيى إنّ الجزائر اعتمدت مقاربة سيادية إنسانية، حيث أنها نظرت إلى الأزمة السودانية من زاوية رفض التدخل الخارجي، وأولوية الحلّ السوداني-السوداني، للحفاظ على وحدة الدولة ومؤسّساته، وذكرت المبادرات والمواقف، فقد دعت لوقف إطلاق النار، حماية المدنيّين، وفتح ممرات إنسانية، كما حذّرت من تفكيك الدولة، ومن تدويل الصراع بما يخدم أجندات إقليمية ودولية.
وأشارت بن يحيى إلى أنّ الجزائر قدّمت خطابا متوازنا إنسانيا سياديا، وأبدت رفضا صريحا لعسكرة الحلول رغم غياب ثقل إقليمي موحّد داعم للموقف، وتهميش الحلول الإفريقية داخل مجلس الأمن، وأضافت أنّ ما قدّمته الجزائر يعدّ تشخيصا صحيحا للأزمة.
وخلصت الأستاذة بن يحيى إلى أنّ الجزائر تعاملت مع عضويتها بمجلس الأمن كمنصة دفاع عن القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، قضية الصّحراء الغربية، والأزمة السودانية، عبر مقاربة تجمع بين الخطاب القانوني، البعد الأخلاقي، والاشتباك الدبلوماسي ضمن آليات المجلس.




