التنافسيـة والاندماج فـي السلاسل اللّوجستـية.. رهانــات مرفوعة
إستراتيجية وطنية شاملة.. ونموذج للجودة والأصالة والفخر الجزائري
أفاد أستاذ التسويق والتجارة الدولية بالمركز الجامعي تيبازة، البروفيسور خالد قاشي، أنّ وسم “صنع في الجزائر” لم يعد مجرّد شعار يُطبع على المنتجات، بل هو استراتيجية وطنية شاملة، ونموذج للجودة والأصالة والفخر الجزائري، وأصبح يُمثِّل أحد أبرز الركائز في مسيرة بلد الشّهداء نحو بناء اقتصاد منتج، ومتنوّع، مستقلّ وتنافسي في العالم.
أكّد البروفيسور خالد قاشي، في تصريح خصّ به “الشّعب”، أنّ الوسم الجزائري الموضوع على المنتجات الوطنية صار علامة جودة وأصالة معتمدة رسميا، يُمنح للسلع المصنّعة أو المنتجة في الجزائر، التي تستوفي معايير محدّدة ذات إتقان وإقبال واسع، بحيث يتجاوز دوره الإعلان عن منشأ المنتج ليكون ضامنا للنوعية، ومحفّزا للثقة لدى المستهلك المحلي والأجنبي.
وأوضح قاشي، وهو رئيس تحرير مجلّة الإدارة والتنمية للبحوث والدراسات، أنّ علامة “صنع في الجزائر”، برزت بشكلٍ لافتٍ بأجنحة معرض الإنتاج الجزائري في طبعته 33، وصارت أداة تسويقية جماعية ترفع قيمة الوسم التجاري الوطني، وتدعم سياسة “اشتغل في بلادي” لتعزيز الإنتاج والاستهلاك المحليّين.وفي ظلّ الاضطرابات الاقتصادية العالمية شديدة التعقيد، لاح في الأفق أهمية امتلاك الدول لرؤية إستراتيجية واضحة لاقتصاداتها، تعتمد على تنويع مصادر الدخل وبناء علامة وطنية قوية، وهو ما تسير على نهجه الجزائر الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بحسب قوله.
أداة للتمييـز والتنافسيــــة العالميــــة
تكمن الأهمية الإستراتيجية للوسم الجزائري الذي تراهن الدولة عليه كثيرا، مثلما أضاف قاشي، في كونه أداة للتمييز والتنافسية في سوق عالمي مكتظ وغارق بالعلامات، يمنح شعار المنتجات الجزائرية هوية مميّزة قائمة على الجودة والأصالة، ممّا يمكّنها من اختراق سريع وممنهج للأسواق الدولية.
علاوة على ذلك، يمنح الوسم الوطني حافزا للابتكار والجودة عبر تشجيع المؤسّسات على رفع مستوى إنتاجها لتتوافق مع المواصفات العالمية، وهو ما تؤكّده عملية انتقاء أول 100 منتج للمنصة الدولية بناء على معايير جدّ صارمة، مع تشكيل نواة للثقافة الاقتصادية الجديدة بتعزيز ثقافة الفخر بالمنتج المحلي، وتحويل الاستهلاك الداخلي من ضرورة إلى خيار استراتيجي يدعم اقتصاد الجمهورية، يذكّر محدثنا.
دفـــع النمــو غــــير النفطــي
يرى البروفيسور خالد قاشي، أنّ ترسيخ ثقافة “صنع في الجزائر” يسمح بشكل مباشر في تعزيز الاقتصاد الوطني الكلي، والمساهمة الجلية بتحسين مؤشّراته، على غرار دفع النمو غير النفطي وتحريك عجلة التنويع، وهو ما ثمّنه البنك الدولي في آخر تقرير له، حين أشاد بالأداء القوي للاقتصاد غير الطاقوي الجزائري، حيث نما الناتج الداخلي الخام خارج قطاع المحروقات بنسبة 5.4 بالمائة خلال
النصف الأول من عام 2025، وهنا يظهر دور الوسم في تسريع هذا النمو عبر تحفيز القطاعات الإنتاجية المحلية.
كما تبرز أكثر أهمية تنمية الصادرات الوطنية – يقول قاشي – لأنّ الوسم يعدّ في حدّ ذاته رافعة أساسية لزيادة الصادرات غير النفطية، وإطلاق مبادرات نوعية تتعلق بإدراج منتجات تحمل الوسم الجزائري على المنصة الدولية المخصّصة لترويج السلع المصنّعة ونصف المصنّعة، وبالتالي فتح نافذة خارجية للمنتجات الجزائرية وخلق فرص تصديرية جديدة في الأسواق العالمية، يُضيف قاشي.
ووفقا للمصدر ذاته، يمكن التحفيز على إنشاء مؤسّسات صغيرة ومتوسّطة وشركات ناشئة كثيرة حاملة لوسم “صنع في الجزائر”، والترويج للمنتج المحلي في معارض وطنية ودولية، ليصبح الشعار منصة حقيقية لدعم هذا النوع من المؤسّسات، مما ينعكس إيجابا على تشغيل اليد العاملة وتنويع الإنتاج والصادرات إلى الخارج.
فضــاءات لإبــراز القـدرات الإنتاجيــــة
أكّد البروفيسور خالد قاشي أنّ هناك فضاءات وأمثلة حية تواكب النجاح النوعي للمنتجات ذات الوسم “صنع في الجزائر”، مثل المنصة الدولية SAF International Product DZ، التي تستعد لإدراج أول 100 منتج جزائري مختار بعناية، بهدف الترويج لها في أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتسهيل تصديرها.
واعتبر قاشي معرض الإنتاج الجزائري السنوي، فضاءً استراتيجيا لإبراز القدرات الإنتاجية الوطنية، وترسيخ ثقافة الاستهلاك المحلي تحت شعار وسم “صنع في الجزائر”، بمشاركة مئات المؤسّسات العمومية والخاصة، كما تعدّ المنتجات التقليدية والحرفية بالتحديد، أكثر استيعابا للوسم وبشكل خاص للترويج لأصالة وجودة المنتجات الداخلية، مثل الأواني النحاسية لولاية قسنطينة، وفخار بيدر بولاية تلسمان، وزرابي ولاية غرداية، ممّا يحفظ التراث الوطني ويضمن استدامته، ويضعه على خريطة التسويق العالمية، مثلما أشار الخبير.
تعزيـــز الاندمـاج في السلاســـل اللّوجستيــــة
رغم الإنجازات الملموسة، تحدث الأستاذ قاشي عن تحديات وآفاق مستقبلية تنتظر المنتجات الموسومة بـ«صنع في الجزائر”، أبرزها يتعلّق بضرورة تعميم ثقافة الجودة والالتزام بالمعايير لدى جميع المنتجين والمستثمرين، وتسريع وتيرة التحوّل الهيكلي نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، وكذا تعزيز الاندماج في السلاسل اللّوجستية العالمية لتسهيل وصول المنتجات محلية المنشأ إلى الأسواق الخارجية المستهدفة.
ولتجاوز هذه التحديات، اقترح قاشي التأسيس لشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، وإيلاء اهتمام بالاستثمار في رأس المال البشري وجلب التكنولوجيا الحديثة، على أن يكون الوسم ديناميكيا، ويرافق المنتج من مرحلة التصميم إلى وصوله للعميل والزبون النهائي.
وتابع المختص: “وسم – صنع في الجزائر- هو أكثر من مجرّد علامة، إنه مشروع وطني تنموي يجسّد إرادة التحوّل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي قائم على التنوّع والمعرفة والجودة. ونجاحه ليس خيارا، بل هو ضرورة استراتيجيه لضمان سيادة اقتصادية حقيقية وبناء مستقبل مزدهر للأجيال الحالية والقادمة”.
على الجميع كأفراد أو مؤسّسات وشركات، أن يكونوا شركاء فاعلين في ترسيخ هذه الثقافة الوطنية، وعلى قدر المسؤولية للوصول بالمنتج الجزائري إلى العالمية، ذلك أنّ انتصار “صنع في الجزائر” هو فلاح للجزائر بأكملها، يختم أستاذ التسويق والتجارة الدولية بالمركز الجامعي تيبازة، البروفيسور خالد قاشي.للتذكير، فإنّ رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أشرف على انطلاق فعاليات الطبعة 33 لمعرض الإنتاج الجزائري، بقصر المعارض الصنوبر البحري في الجزائر العاصمة، الذي يلتئم بين 18 و27 ديسمبر 2025، بمشاركة أكثر من 600 مؤسّسة وطنية، تحت شعار “الجزائر تصنع مستقبلها”.





