الضغط الدولي خيار حاسم لفـرض العدالــة وإنهاء الاحتـلال
يواجه المخزن المغربي موجة عارمة من الإدانات الدولية والحقوقية، كشفت عن عزلة دبلوماسية متزايدة لمحاولاته المستميتة لشرعنة احتلاله للصحراء الغربية. فبين أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، ومحاكم الاتحاد الأوروبي، وصولا إلى العواصم الأوروبية وأمريكا اللاتينية، تتهاوى السردية المغربية التوسعية أمام قوة القانون الدولي وتمسّك الشعب الصحراوي بحقه غير القابل للتصرّف في تقرير المصير.
في خطوة وصفت بـ«اليائسة”، سعى الاحتلال المغربي إلى تمرير رواياته المزيفة داخل أروقة الأمم المتحدة، محاولا تحريف مضمون قرار مجلس الأمن رقم 2797 الصادر بتاريخ 31 أكتوبر الماضي والمتعلق ببعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، وقد مثلت هذه المحاولة جزءا من استراتيجية مستمرة للمخزن لتشويه الحقائق وإضفاء شرعية زائفة على احتلاله غير القانوني للصحراء الغربية.
لكن ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة، سيدي محمد عمار، تصدّى لهذه المناورات بشكل حازم، مؤكّدا على ضرورة وضع الأمور في نصابها الصحيح، وأوضح في رسالة وجهها إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي بأن محاولات المغرب لتسويق ادعاءات سيادته على الصحراء الغربية، هي محض افتراء ومحاولة بائسة لتضليل الدول الأعضاء ولإخفاء انتهاكاته المستمرة للقانون الدولي.
وأكد الدبلوماسي الصحراوي بأن الادعاءات المغربية “كاذبة ومضللة تماما”، مشدّدا على أن أي محاولة لتمرير مثل هذه “الروايات” داخل المنظومة الأممية، مآلها الفشل لأنها لن تغير من الواقع القانوني والسياسي للصحراء الغربية، حيث يظلّ الشعب الصحراوي صاحب حقّ غير قابل للتصرف في تقرير مصيره، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 (د-15) الصادر سنة 1963 والذي أدرج الصحراء الغربية في قائمة الأقاليم المعنية بتصفية الاستعمار، كما خلُص الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في أكتوبر 1975 إلى عدم وجود أي صلة سيادة إقليمية بين الصحراء الغربية والمملكة المغربية، ودعت العديد من القرارات الأخرى إلى تطبيق القرار 1514 من خلال التعبير الحر والصادق عن إرادة شعب الإقليم الصحراوي، أي عبر استفتاء عادل وبدون شروط مسبقة يفرضها الاحتلال لترسيخ سيادته المزعومة.
التوضيح الذي قدّمه المندوب الصحراوي في رسالته إلى مجلس الأمن كان حاسما، فالقرار الأممي الأخير يتوافق تماما مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 1975، وكلاهما ينفيان وجود أي رابط سيادة بين المغرب والصحراء الغربية، ما يعني أن القضية الصحراوية تظلّ- وفقا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة- قضية تصفية استعمار بامتياز، لا حل لها إلا عبر تمكين الشعب الصحراوي من حقه في الاستقلال.
صفقات مشبوهة وتحايل على العدالة
وعلى الصعيد الاقتصادي والقانوني، يواجه المخزن المغربي اتهامات خطيرة بمحاولة الالتفاف على الشرعية والتلاعب بالقوانين والاتفاقيات الدولية، عبر التواطؤ مع بعض الأطراف الأوروبية، فقد أكد خبراء قانونيون ونشطاء حقوقيون أن الاتفاقيات التجارية الجديدة التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إبرامها مع المغرب تشمل الأراضي الصحراوية المحتلة بطريقة غير قانونية وغير عادلة، وتعد انتهاكا صريحا للقانون الدولي.
وتشكل هذه التحركات خرقا صارخا لأحكام محكمة العدل الأوروبية الصادرة في أكتوبر 2024، والتي قضت ببطلان أي اتفاقيات تشمل الصحراء الغربية دون موافقة الشعب الصحراوي الممثل شرعيا بجبهة البوليساريو، وأكدت المحكمة الأوروبية ضرورة احترام حقّ الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير مصيره، واعتبرت أن أي محاولة لضمّ الإقليم إلى اتفاقيات مع المغرب تشكّل انتهاكا مباشرا للعدالة الدولية ولحقوق الإنسان.
كما كشفت تقارير الخبراء أن المفوضية الأوروبية والنظام المغربي عمدا إلى استغلال أساليب ملتوية لتجاوز هذه القيود القانونية، حيث ابتكرا ما يُعرف بـ«مناطق أصل زائفة” للمنتجات القادمة من المدن المحتلة كالداخلة والعيون، وتسمح هذه المناورة باغتصاب القانون وإخفاء حقيقة أن هذه الموارد الطبيعية تستخرج من إقليم محتل لا يتمتع بالاستقلال والحرية، في انتهاك واضح لمبدأ السيادة الدائمة للشعوب على ثرواتها.
وتؤكد هذه الإجراءات أن المخزن يسعى بشكل متواصل لتطبيع الاحتلال وإضفاء الشرعية على سيطرته غير القانونية على الصحراء الغربية، مستغلا مصالح اقتصادية وجيوسياسية لبعض الجهات الأوروبية على حساب القانون الدولي وحقوق الشعب الصحراوي، كما تبرز هذه الممارسات خضوع بعض الأطراف الأوروبية لضغوط جماعات ضغط اقتصادية، في حين يتمّ إقصاء جبهة البوليساريو والشرعية الدولية من أي نقاش فعلي حول مستقبل الإقليم المحتل.
ويعتبر المراقبون أن استمرار مثل هذه السياسات يشكّل تهديدا لقواعد القانون الدولي، ويستدعي تحركا دبلوماسيا وقانونيا من المجتمع الدولي لضمان احترام حقّ الشعب الصحراوي في تقرير المصير وحماية موارده الطبيعية من الاستغلال غير المشروع، كما تؤكد هذه التطورات على ضرورة أن تكون كل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمغرب والصحراء الغربية متوافقة مع مبادئ الأمم المتحدة وأحكام القضاء الأوروبي لضمان العدالة والشرعية.
انتهاكات حقوقية وتضامن دولي متصاعد
وبالموازاة مع المعركة القانونية والدبلوماسية التي يخوضها الشعب الصحراوي، دقت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ناقوس الخطر بشأن الوضع المأساوي الذي يعيشه المدنيون في الأراضي الصحراوية المحتلة، وأكدت خلال مؤتمرها العالمي الثاني والأربعين المنعقد في العاصمة الكولومبية بوغوتا، أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستمرة بشكل ممنهج، مشيرة إلى تقارير موثقة أعدتها منظمات دولية ومحلية، من بينها تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان “كوديسا”.
وأدانت الفيدرالية بشدة ممارسات الاحتلال المغربي، بما فيها القمع العنيف، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب المتواصل الذي يتعرض له المدنيون والمدافعون عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وشدّدت على أن هذه الانتهاكات تعكس سياسة متعمدة لإرهاب السكان الصحراويين وتقييد حرية التعبير والمطالبة بحق تقرير المصير، وهو الحق غير القابل للتصرف الذي كفله القانون الدولي للشعب الصحراوي.
كما طالبت الفيدرالية الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المعنية بوقف أي دعم للسياسات المغربية القائمة على الاستيطان ونهب الموارد الطبيعية، مؤكدة ضرورة احترام الوضع القانوني المنفصل للإقليم طبقاً للأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية وقرارات الأمم المتحدة، وحثت جميع الدول الأعضاء على الالتزام بمبادئ القانون الدولي والضغط على المغرب لإنهاء سياساته القمعية، والسماح للمراقبين الدوليين بالتحقق من أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وضمان حماية المدنيين وممثلي الشعب الصحراوي الشرعيين.
وفي سياق التضامن الدولي مع القضية الصحراوية، تصاعدت الأصوات الداعمة لحقّ الشعب الصحراوي في تقرير المصير من العاصمة النمساوية فيينا، حيث أكدت الجمعية النمساوية-الصحراوية على أهمية احترام القانون الدولي في جميع القرارات والسياسات المتعلقة بالصحراء الغربية، ودعت الجمعية الحكومة الفيدرالية النمساوية إلى توخي الحذر في علاقاتها مع المغرب، وضمان أن تكون أي اتفاقيات أو شراكات تجارية أو سياسية متوافقة مع الالتزامات الدولية وحماية حقوق الشعب الصحراوي.
وشدّدت الجمعية، في رسالة خطية موجهة إلى المستشار النمساوي ونائبه ووزيرة الخارجية، على أن الصحراء الغربية ليست أرضا قابلة للتصرّف أو التنازل، بل هي إقليم يحقّ لشعبه ممارسة حقّه غير القابل للتقادم في تقرير المصير وفقاً لقرارات الأمم المتحدة وميثاقها، وخصوصاً قرار الجمعية العامة 1514 (د-15) المتعلّق بالقضاء على الاستعمار، وأكدت أن أي محاولة لتطبيع الاحتلال أو إضفاء الشرعية على السيطرة المغربية على الإقليم تشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
كما دعت الجمعية النمساوية-الصحراوية جميع السلطات الوطنية إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية والتواصل مع المنظمات الدولية لضمان حقوق الشعب الصحراوي، ومراقبة تنفيذ الاتفاقيات بشكل يحفظ حقوقه في الأرض والثروات. وأبرزت الجمعية أهمية إدراج هذا المبدأ في كل المعاهدات أو المشاريع الاقتصادية أو الثقافية التي تجمع النمسا بالمغرب، لضمان عدم التواطؤ في انتهاك حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعب الصحراوي.
الحقّ لا يسقط بالتقادم
إن حقّ الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال حق أصيل، لا يسقط بالمغالطات ولا تُبطله اتفاقيات تجارية غير شرعية، ولا تلغيه محاولات تطبيع واقع الاحتلال، وما دامت الأمم المتحدة تعترف بالصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار، وما دامت أعلى جهة قضائية دولية تنفي أي سيادة مغربية على الإقليم، فإن كل مسعى للالتفاف على هذا الإطار، لن يكون سوى تكريسٍ لعزلة قانونية وأخلاقية للمخزن.
هذه الإدانة للمخزن لا تستهدف الشعب المغربي الذي تربطه بالشعب الصحراوي روابط تاريخية وإنسانية عميقة، إنما تستهدف سياسة رسمية اختارت الارتماء في مغامرة كولونيالية خاسرة، بدل الانخراط في حلّ عادل يحترم حقّ الجار الصحراوي في الحرية.
إن الطريق الوحيد نحو سلام عادل ودائم في المنطقة يمرّ عبر تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقّه غير القابل للتصرف في تقرير المصير، من خلال استفتاء حر ونزيه تشرف عليه الأمم المتحدة بدون شروط مسبقة، ووقف القمع ونهب الثروات، والتزامٍ حقيقي من المجتمع الدولي بعدم مكافأة الاحتلال تحت أي مسمّى أو ذريعة، ولا شكّ أن المعطيات الراهنة تؤكد أن سياسة الهروب إلى الأمام التي ينتهجها المخزن، سواء عبر التضليل الدبلوماسي أو محاولة شراء الذمم بصفقات اقتصادية غير شرعية، لن تنجح في طمس الحقيقة التاريخية والقانونية.
حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال يبقى الركيزة الأساسية لأي حل عادل ودائم لقضية الصحراء الغربية، ولا يمكن لأي اتفاق أو وساطة أن تكون شرعية دون الاعتراف بهذا الحق التاريخي والقانوني، فهذا الحقّ يمثل التزاما قانونيا دوليا يكرسه ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة، ويشكل المعيار الوحيد لضمان السلام والاستقرار في المنطقة.
إن تجاهل هذا الحقّ أو محاولة الالتفاف عليه من خلال محاولات الاحتلال المغربي فرض واقع جديد على الأرض، يعد خرقاً صارخاً للقانون الدولي ولمبادئ العدالة، ويزيد من تعقيد الأزمة ويطيل معاناة الشعب الصحراوي؛ لذلك، فإن أي حل مستدام يجب أن ينطلق من إرادة الشعب الصحراوي الحرّة والصادقة، دون تدخل أو ضغط يهدف إلى فرض خيارات خارجية تعارض حقوقه المشروعة.
كما يفرض هذا السياق على المجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبرى والمؤسسات الحقوقية والهيئات الأممية، الانتقال من عبارات التنديد والشجب إلى اتخاذ إجراءات ملموسة وفعّالة، تفرض على الاحتلال المغربي الرضوخ للقانون الدولي والالتزام بتنفيذ قراراته لإنهاء آخر مظاهر الاستعمار في القارة الإفريقية، ولضمان أن يتمتع الشعب الصحراوي بحقوقه كاملة في الحرية والاستقلال والتنمية المستدامة.



