الصناعــة الصيدلانيـة..مثـال فـي تغطية نسبـة معتــبرة مـن الطلب المحلي
حماية النسيـج الصناعــي الوطنـي وتعزيــز حضـوره داخــل السوق
يبرز ملف المنتوج الوطني كأحد أبرز الرهانات الاستراتيجية المتعلقة بتقوية الاقتصاد والحدّ من الاعتماد على الخارج، فقد أولت السلطات العمومية اهتماما متزايدا بدعم الإنتاج المحلي، سواء من خلال مرافقة المؤسّسات الصناعية أو عبر ترشيد الواردات، ما فتح المجال أمام تساؤلات تتعلّق بمدى جاهزية المنتوج الوطني لمنافسة نظيره الأجنبي من حيث الجودة، والقدرة الإنتاجية، والسعر.
في السّياق، أكّد الخبير مراد كواشي أنّ الإنتاج الوطني شهد خلال السنوات القليلة الماضية تطورا لافتا، سواء من حيث الجودة أو الكمية أو القدرة الإنتاجية، وهو تطوّر مسّ مختلف القطاعات الصناعية، ويعكس التحول التدريجي الذي تعرفه المنظومة الاقتصادية الوطنية نتيجة التوجّهات الجديدة للدولة في مجال دعم الاستثمار والإنتاج.
وأوضح كواشي أنّ قطاع الصناعة الصيدلانية يعد من أبرز الأمثلة على هذا التطور، حيث تمكّنت الجزائر من تغطية نسبة معتبرة من الطلب المحلي بعد سنوات من الاعتماد شبه الكلي على الاستيراد، إلى جانب تسجيل توجّه فعلي نحو التصدير، خاصة نحو الأسواق الإفريقية والعربية، ما يعكس النضج التدريجي للمنظومة الصيدلانية الوطنية، سواء من حيث التحكّم في التقنيات أو احترام المعايير المعتمدة.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى التحوّل الذي عرفته صناعة مواد البناء، لافتا إلى أنّ الجزائر كانت تستورد في السابق مواد أساسية مثل الإسمنت والحديد والخزف، بينما أصبحت اليوم تمتلك مصانع ذات جودة عالية، بمعايير قريبة من المعايير الأوروبية، قادرة على تلبية احتياجات السوق الوطنية، مع تسجيل توجّه متزايد نحو تصدير فائض الإنتاج، خاصة مادة الإسمنت، وهو ما يعكس تحسّنا واضحا في القدرات الإنتاجية الوطنية.
وأبرز كواشي التطور المسجّل في قطاع الصناعات الغذائية، حيث انتقلت الجزائر من استيراد عدد معتبر من المنتجات، مثل المصبّرات والعجائن والمشروبات، إلى تصدير هذه المنتجات نحو أسواق خارجية، على غرار تونس ودول إفريقية مثل السنغال وموريتانيا، وهو ما يعكس تحسّنا ملموسا في تنافسية المؤسّسات الوطنية، سواء من حيث الجودة أو التحكّم في سلسلة الإنتاج.
وأكّد الخبير أنّ هذا التطور لم يكن وليد الصّدفة، بل جاء نتيجة مرافقة الدولة الجزائرية للمنتجين المحليّين، وتشجيعهم على الاستثمار والتوسّع، ومنح المنتوج الوطني أولوية واضحة، إلى جانب ترشيد عملية الاستيراد، بما ساهم في حماية النسيج الصناعي الوطني وتعزيز حضوره داخل السوق.
الجــودة والقــــدرة الإنتاجيـة
حول مستوى الجودة، أوضح مراد كواشي أنّ المنتوج الوطني قطع أشواطا معتبرة في احترام المعايير التقنية، مؤكّدا أنّ العديد من المؤسّسات الوطنية استثمرت خلال السنوات الأخيرة في تحسين نوعية منتجاتها، ليس فقط من الناحية التقنية، بل أيضا في مجالات التعبئة والتغليف والتسويق، وهي عناصر أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزّأ من مفهوم الجودة الشاملة.
وأشار إلى أنّ نجاح بعض المنتجات الجزائرية في اقتحام أسواق إفريقية وعربية، وحتى أوروبية يُعد دليلا ملموسا على هذا التحسّن، خاصة في ظلّ اشتراط هذه الأسواق لمعايير صارمة، موضّحا أنّ هذا المسار لا يزال بحاجة إلى تدعيم، من خلال مواصلة الاستثمار في الابتكار، وتحديث أدوات الإنتاج، وتحسين الأداء الصناعي.
أمّا فيما يتعلّق بالقدرات الإنتاجية، فقد أكّد الخبير أنّ العديد من المؤسّسات الوطنية نجحت في الرفع من طاقتها الإنتاجية، ما سمح بتغطية جزء كبير من الطلب المحلي، مع تسجيل توجّه متزايد نحو التصدير. غير أنّ هذا التوجّه، بحسبه، يبقى هشّا في بعض القطاعات، ويستدعي ضمان انتظام الإنتاج واستقرار التموين، تفاديا لأي اختلالات قد تؤثر على وفرة المنتجات في السوق الوطنية.
الأسعار.. التحدّي الحاسم في معركة التنافسية
على صعيد الأسعار، شدّد مراد كواشي على أنّ عنصر السعر يظلّ التحدي الأبرز أمام المنتوج الوطني، مؤكّدا أنّ التنافسية الحقيقية لا تُقاس بالجودة أو توفّر المنتوج وحدهما، وإنما بالقدرة على الجمع بين الجودة والسعر المقبول.
وأوضح أنّ المواطن الجزائري أصبح اليوم أكثر وعيا، ويقارن بين المنتوج المحلي والمستورد من حيث السعر والقيمة مقابل المال، ما يجعل التحكّم في الأسعار عاملا حاسما في ترسيخ الثقة، وأضاف الخبير أنّ تحسين الجودة، ينبغي أن يُرافقه تحكّم فعلي في تكاليف الإنتاج وسلاسل التوزيع، وقال إنّ الأسعار تمثل اختبارا حقيقيا لنجاعة السياسات العمومية الداعمة للإنتاج المحلي، مشيرا إلى أنّ الحفاظ على أسعار مستقرّة ومتناسبة مع القدرة الشرائية للمواطن يعدّ شرطا أساسيا لاستدامة الطلب الداخلي، كما شدّد على أنّ التحكّم في الأسعار يشكّل عنصرا مهما للتوجّه نحو التصدير.
وأشار الخبير الاقتصادي مراد كواشي إلى أنّ تعزيز تنافسية المنتوج الوطني يمرّ حتما عبر بناء معادلة متوازنة بين الجودة، القدرة الإنتاجية والسعر، إلى جانب استكمال مسار الرّقمنة وتطوير منظومة اللّوجستيك، خاصة ما تعلّق بالنقل البري والبحري والجوي، وأكّد أنّ هذه العوامل مجتمعة كفيلة بترسيخ مكانة المنتوج الجزائري داخل السوق الوطنية، وفتح آفاق أوسع لولوج الأسواق الإقليمية والدولية، في إطار رؤية اقتصادية تقوم على الإنتاج، التنافسية، والسّيادة الاقتصادية.





