مع حلول فصل الشتاء في ولاية البويرة، تتحوّل التلال الخضراء وقرى الهضاب إلى مسرح لعادات عريقة وتجارب إنسانية مميزة، حيث تنتشر أشجار الزيتون على مساحات واسعة لتصبح محور حياة العائلات المحلية.
هذا الموسم، ومع انطلاق حملة جني الزيتون، لا يقتصر العمل فيه على جمع المحصول فقط، بل يتحوّل إلى فرصة لتجسيد روح التعاون والتكافل الاجتماعي بين سكان المنطقة.
ففي مناطق مثل الأصنام، تاغزوت، سيدي زيان، الأخضرية، مشدالة، القصر، آث لعزيز، عين الباردة.. وغيرها، حيث تجتمع العائلات خلال عطلة الشتاء في الحقول، ويشارك الصغار والكبار في عملية الجني، ويعمل الجميع جنبا إلى جنب لضمان جمع الثمار.
ومع كل قطفة، يتعزّز الترابط بين أفراد العائلة والجيران، وتستمر العادات المتوارثة، مثل توزيع الطعام والمساعدة المتبادلة بين العائلات، في المحافظة على التراث الاجتماعي للمنطقة.
ويشير العديد من الفلاحين إلى أن موسم الزيتون يمثل بالنسبة لهم أكثر من مجرد مصدر دخل؛ فهو فرصة للتلاقي وتجديد الروابط العائلية والاجتماعية، خاصة مع طول أيام الشتاء التي تفرض على العائلات قضاء ساعات طويلة في الحقول، كما أن مشاركة الشباب في هذا النشاط التقليدي تساعدهم على فهم أهمية التراث الزراعي والحفاظ على شجرة الزيتون التي تمثل جزءا أساسيا من هوية وطننا الحبيب.
ولم تقتصر أهمية الموسم على الجانب الاجتماعي فقط، بل يمتد إلى جودة منتوج الزيتون في البويرة، المعروف بكونه من أفضل أنواع الزيت في الجزائر ويتميز زيت الزيتون المنتج محليا بلونه الذهبي الغني، ونكهته الطبيعية الفريدة، وخصائصه الصحية العالية، ما يجعله مطمحا للسوق المحلية وحتى الخارجية.
ويحرص الفلاحون على جمع الزيتون في الوقت المناسب وعصره بسرعة في المعاصر التقليدية والحديثة، لضمان استخراج زيت نقي ذو جودة ممتازة وتشهد معاصر الزيتون المنتشرة في مختلف البلديات، نشاطا مكثفا، حيث تتوافد الثمار الطازجة لتحويلها إلى زيت عالي الجودة، بينما يحرص الفلاحون على تنظيم أوقات العمل بما يتناسب مع الدراسة والعطلة المدرسية، لضمان مشاركة جميع أفراد الأسرة في هذا الحدث السنوي المميز.
هذا الموسم في البويرة، الذي يجمع بين وفرة الإنتاج وجودة الزيت ودفء العلاقات الإنسانية، ويبرز الزيتون ليس فقط كمورد اقتصادي استراتيجي، بل كرمز للهوية والتقاليد وقيم التضامن التي تميز المجتمعات الريفية.

