مراجعة منظومة التّقييم وتحسين مردودية التّحصيل
تخفيف الضّغط النّفسي على المترشّحين نتيجة كثرة المواد وتشعّب متطلّباتها
أعاد تصريح وزير التربية الوطنية محمد صغير سعداوي، بشأن التوجه نحو إلغاء المواد الثانوية من امتحانات شهادة الباكالوريا النقاش إلى الواجهة داخل الأسرة التربوية، في وقت تتزايد فيه المطالب بتخفيف العبء عن تلاميذ الأقسام النهائية، وجعل هذا الامتحان الوطني أكثر انسجامًا مع منطق التخصص الذي تقوم عليه مرحلة التعليم الثانوي. ويأتي هذا الطرح في سياق إصلاحات أوسع تستهدف مراجعة منظومة التقييم، وتحسين مردودية التحصيل الدراسي.
يرى متابعون للشأن التربوي، أنّ هذا التوجه في حال تجسيده بشكل مدروس، من شأنه أن يساهم في إعادة الاعتبار للمواد الأساسية، خاصة في الشعب العلمية والتقنية، التي تتطلّب تركيزًا عاليًا ومجهودًا ذهنيًا مضاعفًا. كما قد يخفّف من الضغط النفسي الكبير الذي يعيشه المترشّحون، نتيجة كثرة المواد وتشعّب متطلباتها، وهو ما انعكس في السنوات الأخيرة على الأداء العام للتلاميذ، رغم امتلاك العديد منهم قدرات جيدة في مواد تخصّصهم.
في المقابل، يثير هذا التّوجّه تخوّفات تتعلق بمصير المواد غير الممتحن فيها، وإمكانية تهميشها داخل الأقسام، خاصة في ظل عقلية تربط أهمية المادة بوجودها في الامتحان من عدمه. وهو ما يستدعي، حسب مختصّين، مرافقة هذا القرار بإجراءات بيداغوجية موازية، تضمن الحفاظ على الدور التربوي والثقافي لهذه المواد داخل المنظومة التعليمية.
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير التربوي موسى سليماني، أنّ مطلب إلغاء المواد الثانوية في امتحان شهادة الباكالوريا يُعد من المطالب القديمة التي تتجدّد في كل مرة، خاصة من طرف الأساتذة وأولياء التلاميذ في الأقسام النهائية، مؤكّدًا أن المقصود بهذا الطرح هو شهادة البكالوريا تحديدًا، باعتبار أنّ شهادة التعليم المتوسط لا تقوم على مبدأ التخصص. وأضاف أن هذا المطلب لا يقتصر على الفاعلين التربويين فقط، بل يطرحه التلاميذ كذلك، بالنظر إلى حجم الضغط الذي يرافق التحضير لهذا الامتحان المصيري.
وأشار سليماني لـ “الشعب” إلى وجود انقسام داخل الوسط التربوي حول هذه المسألة، حيث يرى فريق من الأساتذة ضرورة إلمام تلميذ الشعب العلمية والتقنية بالمواد الأدبية، لما لها من دور في بناء الثقافة العامة والشخصية المتوازنة، معتبرين أنه من غير المقبول أن يتخرج طبيب أو مهندس دون حد أدنى من الثقافة في اللغة العربية أو التربية الإسلامية أو التاريخ والجغرافيا.
وفي المقابل، يرى فريق آخر أنّ تحميل تلميذ البكالوريا عددا كبيرًا من المواد في امتحان مصيري يُعد عبئًا غير مبرر، خاصة بالنسبة لتلاميذ الشعب العلمية والتقنية الذين يواجهون مواد ذات معاملات ثقيلة وتتطلب تركيزًا كبيرًا.
وأوضح الخبير التربوي أنّ الإشكال الحقيقي لا يكمن في وجود هذه المواد ضمن المنهاج، وإنما في إدراجها ضمن امتحان حاسم يحدد مستقبل التلميذ الجامعي، معتبرًا أن السنة الثالثة ثانوي يجب أن تكون سنة تركيز وتخصص، لا سنة تشتيت وضغط مضاعف. كما لفت إلى واقع بيداغوجي لا يمكن تجاهله، يتمثل في أن التلميذ وولي أمره غالبًا ما يهملان المادة التي لا تُدرج في الامتحان، وهو ما يفرض التفكير في آليات تقييم بديلة تضمن استمرارية الاهتمام بها.
وانطلاقًا من هذا التشخيص، اقترح سليماني اعتماد حل وسط يقوم على الإبقاء على تدريس جميع المواد في السنتين الأولى والثانية ثانوي، لضمان تكوين معرفي وثقافي شامل، مع الاستغناء عن المواد غير الأساسية في السنة الثالثة ثانوي فقط، بما يسمح للتلميذ بالتركيز الكامل على مواد تخصّصه، سواء في الشعب العلمية أو الأدبية، مع تحقيق قدر من العدالة البيداغوجية.
ويرى الخبير أنّ إصلاح امتحان البكالوريا لا يمكن أن يكون إجراءً معزولًا، بل يجب أن يندرج ضمن إصلاح شامل للمنظومة التربوية، يوازن بين متطلبات التخصص والكفاءة من جهة، وبناء الثقافة العامة والوعي المجتمعي من جهة أخرى، بما يضمن تكوين تلميذ ناجح أكاديميًا، ومندمج فكريًا وقيميًا في مجتمعه.
مقـــــترح يستحــق التّثمـــين
بدوره، أكّد الخبير التربوي نواري كمال في تصريح لـ “الشعب”، أنّ أي إصلاح يخص نظام امتحان شهادة البكالوريا لن يُطبّق في دورة 2026، وإنما في الدورات الموالية، مشدّدا على أن مثل هذا القرار يُعد خطوة إيجابية تستحق التثمين، لكونه سيسمح بالتركيز على المواد الأساسية لكل شعبة، بما ينسجم مع اختيارات التلاميذ في التخصصات الجامعية. كما دعا المتحدث إلى استحداث شعب جديدة تواكب التحولات العلمية والتكنولوجية، على غرار الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والأمن السيبراني، معتبرا أنّ البكالوريا بصيغتها الحالية باتت مرهقة للتلميذ، ومكلفة للدولة من حيث التنظيم والتمويل، مقترحًا تقليص مدة الامتحان إلى ثلاثة أيام بدل خمسة، إلى جانب إدراج البطاقة التركيبية ضمن آليات التقييم، لما لها من دور في تشجيع المترشح المتمدرس على المواظبة، وعدم الغياب خلال الفصول الدراسية.




