أكّد رئيس غرفة الصناعة والتجارة “سوف” بولاية الوادي، نبيل قنوعة، أنّ الجزائر شهدت خلال سنة 2025 مرحلة متقدّمة من عملية التحول الاقتصادي الإيجابي، وفق رؤية استراتيجية متكاملة وناجحة انتهجتها الدولة منذ سنة 2020.
كشف نبيل قنوعة في تصريح خصّ به “الشعب”، أن هذه المرحلة لم تعد توصف بفترة التعافي أو امتصاص الصدمات، بل باتت تترجم دخول الاقتصاد الوطني في مسار نهضة حقيقية، ونمو متصاعد متعدد المصادر، قائم على الإنتاج المحلي، والاستثمار العمومي الموجّه، واستعادة دور الدولة كفاعل مركزي في توجيه التنمية وحماية التوازنات الكبرى للجمهورية.
وفي ظرفٍ دولي يتسم باضطرابات اقتصادية وتقلّبات في أسواق الطاقة والغذاء، مثلما أضاف قنوعة، نجحت الجزائر بكفاءة في الحفاظ على وتيرة نمو معتبرة خلال السنة الجارية والخماسي السابق، مدعومة بعودة النشاط المكثف في القطاعات الحيوية الداخلية، وتقدّم ملموس في مشاريع هيكلية ظلّت لعقود حبيسة التصريحات، وكذا تراجع التضخم بشكل غير مسبوق إلى أقل من 2 %.
وقد أظهرت المؤشرات الوطنية والدولية تقاربًا واضحًا حول تسجيل نمو اقتصادي متعاظم يتجاوز أربعة في المائة، وهو معدل يعكس ديناميكية داخلية إيجابية أكثر منه أثرًا ظرفيًا ناتج عن عوامل خارجية، يقول المتحدث.
واللافت في هذه المرحلة، كما أبرز قنوعة، هو مصادر النمو التي لم تعد محصورة في قطاع الطاقة وحده، بل توسّعت لتشمل الفلاحة، والصناعة، والسياحة، والبناء والأشغال العمومية، والصناعات الغذائية والإلكترونية والميكانيكية، والخدمات واللوجستيك، ما يؤكّد وجود تحوّل تدريجي في بنية الاقتصاد الوطني. ففي القطاع الفلاحي بالتحديد، سجّلت الجزائر خلال الموسمين الأخيرين ارتفاعاً معتبراً في إنتاج الخضروات والفواكه نتج عنه فوائض ضخمة مؤهلة للتصدير، إلى جانب تحسّن ملحوظ في إنتاج الحبوب وصل إلى حدّ تحقيق الإكتفاء في القمح الصلب، ليساهم الأمر تلقائيًا في تقليص حجم الاستيراد، وتخفيف الضغط والعبء على الخزينة العمومية.
وقد مكّن هذا الأداء الفلاحي القوي من تحقيق وفرة في السوق الوطنية بعدد من المواد الأساسية، لاسيما البطاطا، والبصل، والطماطم، والحمضيات، مع بداية التوجّه الفعلي نحو تصدير الفائض الموسمي إلى بعض الأسواق الخارجية، إذ تشير تقديرات الأسواق إلى أن قيمة الإنتاج المحلي في شعبة الخضر والفواكه بلغت حوالي 3.5 مليارات دولار خلال سنة 2025، مع آفاق نمو سنوية تتراوح بين 5 و6 %، وهو ما يبشّر بانتقال الفلاحة الجزائرية من منطق الاكتفاء إلى دائرة القيمة المضافة ورفع الصادرات خارج المحروقات، وفقًا له.
التحوّل في الإنتاج الفلاحي، بحسب قنوعة، لم يكن ممكنًا لولا المقاربة المتكاملة التي اعتمدتها الدولة بتوجيه وإيعاز من رئيس الجمهورية، خاصة عبر رفع المردودية، وتوسيع المساحات الخضراء المسقية، وتشجيع الاستثمار في الجنوب الكبير، وتحسين بنية التخزين وشبكة التوزيع، وربط الفلاحة بالأمن المائي، الذي عرف بدوره تطورًا نوعيًا غير مسبوق في البلاد.
وتابع: “دشّنت الجزائر خلال السنوات الأخيرة عدداً من محطات تحلية مياه البحر، بولايات وهران والطارف وبومرداس وتيبازة وبجاية، بطاقة إنتاج تصل إلى 300 ألف متر مكعب يومياً لكل واحدة، إلى جانب محطات أخرى في طور الإنجاز والاستكمال. هذه المشاريع المائية الإستراتيجية، التي أنجزت بإشراف مؤسسات وإطارات وطنية على رأسها مجمع سوناطراك، مكّنت من تأمين التزويد بالمياه الصالحة للشرب لملايين المواطنين، ورفع الضغط عن استخدامات السدود، وبالتالي وفّرت موردًا دائمًا للفلاحة والصناعة، خاصة في المناطق الساحلية والداخلية التي كانت تعاني من الإجهاد المائي والجفاف، وبذلك انتقل قطاع المياه من عامل هشاشة إلى ركيزة دعم للتنمية الاقتصادية المستدامة”.
وفي قطاع المناجم والتعدين، لفت قنوعة إلى أهمية مشروع منجم غارا جبيلات كأحد أهم المشاريع الهيكلية الكبرى في الجزائر الجديدة، الذي يُبرز التحول العميق في الرؤية الاقتصادية للدولة؛ ذلك أن هذا المنجم، المقدر احتياطاته بأكثر من 3.5 مليارات طن من خام الحديد، دخل فعليًا مرحلة التجسيد والإستثمار بعد عقود طويلة من الجمود. وقد شهد المشروع سنة 2025 تقدّما معتبرا في أشغال الربط بالسكك الحديدية بين غارا جبيلات وولاية بشار، وهو ما يمهّد لنقل ملايين الأطنان من الخامات نحو وحدات التحويل والموانئ في وهران.
هذا الإستثمار المنجمي النوعي لا يقتصر أثره الإيجابي على استغلال مورد طبيعي فحسب، بل يشكّل قاعدة لتشييد صناعة وطنية للحديد والصلب، وتقليص فاتورة الاستيراد، والتصدير إلى الخارج، وخلق آلاف مناصب الشغل، فضلا عن تنمية الجنوب الغربي وتحويله إلى قطب اقتصادي منتج في الأمد القريب، يذكر محدّثنا.
أما في قطاع الطاقة، أشار نبيل إلى أن الدولة كثّفت استثماراتها في البحث والتنقيب والاستكشاف، إلى جانب تحديث وحدات الإنتاج وعصرنتها، وتوطين المشاريع المرتبطة بالتحول الطاقوي، حيث سجّلت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في الإنفاق الموجّه للاستكشافات، مع توقيع عقود جديدة وتوسيع الشراكات الأجنبية، بما يضمن الحفاظ على قدرات الإنتاج، وتعزيز الأمن الطاقوي، ورفع مساهمة الصناعات التحويلية المرتبطة بالطاقة.
كما شهدت سنة 2025 استقطاب عدد من الشّراكات العالمية الرائدة في قطاع المحروقات والطاقات المتجددة، وتوطين مشاريع استثمارية مشتركة مع دولة قطر وسلطنة عُمان وإيطاليا وتركيا والصين والمملكة العربية السعودية ومصر، تهدف إلى تطوير الإنتاج الداخلي في شتى الشّعب والميادين باستخدام تقنيات حديثة، ليس كشراكات في إطار تمويل فقط، وإنما تقوم على نقل الخبرة والتكنولوجيا الحديثة، واستحداث مناصب شغل كثيرة، وتعزيز الاندماج في سلاسل القيمة المضافة، بحسب المصدر ذاته.
مجمل هذه المعطيات الإيجابية وأخرى، ترسم صورة الإقتصاد الوطني المتعافي والصّاعد إلى مصف الإقتصاديات الناشئة، ويتجه في 2026 نحو آفاق أكثر تقدما وتطورا، مدعوما باستقرار في معدلات النمو، وتوسّع في قاعدة الإنتاج الوطني، وتحسّن ملحوظ في البنى التحتية واللوجستيك، وتراجع تدريجي في التبعية للاستيراد، وتضاؤل التضخم، وكلّها مؤشرات خضراء تُظهر أن ما تحقق ليس ظرفيًا، بل نتيجة خيارات استراتيجية حكيمة وواعية، جعلت من الإنتاج المحلي والسيادة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ركائز أساسية في بناء جزائر جديدة ومنتصرة، يضيف رئيس غرفة الصناعة والتجارة “سوف” بولاية الوادي، نبيل قنوعة.
هذا وقد دوّن الإقتصاد الوطني الجزائري، في آخر السنوات، أداءً ايجابيًا، ونموّا متعاظما في القطاعات غير الطاقوية، أشادت به المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، مع استمرار جهود زيادة الصادرات غير النفطية والعمل على تنميتها إلى حدود 10 مليارات دولار، إثر تسجيلها أرقامًا جدّ قياسية ناهزت 7 ملايير دولار عام 2023.
وفي آخر تقرير له حول الوضع الإقتصادي في الجزائر لفصل الخريف 2025، أبرز البنك الدولي أن الناتج الوطني في القطاعات غير المتصل بالمحروقات نما بنسبة 5.4 %، مع تراجع معدل التضخم في البلاد إلى 1.7 بالمائة خلال الأشهر 9 الأولى من السنة، متبوعاً بانخفاض أسعار المواد الغذائية، ودعم من استقرار سعر صرف الدينار.
وأتت هذه الطفرة الاقتصادية النوعية ثمرة لجملة من الإصلاحات العميقة والناجعة التي أطلقها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والتي شملت مراجعة الإطار القانوني للاستثمار، تحسين مناخ الأعمال، ودعم الإنتاج الوطني، ما أفضى في آجال وجيزة إلى تحقيق انتعاشة اقتصادية غير مسبوقة، واستعادة الثقة في المؤشّرات الكلية للاقتصاد الوطني.
وسمح هذا المسار الإصلاحي بتسجيل تنوّع لافت في مصادر الدخل خارج المحروقات، وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني على الصمود والتكيف مع الأزمات الداخلية والخارجية، فضلاً عن تهيئته لاستيعاب التحولات الجيوسياسية المتسارعة في العالم، بما يعزّز مكانة الجزائر كشريك اقتصادي موثوق، ويكرّس مقوّمات السيادة الاقتصادية والتنمية المستدامة.






