تأتي نهاية العام 2025 على الضفة الغربية وهي غارقة في عمليات التهجير القسري التي تنتهجها حكومة الاحتلال وعصابات مستوطنيه بوسائل متعددة، سواء عبر قرارات الهدم والاستيلاء على الأراضي، أو من خلال مزاعم الحاجة العسكرية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية. في الوقت ذاته، باتت تهديدات المستوطنين وأوامرهم وسيلة فعّالة للتهجير الصامت، تظهر تداعياته يومًا بعد آخر.
يستقبل النازحون في الضفة عام 2026 وأفق العودة إلى مساكنهم الأصلية لا يزال بعيدًا وغير واضح، في ظل استمرار سياسات التهجير القسري وتدمير البنى التحتية.ويتتبع هذا التقرير واقع تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية، كأحد أخطر الأدوات المستخدمة لتغيير الخريطة الديمغرافية وفرض واقع جديد على الأرض، تمهيدًا لإقامة مخططات استيطانية ضخمة تطغى على الخريطة السياسية للضفة الغربية والقدس المحتلة.
تغريبـة المخيّمات
منذ بداية العام، شهدت مخيمات شمال الضفة الغربية موجة جديدة من التهجير، موازية لتغريبة غزة، قد تكون أقل وطأة لكنها لا تقل خطورة عنها.
ووفق بيانات الأونروا في آخر إحصائية، فقد تمّ تسجيل أكثر من 32 ألف نازح من مخيمات شمال الضفة الغربية (جنين، طولكرم، ونور شمس)، لم يتمكّنوا من العودة إلى منازلهم حتى إعداد هذا التقرير. كما أغلق الاحتلال كافة مؤسسات الأونروا داخل المخيمات، بما في ذلك المدارس والمراكز الصحية، محرمًا الفلسطينيين من الاستفادة منها.
وأشار تقرير أوتشا (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية) إلى أنّ صور الأقمار الصناعية الأخيرة تظهر أن نحو 1,460 مبنى قد طالها التدمير أو ألحقت بها أضرار فادحة أو متوسطة، موزعة على مخيمات جنين (52 ٪ من مجموع مبانيها)، ونور شمس (48 ٪)، وطولكرم (36 ٪).
النّزوح المستمر وأفق العودة البعيد
أوضح فيصل سلامة، رئيس اللجنة الشعبية التابعة لمخيم طولكرم، أن آلاف المباني في مخيمي طولكرم ونور شمس تضرّرت جزئيًا، بالإضافة إلى تدمير المحال التجارية ومصادر رزق المواطنين وسياراتهم، فضلاً عن تدمير البنى التحتية بالكامل. وقد طفحت مياه الصرف الصحي على غالبية المنازل في المخيمات غير المهدمة، مما ألحق أضرارًا جسيمة فيها، بالإضافة إلى تعطيل شبكات المياه والاتصالات، لتحويل المخيمات إلى بيئة طاردة لا يمكن العودة إليها بسهولة. وأكد أن العودة إلى المخيمات ستستغرق سنوات، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال قام بتعبيد الطرق على أنقاض المنازل المدمرة في سياسة تهدف لفرض واقع جديد لا يمكن تجاوزه.
وأضاف سلامة أنّ النّازحين لا يزالون يقيمون في مراكز الإيواء، أو منازل أقاربهم، أو منازل استأجروها على حسابهم في ظروف إنسانية صعبة، بينما تتراكم عليهم أجرة المنازل بعد خسارتهم لمنازلهم ومصادر رزقهم في المخيمات.
عمليــات هـــدم وتشريـد للسكان
في سياق متّصل، يتابع الاحتلال سياسة هدم المنازل وإصدار إخطارات الهدم لمنازل ومنشآت فلسطينية أخرى. ووفق تقرير أوتشا، فقد تمّ تهجير أكثر من 1,500 فلسطيني حتى منتصف نوفمبر 2025 بسبب عمليات الهدم التي تنفّذ بحجة الافتقار إلى رخص البناء، من بينهم نحو 1,000 فلسطيني في المنطقة (ج)، و500 آخرون في القدس الشرقية.وفي حصيلة غير نهائية، وثّقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أكثر من 641 عملية هدم للمنشآت الفلسطينية في مدن الضفة الغربية، استهدفت أكثر من 1,021 منشأة، بينما أصدرت سلطات الاحتلال أكثر من 528 إخطارًا جديدًا بهدم منشآت أخرى خلال العام 2025.
القــدس..”تهجير عرقـي”
في محافظة القدس المحتلة، التي تواجه مشروع تهجير عرقي ممنهج، سجلت التقارير السنوية نحو 449 قرار هدم وتجريف حتى إعداد هذا التقرير، ولا تزال مئات الإخطارات الجديدة تصل للمواطنين لتنفيذها في الأيام المقبلة. ويعمل الاحتلال بلا توقف على تغيير الخارطة الديموغرافية في القدس المحتلة.
ومن بين أخطر الإخطارات، ما سلّم لعائلات تقيم في بناية حي الصوانة، يقطنها نحو 100 مقدسي موزعين على 17 عائلة، من بينهم عائلة الشيخ عكرمة صبري في جويلية 2025، إضافة إلى هدم بناية “الوعد” في حي سلوان في 22 ديسمبر، حيث شُرّد نحو 100 فرد أصبحوا بلا مأوى.
التّجمّعات البدوية في عين الإعصار
كما شهدت التّجمّعات البدوية تهجيرًا غير مسبوق خلال العام، نتيجة اعتداءات وهجمات المستوطنين المستمرة منذ السابع من أكتوبر، والتي تجاوز عددها 38 ألف اعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم، وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
وأشار حسن مليحات، مدير منظمة “البيدر” للدفاع عن حقوق البدو، إلى أن هجمات المستوطنين بدأت بالاعتداءات وسرقة المواشي والممتلكات، ثم التهديد بالحرق، وصولًا لتجمع مئات المستوطنين حول التجمعات البدوية وإجبار سكانها على المغادرة بسرعة.
تمدّد الاستيطــان
هذا، وأشارت منظّمة “السّلام الآن” الصّهيونية، إلى أن عدد الوحدات السكنية الاستيطانية التي أعلنت سلطات الاحتلال السماح ببنائها في الضفة الغربية خلال 2025 سجّل رقمًا قياسيًا بلغ 5,667 وحدة سكنية، مقارنة بالرقم القياسي السابق البالغ 3,808 وحدات عام 2018. وبحسب المنظّمة، فإنّ هذه الوحدات المخطّط لها ستستوعب نحو 25 ألف مستوطن عند اكتمال بنائها.

