احتضنت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية قسنطينة “مصطفى نطور”، في إطار منتدى الكتاب، جلسة ثقافية استضافت الكاتب والصحفي طاهر حليسي، بحضور نخبة من المثقفين، الطلبة والمهتمين بالشأن الأدبي والفكري الجزائري، في موعد ثقافي جمع بين السرد الإبداعي والتوثيق التاريخي والتجربة الصحفية الميدانية.
افتُتحت الجلسة بكلمة ألقتها مديرة المكتبة لوصيف راضية، أكدت من خلالها أن هذا اللقاء يندرج ضمن رؤية المكتبة الرامية إلى مرافقة الحراك الثقافي المحلي، وفتح نوافذ معرفية على التجارب الإبداعية الجزائرية الجادة، مشيرة إلى أن تجربة الكاتب طاهر حليسي تُعد نموذجا غنيا يجمع بين الأدب والتاريخ والصحافة.
وخلال مداخلته، استهل الكاتب حديثه بالتوقف عند روايته الأولى “الميزونة” الصادرة سنة 2017، والتي جاءت في نحو 400 صفحة، وتنتمي إلى الأدب الواقعي، وقد عالجت الرواية، حسب حليسي، ظاهرة التسلق الاجتماعي والمالي والسياسي داخل مجتمع متخلخل القيم، حيث يصبح البحث عن النفوذ والمال غاية تُبرر الوسيلة، دون ضوابط أخلاقية.
وتدور أحداث الرواية في ثلاث فضاءات أساسية في مقدمتها ولاية باتنة، الجزائر العاصمة، مع امتداد سردي إلى بجاية، بينما يشير عنوانها “الميزونة” إلى مصطلح يُطلق على دور حراس القطارات المهجورة، التي تتحوّل في النص الروائي إلى فضاء تتشكل فيه عصابات من اللصوص للتخطيط للسرقة في إسقاط رمزي حاد لواقع اجتماعي مأزوم.
أما روايته الثانية “مزرعة الجونكيرا”، فقد وصفها الكاتب بأنها غوص عميق في الذاكرة الثورية الجزائرية، حيث استعاد من خلالها تاريخ الثورة والتحرير، معتمدا على وقائع بطولية وأخرى مأساوية، استقاها من شهادات والديه، مدعمة بشواهد تاريخية دقيقة.
وأشار حليسي إلى أنه ضمن الرواية اقتباسات من حوارات حقيقية، جمعت الشهيد مصطفى بن بولعيد ورفاقه، ما منح النص بعدا توثيقيا وجماليا في آن واحد، وجعل العمل أقرب إلى سيناريو سينمائي يتيح للقارئ معايشة التجربة الثورية بكل أبعادها الإنسانية.
وفي سياق آخر، توقف الكاتب عند إصدار “مذكرات مراسل حرب” الصادر سنة 2023، مؤكدا أنه يُعد أول عمل جزائري يوثق لتجربة التغطية الحربية بعد مساره الروائي، وأوضح أن فكرة تدوين مذكرات الحرب تعود إلى سنوات طويلة، وتحديدا منذ حرب لبنان سنة 2006، غير أن أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 سرعت وتيرة إصدارها، لتأتي في توقيت وصفه بالمناسب من حيث المناخ العام ووعي المتلقي.
وتمنح هذه اليوميات ـ حسب المتحدث ـ القارئ فرصة الانغماس الوجداني والعقلي في أجواء الحروب، وفهم خلفياتها استنادا إلى تجربة ميدانية حقيقية وموثقة، وشهدت الجلسة نقاشات ثرية بين الكاتب والحضور، تمحورت حول مكانة المشروع الأدبي في الجزائر، وحدود التداخل بين الأدب والتاريخ والصحافة، إضافة إلى رهانات الكتابة في زمن التحولات السياسية والإعلامية المتسارعة.
واختُتم اللقاء بتكريم الكاتب طاهر حليسي، مع التقاط صور تذكارية، تخليدا لهذه المحطة الثقافية، التي أكدت مرة أخرى دور المكتبة العمومية كفضاء حي للنقاش والتفاعل الثقافي والفكري.







