تزين رواق مسرح الهواء الطلق “موحيا”، بدار الثقافة مولود معمري بتيزي وزو، بلوحات للفنان العصامي “جمال كاحلي” ابن منطقة القالة بولاية الطارف، وذلك ضمن المعرض الفني التشكيلي الموسوم بـ«مادة للتأمل”، الذي يتواصل إلى غاية 4 جانفي الداخل، حيث سيكون الجمهور وعشّاق هذا النوع الفني على موعد للسفر فيما وراء الطبيعة وما وراء الأحاسيس.
يدعو الفنان التشكيلي العصامي جمال كاحلي من خلال هذا المعرض الفني، جمهوره إلى تجربة غامرة في صميم المادة والزمن، خاصة وأنه قد سفر في عمق المجرات والكواكب من خلال لوحاته، التي أبدع من خلالها في ترجمة الأحاسيس ومختلف المواضيع، ليقف المشاهد في ذلك الفضاء المرئي ومن خلال تلك الألوان والتعابير الحسّية المجسّدة بطريقة كلاسيكية على لوحات من قماش تتخللها الحبال، ويجسّد العالم غير المرئي في لوحات تحمل عمق مشاعره وأحاسيسه، فبين التدبر وتحليل الأفكار التي جسّدها في اللوحة المستوحاة من “تمثال هودا المفكر”، إلى لوحة “الأبواب السبعة”، و«الانفجار العظيم” و«القدر” و«لوحة الثقب الأسود”.. كل هذه الأعمال الفنية تجعل الزائر يتخيل نفسه أنه متواجد في الكونيات التي يحسّ بها ببصيرته، ليسافر من خلالها إلى كل ما هو غير مرئي، وهي الرسالة التي أراد الفنان إيصالها لعشاق هذا النوع الفني وللجمهور، وذلك من خلال إخراجه من الروتين إلى التدبّر والتفكّر.
صرّح جمال كاحلي لـ«الشعب”، أنه يستمد إلهامه “من محيطه المباشر، من الصخور التي نحتتها عوامل الملح والرياح والتعرية، والتركيبات المعدنية والعضوية، والمناظر الطبيعية الصامتة حيث تنقش الطبيعة ذاكرتها بصبر”، مشيرا إلى أن في أعماله يصبح الصخر لغة بحد ذاتها، ولم يعد مجرد عنصر طبيعي بل مادة حساسة، تحمل آثارا وإيقاعات وأصداء روحية، يستكشف من خلالها هذا التحوّل من العالم المعدني المصغر إلى العالم الرمزي الأكبر، متسائلا عن العلاقة العميقة بين الأرض والإنسان والكون، ويتجلى نهجه الفني من خلال ممارسة تعددية وتجريبية.
وأبرز محدثنا أنه يمزج هذا العمل الفني بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي، ولا سيما التصوير الماكرو والتجريد الفوتوغرافي، مع استكشافات فنية متنوعة، حيث تُدمج مواد مثل الطين والبلورات والرمل والأصباغ المستخرجة من المعادن، بالإضافة إلى مواد أخرى كالورق والقماش، مع طلاء الأكريليك في مزيج حر وبديهي وحسي، وتشارك الدعامات الدائرية والمربعة والمستطيلة، بشكل كامل في هذا الاستكشاف للزمان والمكان، بين المرئي وغير المرئي، والمادة والروح، رافضا بذلك أي حدود ثابتة بين التخصصات، ليقدم كل عمل نفسه كمساحة للتأمل، ودعوة للهدوء والتأمل والتدبر.
وكشف كاحلي أن الفكر هو الذي يتحكّم في اللوحة والعمل الفني الذي ينجزه، مستعينا بأدوات هي التي تفرض نفسها مثل المواد والألوان التي تتزاوج بين الألوان الساخنة والباردة والرجولي والأنثوي، وبالتحامها تظهر ملامح تلك اللوحة الفنية التي تحمل قراءة عميقة، يستنطقها الجمهور وفق رؤيتهم المختلفة عن رؤية الفنان، خاصة وأن عناوين تلك اللوحات تحجب، كي لا تؤثر على القراءة الاستنطاقية للجمهور، كما أنه في بعض الأحيان، يقول “تبقى اللوحات دون عنوان، وذلك خارج نطاق والحالة النفسية للفنان، التي يفضل تركها دون عنوان”.
الأعمال الفنية للفنان التشكيلي العصامي جمال كاحلي حظيت بالتقدير والإعجاب، وذكرت في كتب ومراجع قيّمة، لا سيما في كتاب علي الهادي طاهر “التجريد والطليعة في الرسم الجزائري”، وكذلك في كتابات المفكر والنحات محمد بوكرش، كونها أعمال فنية فريدة من نوعها وتسحر الواقف أمامها، حيث تدفعه إلى الغوص والإبحار والسفر فيما وراء الكونيات وفي كل ما هو مخفي، ليتجاوز بذلك الروتينيات والطبيعة إلى التفكر والتدبر.





