في ظل الرهانات التنموية المرفوعة، على صعيد حلقات النشاط الاقتصادي، لم يعد النقل مجرد حلقة تقنية في سلسلة الإنتاج، بل تحول إلى عامل حاسم يحدد كلفة السلع، وتوازن الأسواق، وقدرة المتعاملين على الاستمرار والمنافسة.
كل زيادة في تكاليف الشحن تنعكس مباشرة على الأسعار، وعلى ديناميكية التوزيع بين مختلف المناطق، خاصة في اقتصاد واسع المساحة ومتعدد الأقطاب. ومن هذا المنطلق، يبرز ملف تعويض تكاليف النقل كأحد الملفات التي درسها مجلس الوزراء الأخير برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.خصص مجلس الوزراء الأخير، جزءا مهما من جدول أعماله لدراسة عرض يتعلق بتعويض تكاليف النقل في المجال الاقتصادي، في خطوة تعكس إيلاء الدولة اهتماما خاصا للدور المحوري الذي يلعبه النقل في دعم النشاط الاقتصادي وتحقيق التوازن بين مختلف المناطق.ودراسة هذا العرض موافقة لكل ما يتناسب مع المعطيات العامة للمجال الاقتصادي، وهو ما يعكس توجها عمليا يأخذ بعين الاعتبار التحديات الراهنة التي تواجه المنتجين والمتعاملين الاقتصاديين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف النقل ليس في الجزائر بل في الأسواق العالمية والأخذ بعين الاعتبار تأثيرها المباشر على الأسعار والقدرة التنافسية.
عامـل حاســم بالمعادلــة الاقتصاديــة
ويمثل النقل أحد الأعمدة الأساسية لأي منظومة اقتصادية فعالة، إذ ترتبط به تكلفة الإنتاج، وسلاسة التوزيع، واستقرار التموين. وفي بلد شاسع المساحة والأكبر في القارة السمراء، تزداد أهمية هذا القطاع في الجزائر، خاصة بالنسبة للولايات الداخلية والجنوبية المترامية الأطراف والشاسعة للتخفيف على المنتجين تكلفة الشحن.
ومن هذا المنطلق، يندرج قرار دراسة تعويض تكاليف النقل ضمن رؤية تهدف إلى تحقيق توازن تنموي، وضمان وصول المنتجات بأسعار معقولة، مع حماية المنتج المحلي وضمان تطوره واستقرار أسعاره.ويتضمن تعويض تكاليف النقل، في بعده الاقتصادي، آلية دعم غير مباشرة للمتعاملين، تساهم في تخفيف الأعباء المالية دون المساس بقواعد السوق. فهو لا يقتصر على تخفيض التكاليف فقط، بل يشجع أيضا على توسيع دائرة النشاط الاقتصادي، ويدفع المستثمرين إلى التوجه نحو مناطق كانت تعتبر سابقا أقل جاذبية بسبب ارتفاع تكلفة النقل في بعض الأحيان.
كما يتوقع برأي مختصين، أن ينعكس هذا الإجراء إيجابا على قطاعات حيوية، على غرار الفلاحة، والصناعة التحويلية، وتوزيع المواد الأساسية، بما يعزز الأمن الغذائي ويضمن استمرارية التموين عبر كامل التراب الوطني.
رؤيــة اقتصاديــة أشمــل
تندرج دراسة هذا العرض في إطار مقاربة شاملة تعتمدها الدولة لإعادة ضبط التوازنات الاقتصادية، والتحكم في الأسعار، وتحسين مناخ الاستثمار. فتعويض تكاليف النقل لا ينظر إليه كإجراء ظرفي، بل كجزء من سياسة تهدف إلى تحفيز الإنتاج الوطني، وتقوية سلاسل التوزيع، وربط الاقتصاد المحلي بشبكة ضخمة ذات فعالية عالية، لأن الاقتصاد الوطني أقلع بريتم سريع وعلى ضوء إصلاحات دقيقة ليكون ضمن الاقتصاديات الناشئة في عام 2027. كما يعكس الطرح الذي نوقش في مجلس الوزراء، حرص السلطات العليا على أن تكون القرارات الاقتصادية مبنية على معطيات واقعية ودقيقة، وتقديم الدعم اللازم والمستمر للمؤسسات الإنتاجية، سواء كانت عمومية أو خاصة، وتشجيع تدفق المزيد من الاستثمارات المنتجة.
ومن المنتظر أن يسهم هذا التوجه وفق آليات دقيقة، في تخفيف الضغط على الأسعار، ودعم القدرة الشرائية، وتعزيز تنافسية المنتج الوطني، سواء في السوق الداخلية أو على مستوى التصدير. ويعكس تناول مجلس الوزراء، لملف تعويض تكاليف النقل في المجال الاقتصادي، إدراكا لتشابك عناصر التنمية، ويؤكد أن الإصلاح الاقتصادي لا يمر فقط عبر الإنتاج، بل أيضا عبر تذليل أي عقبات لوجستية، ودعم مستمر لتوسع المنتجين في نشاطهم. وتعد خطوة تحمل في طياتها رهانات كبيرة، بعد ترجمتها الميدانية لإثبات أثرها في دفع عجلة الاقتصاد الوطني نحو مزيد من التوازن والاستقرار.والجدير بالإشارة أن المنظومة اللوجستية توجد في صدارة الاهتمام، ومازال تطويرها في الجزائر، ينظر إليه كأحد المفاتيح الأساسية للمزيد من التعزيز للمنظومة الاقتصادية، من خلال مواصلة رهان توسيع وتحديث شبكات النقل، وتخفيض تكاليف الشحن والتخزين، وربط مناطق الإنتاج بمراكز الاستهلاك والتصدير بمرونة أكبر.إذن، الاستثمار في البنى التحتية اللوجستية، سواء البرية أو البحرية أو التخزينية، يساهم في تقليص الوقت والكلفة، ما يخلق بيئة أكثر تنافسية للمنتجين ويشجع على توسيع النشاط الاقتصادي خارج الأقطاب التقليدية.
وفي هذا السياق، يأتي دعم المنتجين عبر آليات تخفيف أعباء النقل واللوجستيك كرافعة حقيقية للنمو، إذ يسمح لهم بتحسين هوامش الربح، واستقرار الأسعار، وزيادة القدرة على تسويق المنتجات محليا وخارجيا.
ومن شأن هذا التوجه أن يعزز الإنتاج الوطني، ويدعم الصادرات غير النفطية، ويخلق فرص عمل مستدامة، ما ينعكس إيجابا على الميزان التجاري والتنمية الاقتصادية الشاملة، ويؤسس لاقتصاد متين وناشئ.







