الجزائريون يحققون أمنهم المائي والغذائي ويقتربون من الإكتفاء الذاتي الشامل

إجراءات متعددة لتنويع الخيارات والاستشراف طويل الأمد

تُسدل سنة 2025 في الجزائر ستارها على تحولات إستراتيجية عميقة مسّت قطاعي الطاقة والمياه، باعتبارهما ركيزتين أساسيّتين للحفاظ على السّيادة الوطنية ودعم مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي يحرص رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على ترسيخها، واضعًا تلبية احتياجات المواطن ضمن صلب الأولويات.
خلال سنة 2025، واصلت الجزائر سياستها الرامية إلى الحفاظ على الأمن الطاقوي، حيث ضمن مجمّع سوناطراك استمرارية الإنتاج والتزويد بالغاز الطبيعي، سواء للسوق الوطنية أو للأسواق الخارجية، ما عزّز موثوقية الجزائر لدى شركائها الاستراتيجيّين. وقد مكّن هذا الاستقرار من تلبية الطلب الداخلي على الطاقة، لاسيما خلال فترات الذروة الصيفية، إذ لم تُسجّل صائفة السنة الماضية اضطرابات تُذكر.
ويأتي ذلك في سياق دولي يتّسم بعدم الاستقرار الجيوسياسي، وتغيّرات مناخية متسارعة، وتقلّبات في أسواق الطاقة، وارتفاع متزايد في الطلب، حيث نجحت الجزائر في تكريس مقاربة سيادية تقوم على ضمان التزويد بالطاقة والماء، وتنويع الخيارات، والاستشراف طويل المدى.
وفي هذا الإطار، حافظت الجزائر على مكانتها كمموّن موثوق للطاقة، خاصة نحو السوق الأوروبية، مستفيدة من شبكة متطورة تضم أنابيب نقل الغاز ومحطات التمييع، وهو ما ساعد على ترسيخ السّيادة الطاقوية الوطنية وتعزيز المداخيل من العملة الصعبة.
وفي مجال النفط، حقّق مجمّع سوناطراك 13 اكتشافًا نفطيًا جديدًا خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2025 بجهوده الخاصة، بفضل تكثيف أنشطة الاستكشاف الزلزالي ثنائي وثلاثي الأبعاد، وهي اكتشافات ستُسهم في تجديد الاحتياطات ورفع الإنتاج. كما سجّل المجمّع ارتفاعًا بـ15 بالمائة في الحفر الاستكشافي، مع إنجاز 142 بئرًا خلال الفترة نفسها، مقابل 121 بئرًا بنهاية أوت 2024.
كما أنجزت سوناطراك أكثر من 466.156 مترًا في مجال الحفر الاستكشافي والتطويري بين جانفي وأوت 2025، مقابل 405.273 مترًا خلال الفترة نفسها من سنة 2024، بارتفاع قدره 15 بالمائة.

تحسين الأداء وجودة الخدمة في الكهرباء

في قطاع الكهرباء، سجّلت سنة 2025 تحسّنًا ملحوظًا في مؤشّرات أمن التزويد، من خلال رفع القدرات الإنتاجية لمحطات التوليد وتحسين استقرار الشبكة الوطنية. كما تمّ تعزيز الربط بين مختلف المناطق، بما فيها المناطق الجنوبية، مع تقليص الانقطاعات وتحسين جودة الخدمة، استجابة للنمو السكاني والتوسّع العمراني والصناعي.
وشهد قطاع الكهرباء نموًا معتبرًا، حيث تجاوزت القدرة الإنتاجية المركّبة 27 ألف ميغاواط صيف 2025 بفضل استثمارات سونلغاز، ما سمح بتلبية الطلب المتزايد وضمان استقرار الإمداد حتى مع بلوغ ذروة الاستهلاك أكثر من 20.6 ألف ميغاواط، إلى جانب تحقيق فائض قابل للتصدير ودعم التوسّع في الطاقات المتجدّدة.

الطاقات المتجدّدة خيار المستقبل

شكّلت سنة 2025 مرحلة متقدمة في مسار الانتقال الطاقوي، حيث كثفت الجزائر جهودها لتطوير الطاقات المتجدّدة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية. وتمّ إطلاق واستكمال عدة مشاريع للطاقة الشمسية الكهروضوئية في الهضاب العليا والجنوب، ضمن برنامج وطني يهدف إلى تنويع المزيج الطاقوي وتقليص الاعتماد على الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء.
خلال سنة 2025، عرف ملف الهيدروجين الأخضر تقدمًا ملحوظًا على مستوى الدراسات والتحضيرات، وتمّ إدراجه ضمن الرؤية الوطنية للطاقة، اعتمادًا على الإمكانات الشمسية الكبيرة والبنية التحتية الطاقوية المتوفّرة. وينظر إلى هذا المورد كرافعة مستقبلية لتعزيز الأمن الطاقوي وتنويع الصادرات على المدى المتوسّط والبعيد.
بالتوازي مع الجهود المبذولة في المجال الطاقوي، برز الأمن المائي كأحد أبرز تحديات سنة 2025، في ظلّ تراجع الموارد المائية التقليدية نتيجة الجفاف وقلة تساقط الأمطار. وفي هذا السياق، واصلت الجزائر اعتماد تحلية مياه البحر كخيار سيادي لضمان التزويد المنتظم بالمياه الصالحة للشرب.
وبلغت القدرة الإنتاجية لمحطات التحلية العاملة حوالي 3.7 ملايين متر مكعب يوميًا، ما يمثل 42 بالمائة من الاحتياجات الوطنية، وأسهم بشكل مباشر في تعزيز الأمن المائي، بالتوازي مع رفع مستوى الخبرات والمهارات الوطنية في هذا المجال، والتخفيف من الضغط على السدود والموارد السطحية، وضمان استقرار التزويد في المدن الساحلية الكبرى، وعلى رأسها العاصمة.
وسجّلت سنة 2025 استغلالًا كاملًا لمحطات البرنامج الأول، والبرنامج الاستعجالي لسنة 2021، والبرنامج التكميلي الأول، الذي شمل خمس محطات كبرى دخلت الخدمة بطاقة 300 ألف متر مكعب يوميًا لكل محطة، وقد أُنجز هذا البرنامج في آجال قياسية، ودُشّنت المحطات تباعًا تحت إشراف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وتندرج هذه الإنجازات ضمن استراتيجية وطنية تمتد إلى غاية 2030، تهدف إلى إنجاز 27 محطة لتحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي، بطاقة إنتاجية إجمالية تصل إلى 5.7 ملايين متر مكعب يوميًا، أي ما يعادل 60 بالمائة من احتياجات البلاد، مع ضمان تزويد نحو 28 مليون مواطن بالمياه الصالحة للشرب، ما عزّز موقع الجزائر كدولة رائدة إفريقيًا في هذا المجال.
وفي هذا الإطار، تميّزت سنة 2025 بتكريس التكامل بين الأمن الطاقوي والأمن المائي، من خلال ربط محطات التحلية بمنظومة الطاقة، والتوجّه نحو إدماج الطاقات المتجدّدة في تشغيلها، عبر تسخير مجمّع سوناطراك ومؤسّساته التابعة لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية المتعلّق بتحلية مياه البحر وضمان تزويد المواطنين بهذا المورد الحيوي.
وترافقت هذه الجهود مع إصلاحات تنظيمية ومؤسّساتية، واستثمارات في تطوير الكفاءات الوطنية عبر التكوين والشراكات مع الجامعات ومراكز البحث، بما يضمن استدامة المنظومتين الطاقوية والمائية، ويعزّز السّيادة الوطنية في المجالين، وفق نظرة استشرافية طويلة المدى، تغني البلاد عن الاعتماد على الكفاءات الأجنبية، بعد نجاحها في بناء خبرة وطنية مؤهّلة قادرة على إنجاز المشاريع الاستراتيجية بكفاءة وسيادة كاملتين.
ومع اختتام سنة 2025، تؤكّد الجزائر أنّ الأمن الطاقوي والمائي خيار سيادي لا رجعة فيه، قائم على الاستثمار في البنية التحتية، وتنويع الموارد، والانتقال التدريجي نحو الطاقات النظيفة، وتثمين الإمكانات الوطنية، خاصة السواعد الوطنية المؤهلة، وهي حصيلة تعكس رؤية واضحة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، لمستقبل أكثر استقرارًا وتوازنًا واستدامة، يضع حق المواطن في الطاقة والماء في صلب السياسات العمومية.