كرست الجزائر خلال سنة 2025 حضورها القوي في المشهد الإبداعي عربيا ودوليا، عبّر سلسلة من الجوائز الفنية والأدبية التي عكست حركية ثقافية متجدّدة، وراهنا إبداعيا متنوعا يجمع بين السينما، المسرح، الأدب، الفنون التشكيلية، واللغات الوطنية. فكانت الجوائز مؤشرات على حيوية المشهد الثقافي الجزائري وقدرته على التراكم والتجدّد، حيث توزعت هذه الجوائز زمنيا على مدار العام، لكنها التقت جميعا عند هدف واحد.. تكريس ثقافة الاعتراف وتحفيز الطاقات الإبداعية.

تمثلت أولى هذه المحطات البارزة، في الطبعة الخامسة لجائزة رئيس الجمهورية للأدب والثقافة الأمازيغية التي نُظمت في 13 جانفي 2025 بتيميمون، تزامنا مع احتفالات يناير 2975، مجدّدة التأكيد على مكانة الأمازيغية باعتبارها مكونا أصيلا من الهوية الوطنية، ولقد شملت أربع فئات علمية وأدبية، وشهدت تتويج باحثين ومبدعين من ولايات عدة، مع حجب بعض المراتب، في دلالة على صرامة التحكيم.
وفي السياق ذاته أسفرت نتائج لجنة التحكيم، برئاسة الأستاذ جمال عيساني، عن حجب الجائزة الأولى في فئة اللسانيات، مقابل منح الجائزة الثانية لنعيمة حمدي والثالثة لفرقنيس إلياس. وفي فئة الأدب المكتوب بالأمازيغية والمترجم إليها، توج فرحات أعمر أوشعبان بالجائزة الأولى، تلتها رشيدة تاقوربت في المرتبة الثانية، وحداد حسام في المرتبة الثالثة. أما فئة البحوث العلمية والتكنولوجية والرقمنة، فقد عرفت حجب الجائزتين الأولى والثالثة، فيما نال بلخراز عبد الرزاق الجائزة الثانية، في حين فاز يزا عبد الناصر بالجائزة الأولى في فئة التراث الثقافي غير المادي الأمازيغي، وعادت الجائزة الثالثة لمحمد مولوز مع حجب المرتبة الثانية. كما تخللت مراسم الحفل لفتة تكريمية خاصة لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تقديرا لرعايته السامية لهذه التظاهرة.

جائــزة علـي معـاشـي.. رهــان على الإبـداع الشبابـي

وفي 14 جوان 2025، جاءت جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب “علي معاشي”، لتؤكد رهان الدولة على الطاقات الشابة، حيث شملت عدة فئات إبداعية.. ففي فئة الرواية توج شعنان سامي بالمرتبة الأولى، تلته ماحي مريم رجاء وخولة حواسنية. أما فئة الشعر فعادت المرتبة الأولى فيها إلى ميداوي محمد سليم، وفي المسرح المكتوب فاز عبد الوهاب رمضاني بالجائزة الأولى، كما شملت التتويجات مجالات الموسيقى، والفنون الغنائية والرقص، والفنون السينمائية والسمعية البصرية، والفنون المسرحية، والفن التشكيلي، إضافة إلى فئة القصة القصيرة المستحدثة، في صورة تعكس تنوع التعبيرات الفنية لدى الشباب الجزائري.

المســــرح.. حضـور قــوي

5 جويلية 2025، شكّل المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي محطة تتويج كرّست هذا اللون المسرحي كفضاء فني قادر على الجمع بين البعد الجمالي والرسالة الاجتماعية، ومؤشرا على حيوية التجربة المسرحية الجزائرية، كما لا يمكن أن نغفل في هذا الخصوص عن موعد سبق هذا المهرجان بحوالي ستة أشهر والجوائز والمواهب القيمة التي أُفرزتها نتائج الأعمال داخل المنافسة خلال الطبعة 17 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف .

”كتابــي الأول”.. أقـــلام شابـــة تتأهـــب

ضمن مساعي دعم الأصوات الروائية الجديدة، برزت جائزة “كتابي الأول” في طبعتها الثانية، المخصّصة لفن الرواية، والتي استحدثتها محافظة صالون الجزائر الدولي للكتاب، كآلية عملية لمرافقة الكتاب الشباب وتمكينهم من الولوج إلى عالم النشر والاحتراف.
الفعالية عرفت تتويج الكاتب الشاب أمير صايري بجائزة الرواية المكتوبة باللغة العربية عن نصه “أجنحة التمرد”، فيما عادت جائزة أحسن رواية باللغة الأمازيغية للكاتبة خديجة بن كرو عن روايتها “غفأوذميم أثيللي” (لأجل وجهك أيتها الحرية)، أما جائزة الرواية باللغة الفرنسية، فاز بها الكاتب عبد المالك عزاوي عن نصه “ضد التيار”، في حين تُوّجت سلمى شرقي في فئة الرواية باللغة الإنجليزية عن عملها “الرايس حميدو.. فارس البحار”. وتؤكد هذه الجائزة، بتعدّد لغاتها وتنوّع أصواتها، أن الرواية الجزائرية تواصل تجددها، معبرة عن هوية ثقافية منفتحة ومتعددة الأبعاد.

تتويجات سينمائيـة لافتــة

تصدّر مهرجان الجزائر الدولي للفيلم 2025 واجهة الأخبار الثقافية، مؤكداً مكانته كمنصة سينمائية وازنة، و عادت فيه الجائزة الكبرى للفيلم الطويل للفيلم الجزائري “رقية” للمخرج يانيس كوسيم، فيما تُوّج فيلم “الساقية” لنوفل كلاش بجائزة الابتكار التقني، في إشارة إلى تطوّر المعالجة التقنية والبصرية في السينما الجزائرية. كما نال فيلم “حدّة” للمخرج أحمد رياض جائزة الجمهور، مؤكدا قوة التفاعل بين العمل السينمائي والمتلقي.
وفي فئة الفيلم الوثائقي، توج فيلم “عناب” لعبد الله قادة بالجائزة الكبرى، بينما منحت لجنة التحكيم جائزتها لفيلم “لا أحد يُولد ليُداس” من البرازيل، في تعبير عن البعد الدولي للمهرجان. كما فاز الفيلم الجزائري “العودة إلى المدينة” لجمال لكحل بالجائزة التقنية الكبرى، في حين حصد الوثائقي “حركة الفهود السود الأمريكية في الجزائر” لمحمد أمين بن لولو جائزة الجمهور.
أما فئة الفيلم القصير، فقد شهدت تنويهات خاصة، أبرزها فيلم “مشية الغراب” لخالد بن طوبال، و«عسّاسات الليل” لنينا خدة، التي نالت أيضا جائزة لجنة التحكيم التقنية تقديرا للحسّ التقني العالي والمعالجة البصرية المميزة.

تتويجـات دوليــة..

واصل الفيلم الجزائري “الطيّارة الصفراء” للمخرجة هاجر سباطة حصد التتويجات، بإحراز ثلاث جوائز جديدة في مهرجان Mix Film Festival بمدينة “لافال” الكندية، ليرتفع بذلك رصيده إلى عشر جوائز، منها ثماني جوائز دولية.
وقد أكدت المخرجة أن هذا التتويج يمثل تكريما لتاريخ الجزائر النضالي واحتفاء بالمرأة الجزائرية، في رسالة رمزية تتجاوز السينما إلى الذاكرة والهوية.

احتفـاء بلغــة الضـاد..

مع حلول شهر ديسمبر، تصدرت اللغة العربية واجهة التكريم، حيث تُوج الكاتب محمد بن زخروفة في العاشر من ديسمبر بجائزة المجمع الجزائري للغة العربية في طبعتها الثانية عن روايته “قيامة المهمشين”، كما شهد الشهر ذاته منح “درع المحروسة” من طرف المكتبة الجزائرية الرئيسية للمطالعة العمومية إلى البروفيسور عبد الحميد بورايو، عرفانا بإسهاماته العلمية والفكرية في مجال التراث الشعبي.
وفي 18 ديسمبر 2025، جاءت الطبعة الأولى من جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة العربية لتتوج هذا المسار الثقافي السنوي، مؤكدة مركزية اللغة العربية في المشروع الثقافي الوطني.

أشبــال الثقافــة..

وبالموازاة مع هذه التتويجات، تبرز جائزة “أشبال الثقافة” في دورتها الثالثة، كإحدى المبادرات الثقافية الرامية إلى تشجيع المبدعين الناشئين وتحفيزهم على مواصلة الإبداع في مختلف المجالات الفنية والتشكيلية والأدبية. وقد جاءت هذه الدورة مرفوعة إلى روح الأديب والشاعر الراحل محمد الأخضر السائحي، في لفتة وفاء رمزية تعكس ارتباط الجائزة بالذاكرة الثقافية الوطنية، وسعيها إلى بناء جيل ثقافي جديد.
وســــــام الوفــــــاء.. التتويــــــج الأرقــــــى
اختتمت حصيلة التكريمات الثقافية لسنة 2025، بتوشيح العلامة المجاهد الشيخ محمد الصالح الصديق بوسام من درجة “عهيد” من مصف الاستحقاق الوطني، أسداه له رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في لفتة لخصت معنى ثقافة الاعتراف تقديرا لمسيرته الأدبية والفكرية. وجرت مراسم الحفل بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده (100 سنة)، بإشراف وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة، وبحضور مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالتربية والتعليم العالي والتكوين نصر الدين بن طيفور، إلى جانب ممثلي هيئات رسمية وفاعلين من الساحة الثقافية والفنية.
مشهد ثقافي يتشكّل بثبات
تؤكد حصيلة الجوائز لسنة 2025، أن الثقافة الجزائرية تسير بخطى واثقة نحو ترسيخ فعل الإبداع، عبر دعم المواهب، وتكريس ثقافة الاعتراف، وربط الماضي بالحاضر، في مشهد يراهن على الإنسان والهوية والمستقبل.
وهكذا، رسمت جوائز 2025 لوحة ثقافية متكاملة، عكست تنوع الإبداع الجزائري، وربطت بين التجربة والخبرة، بين الشباب والذاكرة، وبين تكريس ثقافة الاعتراف  في مشهد يؤشر إلى حيوية ثقافية متجدّدة وآفاق واعدة.