سينمـا.. موسيقـى ومسرح وشعـر في خدمـة السموّ الإنساني
شاشـات عالميـة.. ركــح ملتزم وألحــان أصيلــة.. حصــاد عـام استثنائــي
شهدت الجزائر خلال عام 2025 ديناميكية ثقافية وفنية واسعة عبر تنظيم مجموعة من المهرجانات والفعاليات التي أكدت مكانتها كوجهة ثقافية غنية ومتنوّعة، وجسّدت إبداع السينما والموسيقى والمسرح والشعر والتراث الوطني، مع اهتمام خاص بدعم المواهب الشابة وتعزيز الهوية الثقافية والفنية للبلاد..
في المجال السينمائي، احتضنت مدينة سعيدة المهرجان الوطني لأدب وسينما المرأة الذي شكّل فضاء للاحتفاء بالإبداع النسوي من خلال عروض أفلام قصيرة ووثائقية، إلى جانب لقاءات فكرية ناقشت علاقة الأدب بالصورة ودور المرأة في الصناعة السينمائية بما عزّز حضورها كمبدعة وفاعلة في المشهد الثقافي.
وأقيم المهرجان التاسع للفيلم الأوروبي عبر عدد من المدن، من بينها الجزائر العاصمة ووهران وبجاية، مقدما للجمهور تجربة سينمائية متنوّعة عكست مدارس وأساليب مختلفة من السينما الأوروبية وساهم في توسيع آفاق التبادل الثقافي والانفتاح على تجارب عالمية.
كما شهدت عنابة تنظيم المهرجان المتوسطي الدولي للسينما، الذي جمع أعمالا من ضفتي المتوسط، وبرز من خلال برامجه التنافسية وورشاته المتخصّصة، إلى جانب منصة “Annaba Talents” التي خصّصت لاكتشاف ودعم المواهب السينمائية الشابة، في تأكيد على الرهان على الجيل الجديد.
وفي الشرق الجزائري، تواصلت الدينامية السينمائية عبر المهرجان الدولي للفيلم “إيمدغاسن” بباتنة، حيث عرضت أعمال روائية ووثائقية بحضور مخرجين ونقّاد، ما عزّز الثقافة السينمائية المحلية وفتح المجال للتواصل مع تجارب دولية.
واحتضنت الباهية وهران المهرجان الدولي للفيلم العربي، الذي احتفى بالسينما العربية، وكان فضاء لاستضافة قامات فنية من داخل الجزائر وخارجها، وفي الصحراء، أُقيم المهرجان الدولي للفيلم القصير بتيميمون، وسلّط الضوء على هذا النوع السينمائي بوصفه مساحة للتجريب والتعبير الحر، وممكنا المواهب الشابة من عرض أعمالها أمام جمهور ونقاد.
واختتم المشهد السينمائي بتنظيم المهرجان الدولي للسينما في الجزائر العاصمة، وجمع عددا كبيرا من الأفلام العالمية، مؤكدا قدرة الجزائر على استضافة تظاهرات سينمائية كبرى، وتعزيز حضورها على خريطة السينما الدولية.
موسيقى تتناغم بين الأصالة والتجديد
في مجال الموسيقى، قدّم مهرجان الأغنية الشعبية في الجزائر العاصمة صورة حية عن الذاكرة الغنائية الوطنية، من خلال عروض تنافست فيها أصوات شابة أعادت إحياء الأغنية الشعبية بأساليب تحترم روحها الأصيلة.
وانطلق خلال الصيف مهرجان الموسيقى والأغنية الشاوية بخنشلة، حيث التقت الأصوات المحلية لتقديم لوحات موسيقية عكست عمق التراث الشاوي وتنوّع تعبيراته، مبرزا الارتباط الوثيق بين الموسيقى والهوية الجهوية.
وفي سيدي بلعباس، شكّل المهرجان الثقافي الوطني للغناء الراي محطة مهمة للاحتفاء بهذا اللون الموسيقي الشعبي، عبر عروض فنية وحوارات استحضرت مسار الراي وتحوّلاته، مع تشجيع الجيل الجديد على التجديد دون التفريط في الجذور.
الموسيقي الأندلسية بدورها حضرت بقوة، من خلال تنظيم المهرجان الثقافي الوطني للموسيقى الأندلسية “الصنعة” في الجزائر العاصمة، حيث قدّمت الجمعيات الفنية عروضا راقية تمثل مختلف المدارس الأندلسية، في وفاء لتراث موسيقي عريق أسهم في إثراء الذاكرة الثقافية الوطنية.
وفي تمنراست، انطلق المهرجان الثقافي الدولي لموسيقى الجنوب، جامعا فرقا وفنانين من ولايات الجنوب الجزائري ومن بلدان إفريقية، في تظاهرة احتفت بالإيقاعات الصحراوية والأنماط الموسيقية الأصيلة، على غرار التيندي والديوان والموسيقى الطوارقية، مؤكدة أن الجنوب يشكل خزانا ثقافيا نابضا بالتنوع والإبداع، مع فضاءات للقاءات ثقافية وفرص للمواهب الشابة للتعبير عن إبداعاتها.
المسرح في رحلة بين التجريب والتراث
تميّز المسرح الجزائري خلال العام بزخم لافت، حيث شملت الفعاليات المهرجان الثقافي الوطني لإنتاج المسرح النسائي بعنابة، الذي أبرز إسهامات المرأة في الفن المسرحي وكرّم رموزا تركت بصمتها في الذاكرة الدرامية.
وشملت الفعاليات المهرجان الدولي للمسرح ببجاية الذي احتفى بالمسرح الإفريقي وجمع فنانين من مختلف أنحاء الوطن والقارة، مؤكدا الحوار الفني بين الثقافات، كما احتضنت ولاية الوادي المهرجان الدولي للمونودرام النسائي، بمشاركات عربية وأجنبية، ما أتاح للجمهور التعرّف على أشكال العرض الفردي والتجريب المسرحي.
وأثبتت الجزائر قدرتها على توظيف التنوع الثقافي من خلال المهرجان الثقافي الوطني للمسرح الأمازيغي بباتنة الذي قدم عروضا تعكس الثراء اللساني والدرامي للأمازيغية.
بالجنوب الجزائري، احتضنت أدرار المهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء، حيث تلاقى المسرح مع الفضاء الطبيعي والذاكرة والهوية، فيما شكّل المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالعاصمة محطة تنافسية جسّدت نضج التجربة المسرحية الجزائرية، إلى جانب المهرجان الوطني لمسرح الأطفال بقسنطينة الذي وجه اهتمامه للجمهور الناشئ.
أصوات شعرية.. تراث وحداثة
تنوّعت مهرجانات الشعر بين الفصيح والشعبي والأمازيغي، حيث شكّل المهرجان الثقافي الدولي للشعر العربي الكلاسيكي ببسكرة ملتقى للأصوات العربية، فيما احتضنت قسنطينة المهرجان الوطني للشعر النسوي، مبرزا حضور المرأة في المشهد الأدبي.
واحتضنت أقبو (بجاية) المهرجان الوطني للقصيدة الأمازيغية، مساهمة في تثمين هذا الموروث الشعري، بينما أثبتت الجزائر من خلال مهرجان مستغانم لشعر الشباب قدرتها على احتضان الطاقات الصاعدة، وصولا إلى المهرجان الثقافي الوطني لعكاظية الشعر بالجلفة الذي أعاد الاعتبار للشعر الشعبي والتراث الشفهي.
احتفاء بالهوية والصحراء الحية
في حدائق التراث، شكلت تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية حدثا لافتا أبرز الموروث الحساني من شعر وموسيقى وعادات، عبر معارض وندوات وعروض فلكلورية عكست الامتداد الثقافي للجنوب الغربي.
وشهد مهرجان السبيبة بجانت حضورا قويا لطقوس الطوارق ورموز السلم والهوية، مؤكدا مكانته كتراث إنساني عالمي، فيما شكّلت تظاهرة السياحة الصحراوية بتيميمون منصة للتعريف بالتراث المادي واللامادي للجنوب الجزائري.
إحياء الذاكرة الشفوية
شكّلت جلسات الحكي التي نظمت ضمن عدد من الفعاليات الثقافية مساحة خاصة لإحياء الذاكرة الشفوية، حيث التقى الرواة والحكواتيون بالجمهور لسرد الحكايات الشعبية والأساطير المحلية، في تجربة أعادت الاعتبار لفن الحكي كجسر بين الأجيال ووسيلة لحفظ الموروث اللامادي.





