يسدل عام 2025 ستاره على كارثة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة، بعدما حوّلته قوات الاحتلال على مدار عامين من حرب الإبادة الجماعية إلى منطقة منكوبة وغير قابلة للعيش.
مرّت الأشهر الثلاثة الأولى من العام المودّع ثقيلة على الفلسطينيين، رغم اتفاق لوقف إطلاق النار منحهم متنفّسا مؤقّتا من إبادة أتت على معظم معالم الحياة، قبل أن تستأنفها القوات الصهيونية، متنصّلة من الاتفاق، في 18 مارس.
ثم عاش الفلسطينيون أكثر من نصف عام على وقع جرائم إبادة متواصلة طالت البشر والحجر، وألقت بتداعياتها الكارثية على القطاعات الحيوية كافة.
وفي 10 أكتوبر، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن الاتفاق لم يفلح في إحداث تحسن ملموس على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، بعد أن تنكّر الاحتلال لالتزاماته.
وخلّفت الإبادة أكثر من 71 ألف شهيد و171 ألف جريح فلسطينيين، ودمارا هائلا طال 90 بالمائة من البنى التحتية المدنية، مع تكلفة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.
وفيما يلي أبرز المحطات التي مر بها قطاع غزة خلال 2025:
– اتّفاق جانفي:
في 19 جانفي بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق نار بين حركة حماس والكيان الصهيوني. وتضمّن الاتفاق 3 مراحل، تستمر كل منها 42 يوميا، وشملت الإفراج عن 33 أسيرا صهيونيا مقابل أسرى فلسطينيين.
لكن سلطات الاحتلال تنصّلت من التزاماتها بموجب الاتفاق، عبر خرقه ميدانيا بقصف متكرر لقطاع غزة المحاصر، حيث يعيش نحو 2.4 مليون مواطن فلسطيني. كما منعت إدخال الكميات المتفق عليها من مساعدات غذائية وإغاثية وطبية، قبل أن تغلق المعابر المؤدية إلى غزة بشكل كامل أمام المساعدات في 2 مارس.
وفي 18 من الشهر ذاته استأنفت قوات الاحتلال حرب الإبادة، بهجوم جوي واسع استهدف منازل مدنيين وخيام نازحين ومراكز إيواء في مناطق مختلفة، فقتلت عشرات الفلسطينيين في الساعات الأولى.
– خطّة احتلال:
في 8 أوت، أقرّت الحكومة الصهيونية خطّة قدّمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحتلال قطاع غزة تدريجيا، بدءا بمدينة غزة.
وبعد 3 أيام، شنّ الجيش الصهيوني هجوما واسعا على أنحاء مختلفة من المدينة، شمل تدمير مبانٍ سكنية وقصف مستشفيات، وإصدار أوامر إخلاء، وتنفيذ عمليات توغل بري.
وندّدت منظمات أممية وحقوقية بهذه الخطة، محذّرة من تداعيات كارثية على الفلسطينيين في القطاع المحاصر منذ أكثر من 18 عاما، فيما رأى مراقبون أن الخطة هدفت لـ “تهجير الفلسطينيين” بدءا من مدينة غزة والقطاع لاحقا، وهي خطوة سعت إليها سلطات الكيان منذ بداية الإبادة.
ولا يزال الكيان الغاصب يحتل أكثر من 50 بالمائة من مساحة قطاع غزة، بحسب تقديرات الجيش الصهيوني، فيما يواصل الإعلام العبري حديثه عن خطط لتهجير الفلسطينيين.
– إعلان المجاعة:
في 22 أوت، أعلنت “المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” رسميا تفشي المجاعة بمدينة غزة، وتوقعت أن تمتد إلى مناطق أخرى. ومنذ الساعات الأولى لبدء الحرب، وظفت سلطات الاحتلال “سلاح التجويع” ضد الفلسطينيين، حيث أغلقت المعابر في 2023.
كما قلّلت بشدة إدخال المساعدات الإنسانية للمنظمات الدولية، واستهدفت مخازن أغذية ومحالٍ تجارية وأراضٍ زراعية، وشاحنات تقل مساعدات. ودخل قطاع غزة مرحلة متقدمة من المجاعة جراء إغلاق الاحتلال في مارس المعابر بشكل كامل أمام المساعدات.
– خطّة ترامب:
في 29 سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة من 20 بندا لإنهاء الحرب في غزة.
وتشمل الخطّة “الإفراج عن الأسرى الصهاينة بغزة، ووقف إطلاق النار، ونزع سلاح حماس، وتشكيل هيئة دولية إشرافية برئاسة ترامب، مسؤولة عن تدريب إدارة للحكم في غزة”. وكثّفت واشنطن والوسطاء (مصر وقطر وتركيا) مفاوضاتها مع الطرفين الفلسطيني والصهيوني لتطبيق هذه الخطة.
– وقف النار:
في 9 أكتوبر الماضي، توصل الاحتلال وحماس إلى اتفاق وقف إطلاق نار من مرحلتين، استنادا إلى خطة ترامب.
وفي اليوم التالي، دخلت المرحلة الأولى من الاتفاق حيز التنفيذ، لكن الاحتلال تنصل من التزاماته، عبر قصف يومي ومنع إدخال قدر كاف من المساعدات الإنسانية.
وخرقت القوات الصهيونية الاتفاق 969 مرة حتى الأحد الماضي، ما أسفر عن استشهاد 418 فلسطينيا، وإصابة ألف و141، واعتقال 45 آخرين، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
ورغم حديث الوسطاء عن مساعٍ للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، إلا أن سلطات الاحتلال تشترط أولا استلامها جثة الأسير الأخير بغزة، في حين تقول حماس إن الأمر قد يستغرق وقتا لاستخراجها نظرا للدمار الهائل جراء الإبادة.
كارثـــة إنسانيـــة
رغم وقف إطلاق النار، إلا أن واقع الفلسطينيين في ظل الكارثة الإنسانية لم يشهد تحسنا ملحوظا، جراء التنصل الصهيوني من الاتفاق.
ويواجه الفلسطينيون، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي، “الموت البطيء”، إذ دخل غزة خلال 80 يوما 19 ألفا و764 شاحنة فقط من أصل 48 ألف يفترض دخولها، بمتوسط يومي 253 شاحنة من أصل احتياج 600 شاحنة مقررة يوميا.
هذا العجز في الشاحنات المحملة بالمساعدات ساهم في استمرار “النقص الحاد في الغذاء والدواء والمياه والوقود”، وفقا للمكتب الإعلامي. كما فاقم معاناة النازحين الذين يعيشون في خيام هشة خلال فصل الشتاء.
ومرارا أدّت أمطار غزيرة ورياح شديدة لغرق واقتلاع خيامهم، وتلف ممتلكات قليلة لنازحين نجت من الإبادة، وسط استمرار الاحتلال في منع إدخال البيوت المتنقلة.
مساعــي التّهجـــير
قبل أيام حدث اعتراف متبادل بين ما يُسمى إقليم “أرض الصومال” والاحتلال الصهيوني، وهو ما أثار رفضا دوليا واسعا ومخاوف بين الفلسطينيين من توظيفه كوجهة محتملة لتهجيرهم من غزة.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان، إنّ هذه الخطوة تأتي ضمن “محاولات يائسة من الاحتلال لتهجير الفلسطينيين إلى الصومال”.
هذه المخاوف جاءت في ظل حديث صهيوني عن مساع للمضي قدما في مخططات التهجير إلى خارج قطاع غزة المحاصر.
ويترافق ذلك مع فرض الكيان الغاصب تضييقا ممنهجا على الفلسطينيين في غزة، لاسيما عبر تعميق الكارثة الإنسانية، وهو ما اعتبره مراقبون مساعٍ لخلق بيئة طاردة تدفع الفلسطينيين إلى الهجرة طوعا.



