مرحلة جديدة من الكفاح الدبلوماسي الموازي لحرب التحرير
تُحيي الجزائر هذا العام الذكرى السبعين لإدراج قضيتها الوطنية ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 سبتمبر 1955، وهي محطة مفصلية في مسار الثورة التحريرية المجيدة، شكّلت منعطفًا حاسمًا في نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، وفتحت مرحلة جديدة من الكفاح السياسي والدبلوماسي الموازي لحرب التحرير.
في ذلك اليوم، ناقش المجتمع الدولي لأول مرة في تاريخه، داخل أروقة الأمم المتحدة، حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، وهو ما منح الشرعية الدولية لنضال كان الاستعمار الفرنسي يصر على وصفه بـ»القضية الداخلية». وقد جاء هذا الاختراق الدبلوماسي ثمرة لجهود مكثفة بذلتها جبهة التحرير الوطني من أجل تدويل القضية الجزائرية وفرضها على الأجندة الدولية.
من البندقية إلى المنبر الأممي
بعد أشهر فقط من اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، أدرك قادة الثورة أن المعركة ضد الاستعمار لا تُحسم بالسلاح وحده، وأن العمل الدبلوماسي لا يقل أهمية عن الكفاح المسلح في كسب تأييد الرأي العام الدولي. فشرعت جبهة التحرير في حشد الدعم العالمي للقضية الجزائرية، وكانت مشاركتها في مؤتمر باندونغ (أفريل 1955) خطوة حاسمة في هذا المسار.
هناك، قدّم المناضلون حسين آيت أحمد ومحمد يزيد وعبد القادر شندرلي القضية الجزائرية أمام قادة العالم الثالث، وأقنعوا شخصيات بارزة كالرئيس الإندونيسي سوكارنو ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو بعدالتها، ما مهّد الطريق لإدراجها رسميًا في جدول أعمال الجمعية العامة بفضل دعم الدول العربية والآسيوية والتكتل الإفريقي–الآسيوي الناشئ.
انتصار دبلوماسي مهّد للاستقلال
خمس سنوات من النقاشات والمرافعات داخل الأمم المتحدة تُوّجت سنة 1960 بقرار تاريخي يعترف بـ»حق الشعب الجزائري في تقرير المصير والاستقلال»، وهو ما سرّع من انهيار المشروع الاستعماري الفرنسي ومهّد الطريق أمام انتصار الثورة. وبعد عامين فقط، نالت الجزائر استقلالها في 5 جويلية 1962، وانضمت رسميًا إلى الأمم المتحدة في أكتوبر من العام نفسه، لتتحول تجربتها التحررية إلى نموذج تلهم به حركات التحرر في العالم.
نصير القضايا العادلة
بعد سبعة عقود، ما تزال الجزائر وفية لروح ثورتها ومبادئها التحررية. فدبلوماسيتها، بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تواصل أداء دورها الفاعل في الدفاع عن القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضيتان الفلسطينية والصحراء الغربية، وتتمسك بدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وبصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن، لعبت الجزائر دورًا محوريًا في الدفاع عن مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الأممية، مجسدة خارطة الطريق التي رسمها رئيس الجمهورية لعهدتها داخل الهيئة الأممية. وقد أشاد الرئيس تبون مؤخرًا بأداء الدبلوماسية الجزائرية، مؤكدًا أنها «تسير في الطريق الصحيح» وأن «ما تحقق في مجلس الأمن مشرّف للجزائر».
الاحتفاء بمرور سبعين عامًا على إدراج القضية الجزائرية في الأمم المتحدة هو تجديد لعهدٍ قطعه جيل الثورة: أن صوت البندقية لا يكتمل إلا بصوت الدبلوماسية. واليوم، تواصل الجزائر حمل إرثها الثوري، مدافعة عن الحرية والسيادة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، تمامًا كما فعلت قبل سبعة عقود وهي تناضل من أجل استقلالها.





