^ توفـير كميات هائلة مــن خـام الحديد كمدخل أساسـي للصناعات الثقيلة
تستعد الجزائر للدخول في مرحلة اقتصادية جديدة مع الإطلاق الرسمي لمشروع منجم غارا جبيلات، أحد أكبر المشاريع المنجمية في إفريقيا وأكثرها رمزية في مسار التحول الاقتصادي الوطني، وتأتي التحضيرات الجارية للاحتفالية الرسمية كمؤشر واضح على المكانة الاستراتيجية التي يحظى بها هذا المشروع، ليس فقط باعتباره استغلالا لثروة طبيعية، بل كخيار سيادي يندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تنويع الاقتصاد، تعزيز التصنيع، وتثمين الموارد الوطنية.
عن الحدث الاقتصادي المرتقب، قال المستشار الدولي في التنمية الاقتصادية عبد الرحمان هادف، في تصريح لـ»الشعب»، إن الترتيبات المعتمدة لإنجاح احتفالية دخول مشروع غارا جبيلات حيز الخدمة تعكس مقاربة تنظيمية عالية المستوى، قوامها التنسيق المؤسساتي والتكامل بين مختلف القطاعات، فقد تم إشراك مختلف الفاعلين المعنيين بالنقل، اللوجستيك، الأمن والبروتوكول، بما يضمن جاهزية شاملة تواكب حجم الحدث وأبعاده الاقتصادية والسيادية.
واعتبر أن تنصيب لجنة فرعية مكلفة بالنقل واللوجستيك، كآلية عملية لمتابعة التحضيرات الميدانية، خطوة مهمة لضمان الجاهزية التقنية والتنظيمية، سواء من خلال تعزيز جاهزية المطارات الوطنية، ضبط برمجة الرحلات الجوية، تسخير أساطيل النقل البري والجوي، أو توفير الترتيبات الأمنية اللازمة، ويعكس هذا التنسيق المحكم حرص السلطات العمومية على تقديم صورة تعكس جدية الدولة وقدرتها على إدارة مشاريع استراتيجية بهذا الحجم. وأكد الخبير الاقتصادي أن غارا جبيلات يمثل دعامة جديدة للاقتصاد الوطني، كونه يتجاوز البعد المنجمي الصرف ليشكل منعطفا هيكليا في مسار الاقتصاد الوطني، «فعلى المدى القريب، يُنتظر أن يساهم في تقليص الاعتماد على الاستيراد، من خلال توفير خام الحديد كمدخل أساسي للصناعات الثقيلة، لاسيما صناعات الحديد والصلب والصناعات الميكانيكية».
أما على المدى المتوسط، يضيف المتحدث، فإن المشروع يفتح المجال أمام بناء سلاسل قيمة صناعية متكاملة، تمتد من الاستخراج إلى التحويل، بما يعزز القدرة التنافسية للمنتوج الوطني، ويدعم التوجه نحو رفع حجم الصادرات خارج المحروقات، كما يشكل المشروع رافعة حقيقية لتنشيط الاقتصاد المحلي في الجنوب الغربي، عبر تطوير البنى التحتية والخدمات والأنشطة المرافقة.
وتابع الخبير بأن المنجم العملاق «يحمل آفاقا واسعة في مجال خلق الثروة ومناصب الشغل، سواء بشكل مباشر في أنشطة الاستغلال المنجمي، أو غير مباشر عبر النقل، التحويل الصناعي، والخدمات اللوجستية، كما من شأن المشروع أن يشكل عامل جذب مهم للاستثمارات الوطنية والأجنبية، خاصة في الصناعات التحويلية المرتبطة بالحديد والصلب».
وفي هذا الإطار، يفتح المشروع ـ حسب هادف ـ المجال أمام بروز نسيج صناعي محلي قائم على المناولة، وتشجيع المؤسسات الصغيرة والناشئة، بما يعزز الإدماج الاقتصادي ويكرس تنمية إقليمية أكثر توازنا، لاسيما في المناطق الجنوبية التي ستتحول إلى أقطاب إنتاجية جديدة.
وبخصوص البعد الدولي لهذا المشروع، قال المختص في التنمية الاقتصادية إن مشروع غارا جبيلات يتجاوز أبعاده الوطنية ليحمل رهانات دولية واضحة، تضع الجزائر في موقع فاعل صاعد في سوق الحديد والصلب، فباحتياطات ضخمة وقدرات إنتاجية قابلة للتوسع التدريجي، تمتلك الجزائر اليوم عناصر قوة تؤهلها للاندماج الفعلي في الأسواق الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التحولات الجيو-اقتصادية العالمية وإعادة تشكيل سلاسل التوريد. ويتيح هذا المشروع للجزائر إمكانية لعب دور مورد موثوق لأسواق إفريقيا، أوروبا، وحوض المتوسط، سواء عبر تصدير خام الحديد أو المنتجات نصف المصنعة والمصنعة، مع ما يرافق ذلك من فرص لعقد شراكات صناعية ونقل التكنولوجيا، كما يعزز هذا التموضع الجديد أدوات الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية، ويدعم حضور البلاد في سلاسل القيم العالمية ذات القيمة المضافة الأعلى.
كما سيساهم المشروع في تحريك النشاط التجاري في المناطق المحيطة، مما ينعكس إيجابيا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعزز القدرة الوطنية على تطوير صناعات مبتكرة وتحسين مستوى المهارات التقنية لدى الكفاءات الوطنية، بما يدعم التنمية ويقوي مكانة الجزائر كلاعب اقتصادي مهم في المنطقة.
وصرح ختاما، بالإشارة إلى أن دخول مشروع غارا جبيلات حيز الخدمة، وما يرافقه من تنظيم دقيق للاحتفالية الرسمية، يمثل محطة مفصلية في مسار بناء اقتصاد وطني متنوع وقادر على خلق القيمة، فغارا جبيلات ليس مجرد منجم للحديد، بل مشروع دولة يعكس رؤية استراتيجية تقوم على تثمين الموارد، تطوير الصناعة، تعزيز الحضور الدولي، وخلق ثروة مستدامة، بما يخدم حاضر الجزائر ويؤسس لمستقبلها الاقتصادي بثقة وطموح.





