تبسيط الإجراءات وتحسين الخدمات اللّوجستية..ضرورة
أكّد رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية، روبعي نصر الدين منير، أنّ التّحوّلات التي يشهدها الاقتصاد العالمي تفرض مقاربات جديدة في تسيير وتطوير القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها صناعة المواد الغذائية، مشيرا إلى أنّ الربط بين هذا القطاع الحيوي والتجارة الإلكترونية أصبح أولوية لا غنى عنها لضمان الاستمرارية والتنافسية وولوج الأسواق الخارجية.
أوضح روبعي في تصريح لـ “الشعب”، أنّ ما أبانت عنه التظاهرات الاقتصادية الأخيرة، خاصة صالون المواد الغذائية بقسنطينة، يعكس بوضوح حجم التطور الذي بلغته الصناعة الغذائية الوطنية خلال السنوات الأخيرة، سواء من حيث تنوع المنتوج، أو تحسّن جودته، أو ارتفاع عدد المؤسسات التي باتت تعتمد المعايير الدولية في الإنتاج والتغليف، غير أنّ التحدي الحقيقي – كما قال – لم يعد مرتبطا بقدرة الجزائر على الإنتاج، وإنما بقدرتها على تسويق هذا الإنتاج بوسائل عصرية تتماشى مع متطلبات السوق العالمية.
وأشار المتحدث إلى أنّ الصناعة الغذائية الوطنية أصبحت اليوم واجهة حقيقية للتطور، من خلال الحضور القوي لمنتجات فلاحية وصناعية جاهزة للترويج الخارجي، على غرار التمور الجزائرية بمختلف أصنافها، خاصة “دقلة نور” ذات الجودة العالية، وزيوت الزيتون التي أصبحت تنافس عالميا وتتحصل سنويا على جوائز دولية، إضافة إلى العجائن الغذائية والكسكس بتركيبات مبتكرة ومطابقة للمعايير الدولية، فضلا عن الأجبان ومشتقات الحليب، والمنتجات البيولوجية والعضوية، وكذا المنتجات الموجّهة للاستهلاك السريع مثل المعلبات والبسكويت والشوكولاتة والمشروبات.
واعتبر روبعي أنّ التنوع والجودة لا يمكن أن يحققا الأثر الاقتصادي المرجو إذا بقيا حبيسي قنوات تسويق تقليدية، موضّحا أنّ التجارة الإلكترونية تمثّل اليوم الأداة الأنجع لتحويل هذه الإمكانيات إلى فرص تصدير حقيقية، من خلال تمكين المنتج الجزائري من الوصول المباشر إلى المستوردين والأسواق الخارجية، دون المرور عبر حلقات وساطة طويلة تستهلك الوقت وترفع التكاليف، وأضاف أن التجارة الإلكترونية تسمح أيضا بخلق علاقة مباشرة بين المنتج والمستهلك، وتمنح المؤسسات خاصة الصغيرة والمتوسطة والناشئة، إمكانية الاندماج في السوق الدولية دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في شبكات التوزيع التقليدية، وهو ما يساهم في توسيع قاعدة المصدرين وتنويع الصادرات خارج المحروقات.
وفي السياق ذاته، أبرز رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية أن تحسّن التغليف والتعليب واعتماد عدد معتبر منع المؤسسات على أنظمة الجودة الدولية مثل ISO وHACCP، شكّل عاملا حاسما في تعزيز ثقة الأسواق الخارجية في المنتوج الجزائري، معتبرا أن هذه المكتسبات يجب أن تستثمر رقميا عبر منصات إلكترونية وطنية ودولية قادرة على الترويج المستمر للمنتجات الجزائرية، وليس فقط خلال الفعاليات الظرفية.
وأشاد روبعي بالدور الذي تضطلع به الدولة في مرافقة هذا المسار، من خلال برامج دعم الإنتاج وتثمين المنتوج الفلاحي، والتسهيلات التي توفّرها منظومة دعم الصادرات، فضلا عن الجهود التي تبذلها مختلف الهيئات الحكومية، على غرار وزارة الفلاحة، وزارة التجارة وترقية الصادرات، والوكالات المعنية بالتصدير، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية الرامية إلى حماية المنتوج الوطني، وترقيته، وتنويع الاقتصاد الوطني.
غير أنّ المتحدّث شدّد في المقابل على أن نجاح الربط بين صناعة المواد الغذائية والتجارة الإلكترونية يظل مرهونا بتسريع رقمنة مسار التصدير بالكامل، معتبرا أنّ التجارة الإلكترونية لا يمكن أن تزدهر في بيئة إدارية تقليدية، داعيا إلى تعميم الرقمنة على مستوى الشهادات الصحية، الإجراءات الجمركية، آليات الدفع، والخدمات اللوجستية.
ورغم التقدم المسجّل، لم يُخفِ روبعي نصر الدين وجود جملة من التحديات التي ما تزال تعيق الانطلاق القوي للصادرات الغذائية عبر التجارة الإلكترونية، لاسيما ما تعلق بارتفاع تكاليف النقل والشحن البحري، وضعف منظومة التبريد وسلسلة القيمة في بعض المناطق، إضافة إلى تعقيد بعض الإجراءات الإدارية، وصعوبة وصول المؤسّسات الصغيرة إلى المعلومة الدقيقة حول الأسواق الخارجية وآليات التمويل.
وأوضح في هذا الإطار، أنّ تجاوز هذه العراقيل يتطلب رؤية شاملة، تقوم على تطوير المخابر الوطنية وتحسين شهادات المطابقة، وتعزيز آليات الضمان والتمويل الخاصة بالتصدير، إلى جانب إنشاء منصة وطنية رقمية تربط المنتجين الجزائريين بالمستوردين الأجانب، وترافقهم في كل مراحل التصدير، من الإنتاج إلى التسويق والتوزيع.
كما دعا إلى مرافقة الفلاحين في التحول نحو الزراعة المستدامة وربطها بالصناعات الغذائية التحويلية، بما يتماشى مع الطلب العالمي المتزايد على الأغذية الصحية والطبيعية، معتبرا أنّ هذا التوجه من شأنه تعزيز القيمة المضافة للمنتوج الوطني، ورفع قدرته التنافسية في الأسواق الدولية.
وأوضح محدّثنا أن الربط بين صناعة المواد الغذائية والتجارة الإلكترونية يشكّل اليوم أحد أهم أدوات الدبلوماسية الاقتصادية، مبرزا أن الجزائر تمتلك كل المقومات التي تؤهلها لفرض منتوجها الغذائي في الأسواق الإقليمية والدولية، من حيث الجودة، التنوع، والدعم العمومي، مضيفا أن التحدي الحقيقي يكمن في حسن استغلال هذه المقومات ووضعها في إطار رقمي حديث يخدم المنتج الوطني، ويجعل من الصادرات الغذائية رافدا حقيقيا للنمو الاقتصادي، وتنويع المداخيل خارج قطاع المحروقات.






