أكّدت الحكواتية سهام كنوش في تصريح لـ “الشعب”، أنّ الحكاية الشعبية لم تعد مجرد موروث شفوي يُستعاد في المناسبات أو الاحتفالات التراثية، بل أضحت اليوم جزءا أساسيا من البنية الثقافية التي تحمي ذاكرة المجتمع وتعزّز انتماء أفراده.
ترى كنوش أنّ العودة إلى الحكاية هي فعل وعي واستعادة لما يربط الإنسان بجذوره، ويمنحه معنى داخل عالم يتغيّر بسرعة، ويفرض أنماطا جديدة من التواصل والاستهلاك الثقافي.
وتشرح كنوش أنّ الحفاظ على التراث المحكي يمرّ عبر ثلاثة مستويات مترابطة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر. فالمرحلة الأولى هي “التوثيق”، التي تعدّها خطوة مفصلية لحماية الحكايات من الضياع أو التشويه، وتقول “إن الكثير من الروايات التي تتناقلها الأجيال قد تتعرض للنسيان مع غياب الرواة التقليديين، ولهذا فإنّ التسجيل الصوتي والمرئي، وجمع النصوص من مختلف المناطق، ثم مراجعتها لغويا وتاريخيا، هو السبيل لتحويل هذا التراث من ذاكرة شفوية هشّة إلى مادة علمية قابلة للبحث والدراسة. وتشير إلى أنّ عددا من الدول سبقت في هذا المجال عبر إنشاء “بنوك سردية” تحفظ التراث بصيغته الأصلية، وتعتقد أنّ الجزائر تمتلك من المقومات ما يجعلها قادرة على تطوير عمل مماثل.
أما المستوى الثاني – حسب المتحدثة – فهو “التمكين والإحياء”، والذي تعتبره كنوش قلب المشروع التراثي، فالتراث – كما تقول – “لا يعيش حين يُخزّن، بل حين يُمارس ويُسمع ويُروى”، ومن هنا ضرورة إدراج الحكاية الشعبية في الفضاءات الفنية والتربوية: عروض مسرحية مستوحاة من القصص الشعبية، ورشات للحكي داخل المدارس، منصات رقمية مخصّصة للأطفال، إضافة إلى البرامج التلفزيونية التي تُعيد تقديم الموروث بأسلوب يتماشى مع لغة العصر. وتؤكد أن هذا الدمج لا يمنح الحكاية حياة جديدة فحسب، بل يجعلها كذلك جزءا من دورة الإبداع الفني المعاصر.
ويأتي المستوى الثالث ليعنى بنقل الموروث إلى الأجيال الجديدة، فالحكواتيون، في رأي كنوش، هم “حملة ذاكرة” يسهمون في تشكيل وعي الناشئة، لذلك تدعو إلى مرافقة الأطفال داخل الورشات والمخيّمات الثقافية ببرامج تربوية تعتمد السرد كوسيلة للتعليم وتنمية الخيال، مؤكّدة أنّ الحكاية الشعبية تحمل قيمة تربوية جمالية “تسهم في صقل شخصية الطفل وتعزيز إحساسه بالهوية”.
وفي ردّها عن سؤال حول دور المؤسسات الثقافية في حماية التراث المحكي، قالت كنوش إنّ المكتبات ودور الثقافة والجمعيات تشكّل “منظومة عمل” متكاملة لإنقاذ التراث المحكي من التشتت، فالمكتبات “يمكن أن تتحوّل إلى فضاءات حية للذاكرة الشعبية من خلال تخصيص أمسيات للحكي، وتوفير أرشيف رقمي يجمع الروايات المحلية. أما دور الثقافة، فهي المكان الأنسب لتنظيم تكوينات لفائدة الحكواتيين الشباب، بما يسمح بخلق جيل جديد قادر على الاستمرار في أداء هذا الفن بتقنيات حديثة”.
أما الإعلام، فتراه كنوش عنصرا حاسما في توسيع دائرة الاهتمام بالحكاية الشعبية، لأنه قادر على إيصال هذا التراث إلى جمهور واسع، وإخراجه من نطاق الضيق المحلي إلى فضاء وطني، وتشير إلى أن البرامج الثقافية يمكن أن تلعب دورا مهما في تعزيز مكانة الحكاية من خلال إنتاج محتوى يعرّف بالحكواتيين وحكايات المناطق المختلفة.
وفي ختام تصريحها، تقول سهام كنوش: “الجزائر تمتلك مخزونا حكائيا مذهلا، وما نحتاجه هو تنسيق الجهود بين الفنانين والباحثين والحكواتيين والمؤسسات الثقافية، حتى تنتقل هذه الذاكرة إلى المستقبل دون تشويه أو انقطاع. فالحكاية ضرورة لحماية الذاكرة الوطنية”.







