توسّـع معتــبر للمحصــول الحيـوي خــلال السنوات الأخـيرة
تحكي أشجار الزيتون قصة نجاح فريدة في الجزائر الأبية، مشكّلة نسيجًا موحدًا يربط الإنسان بالأرض بداية بمنطقة جرجرة والهضاب العليا، مرورًا بالسهوب، وصولاً إلى صحرائنا الفيحاء، حيث صار يتواجد الزيتون في كل مكان من جغرافيا هذا البلد الطيب، وغراسته في تطور مستمر بفضل سياسة الدعم المنتهجة من طرف الدولة للشُّعبة والقطاع الأخضر عمومًا.
يُمثِّل المحصول العريق في الجزائر، أكثر من مجرد مادة فلاحية استهلاكية، بل هو جزء أساسي من الهوية الاجتماعية والثقافية للجزائريين، وصار موردًا اقتصاديًا مستدامًا لآلاف العائلات عبر ربوع الوطن الكبير، وتسعى السلطات العمومية إلى تكثيف غراسته واستثماراته وتحويله إلى مصدر مهم للصادرات خارج المحروقات.
وعرفت الجزائر، في السنوات الأخيرة، مشاريع توسّعية هامة في شعبة الزيتون بما فيه دمجها في مخطّط إعادة إحياء السد الأخضر، مما سيجعلها من الدول المتقدمة في هذا القطاع على الصعيد العالمي، مع تدوين تنوّع في الأصناف الموطنية المتأقلمة مع المناخ المحلي حسب خصوصية كل ولاية ومنطقة بالبلاد.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس المنظمة الوطنية للفلاحين المنتجين والمحولين، مبارك بن جدي، أن شعبة الزيتون في الجزائر أصبحت من الركائز الأساسية للأمن الغذائي والتنمية الريفية، بالنظر إلى حجمها الكبير، وانتشارها الواسع، ودورها الاقتصادي المتنامي بالأعوام القليلة الماضية.
وأوضح مبارك بن جدي، في تصريح خصّ به “الشعب”، أن شُعبة الزيتون هي إحدى الشًّعب الفلاحية الاستراتيجية في الجزائر، وتحصي منها أزيد من 440 ألف هكتار مزروعة، بما يتعدى 65 مليون شجرة، وهو ما يترجم حصول توسّع معتبر في هذا المحصول الحيوي خلال السنوات الأخيرة.
ويبلغ الإنتاج الوطني من الزيتون، مثلما أضاف مبارك، حوالي 9 ملايين قنطار سنويًا، مقابل إنتاج يتجاوز 100 مليون لتر من الزيت، مع تسجيل تفاوت طبيعي بين موسم وآخر بسبب الظروف المناخية وتغيرات الطقس الطارئة.
وتأتي ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة وسطيف وجيجل ومعسكر وتلمسان والمدية والبليدة، في مقدمة المناطق الأكثر إنتاجا للزيتون وزيته، إلى جانب توسعه الكبير في ولايات الجنوب والسهوب على غرار ولايات الوادي والجلفة وتيارت، ما يؤكد قدرة هذه الشعبة على التأقلم مع مختلف المناطق في حالة توفير التقنيات الفلاحية والإرشاد الزراعي، بحسب قوله.
ويتميّز زيت الزيتون الجزائري، كما أبرز بن جدي، بجودته العالية وخصائصه الطبيعية وأمانه الصحي، إذ تصنّفه مختلف المخابر والمواقع المختصة ضمن الزيوت البيولوجية الممتازة، الأمر الذي جعله محل طلب متزايد في الأسواق الخارجية، خاصة في فئة الزيوت عالية الجودة، مشيرًا أن حجم تصديره لا يزال دون الأرقام المنشودة، ويتعيّن رفعها إلى حدود مناسبة لحجم الثروة الضخمة في البلاد.
وأردف: “المعطيات المتوفرة حول توسّع المساحات المغروسة بالزيتون، وتحسن تقنيات الإنتاج، وجودة الزيت الجزائري المعترف به دوليًا، تبرز إمكانية تحقيق قفزة نوعية في الصادرات، من خلال الانتقال من التصدير المحدود إلى التصدير المنظم والمهيكل، مع التركيز على الزيت المعلّب عالي الجودة، وفتح أسواق خارجية جديدة، ودعم الاستثمار في التشجير والتحويل والتسويق”.
ويمكن للجزائر على الأمد المتوسط إلى الطويل أن ترفع عائدات زيت الزيتون تدريجياً وتبلغ مستوى 50 مليون دولار أو أكثر كهدف استراتيجي واقعي وقابل للتحقيق، وفقًا للمصدر ذاته.
وتابع: “تطوير هذه الشُّعبة الفلاحية الاستراتيجية يبقى مرتبطا بمعالجة عدد من التحديات، مثل تحسين التسويق الداخلي، وتنظيم سوق المحصول، وعصرنة آليات التحويل والتعليب والترويج الخارجي، وإنشاء علامة وطنية حصرية تحمي المنتوج الجزائري وتثمّنه بشكل مستدام”.
وقد أبدى مبارك بن جدي استعداد المنظمة الوطنية للفلاحين المنتجين والمحولين لمرافقة كل المبادرات الهادفة إلى ترقية شعبة الزيتون عبر مكاتبها الولائية في كافة ولايات الوطن، بما يجعل من هذا المحصول رافدًا حقيقيًا للاقتصاد الوطني وقيمة مضافة مستدامة للفلاحة الجزائرية.
ويستبشر مزارعو الزيتون في الجزائر خيرًا بموسم استثنائي، بعد تسجيل تساقطات مطرية معتبرة خلال الموسمين الحالي والماضي، وسط توقعات بتحقيق رقم قياسي في حصاد المنتوج هذا العام.





