تعزيـز الاندمـاج القـاري فـي روح مـن التّعـاون النّموذجـي
رصدت المؤسسات المالية الدولية مجموعة من المؤشرات الإيجابية للاقتصادي الجزائري، والتي حافظ بموجبها على مرتبة ريادية في الاقتصاد الإفريقي، بنسبة نمو مستقرّة، تقدّر بـ 3.9 بالمائة لسنة 2025، وأداء نشط لمعظم القطاعات الإنتاجية، ما يرشّحه إلى مزيد من التقدم نحو المرتبة الثانية على الأقل في السنوات القليلة المقبلة.
يحتل الاقتصاد الجزائري، حاليا، المرتبة الثالثة قاريا، بناتج داخلي خام، يقترب من 280 مليار دولار، ومع ذلك لا تتعامل الجزائر مع هذه المعطيات من منطلق تنافسي مع بلدان القارة، بل تعمل معها في إطار تكاملي وتبادلي، بما يسمح من تحقيق التنمية الشاملة للقارة، ويضعها في مستوى متقدم دوليا.
وعلى هذا الأساس، استضافت الجزائر، منذ شهر سبتمبر الماضي، عدة تظاهرات اقتصادية، جعلت منها عنوانا لإعادة بعث النهضة القارية، عبر تحفيز الحكومات والشركات على حد سواء من التحرك السريع، للتكيف مع التحولات الاقتصادية الجارية على الصعيد العالمي.
وجدّدت الجزائر التزامها بدعم التنمية في إفريقيا بشكل ملحوظ من خلال احتضانها لفعاليات اقتصادية كبرى، موازاة مع إطلاق مبادرات استراتيجية أكّدت ريادتها، لا سيما في مجال الاندماج الاقتصادي للقارة.
واستعادت الجزائر مكانها في قلب الحركية الإفريقية من خلال احتضانها لعدد كبير من المؤتمرات والمعارض والمنتديات ذات البعد القاري، والتي خصّصت لمجالات وقطاعات متعدّدة، ما يعكس إرادتها الراسخة في مرافقة الدول الإفريقية في مشاريعها التنموية.
وقد شكّلت هذه الفعاليات فضاءات للتشاور والتبادل والشراكة ترمي إلى تعزيز الاندماج القاري في روح من التعاون النموذجي القائم على المصلحة المتبادلة.
وكان الحدث الأبرز الذي احتضنته الجزائر خلال سنة 2025 هو الطبعة الرابعة للمعرض التجاري الإفريقي البيني (IATF 2025)، والذي سخرت له كافة الامكانيات والظروف اللازمة لضمان نجاحه.
وقد توّج هذا الحدث بنتائج غير مسبوقة فاقت بكثير تلك المسجلة في الطبعات السابقة، حيث جمعت طبعة الجزائر 2.148 عارض، فيما بلغ عدد الزوار 112.476 زائرا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تمّ إبرام عقود بقيمة قياسية بلغت 48،3 مليار دولار، متجاوزة الهدف المحدد بـ 44 مليار دولار، كان نصيب الأسد منها للجزائر بقيمة 23 مليار دولار، وهي نتائج تعزز مكانة الجزائر كفاعل محوري في ترقية الاندماج الاقتصادي الإفريقي وموقعها كقاطرة للتنمية في القارة.
ومن بين اللقاءات الهامة الأخرى التي احتضنتها الجزائر خلال سنة 2025، المؤتمر الوزاري الإفريقي حول الإنتاج المحلي للأدوية والتكنولوجيات الصحية، المنظّم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.
وجاء هذا المؤتمر، الذي انعقد تحت شعار “صناعة صيدلانية محلية من أجل إفريقيا مندمجة وقوية”، بمشاركة وزراء الصناعة الصيدلانية والصحة لأزيد من 29 دولة إفريقية، ليشكّل أيضا فرصة للجزائر لتجديد التزامها بتقاسم تجربتها في المجال الصيدلاني.
وخلال الافتتاح الرّسمي، أكّد رئيس الجمهورية، في كلمة ألقاها نيابة عنه الوزير الأول، السيد سيفي غريب، على ضرورة تعزيز قدرات إفريقيا في مجال الصناعة الصيدلانية، لا سيما من خلال الإنتاج المحلي للأدوية، لضمان أمنها الصحي.
وقد توّج هذا المؤتمر باعتماد “إعلان الجزائر”، الذي يرسم رؤية مشتركة لتطوير الصناعة الصيدلانية في القارة من خلال رفع الحواجز التنظيمية وتوحيد الإجراءات، وإنشاء تجمع تجاري إفريقي يسهل تنقل المواد الأولية والمنتجات الصيدلانية.
وفي نفس ديناميكية الاندماج الإفريقي، احتضنت الجزائر مطلع ديسمبر المؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة الذي جمع أزيد من 200 عارض ومستثمر إفريقي ودولي.
وقد سمح هذا اللقاء، الذي بادرت الجزائر بإطلاقه سنة 2022، بتأكيد طموحها في بناء منظومة إفريقية مترابطة للمؤسسات الناشئة، قائمة على الابتكار وروح المقاولة.
وعرف المؤتمر، الذي استضاف رواندا كضيف شرف، عقد قمة وزارية ضمت نحو أربعين وزيرا، إلى جانب العديد من مسؤولي المنظمات الدولية وروّاد الأعمال والمستثمرين المتخصّصين في مجال التكنولوجيات.
وقد شدّد “إعلان الجزائر”، الذي توّج المؤتمر، على التزام الوزراء المشاركين بدعم المؤسسات الناشئة في القارة من أجل توسيع أنشطتها نحو الأسواق الإقليمية والدولية، وتعزيز وصولها إلى مصادر التمويل.
وبالموازاة مع هذه اللقاءات الدولية الكبرى، نظّمت الجزائر عدة فعاليات إقليمية ومنتديات موضوعاتية أخرى تناولت مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية للقارة من بينها الدورة 44 للجمعية العامة لبنك التنمية “شلتر إفريقيا” والاجتماعات السنوية لمنتدى الإدارة الجبائية الإفريقية.
وانطلاقا من إرادة راسخة للمساهمة في بناء إفريقيا موحّدة، ذات سيادة وقادرة على الصمود، حملت الجزائر أيضا صوت القارة خلال قمة مجموعة العشرين (G20) المنعقدة بجنوب افريقيا.
ودافع رئيس الجمهورية بالمناسبة عن قضايا البلدان النامية، لا سيما الإفريقية، من خلال الدعوة إلى إلغاء ديونها أو تحويلها إلى استثمارات مباشرة ومنتجة.
كما ذكر رئيس الجمهورية بضرورة توحيد الجهود لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي تهدّد التماسك العالمي، مبرزا الانشغالات الإفريقية المرتبطة بالفقر والبطالة وفوارق التنمية، وآثار التغير المناخي ومستويات المديونية غير المسبوقة لبعض البلدان ذات الدخل الضعيف.



