كان منتظرا أن تأخذ القضية الفلسطينية حيّزًا كبيرًا في أجندة الجزائر بمجلس الأمن الدولي، كونه أمرًا راسخا، في سياساتها الخارجية العريقة، القائمة على مساندة القضايا العادلة في العالم، حيث تمكنت من قلب الموازين وتغيير المفاهيم في السنتين الأخيرتين، وأعادت إلى الشعب الفلسطيني الأمل في قيام دولته «فلسطين»، وعاصمتها القدس الشريف.
نجحت الجزائر خلال شغلها لمقعدها كعضو غير دائم في مجلس الأمن بالأمم المتحدة (2024/2025)، في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية، بعد أن حاولت بعض الفواعل تهميشها وإفراغها من محتواها التحرري القائم على القانون والشرعية الأمميين، وتصدّت بجرأة وحكمة لكل مناورات اختطاف ملف المسألة، ومنعت بدهاء دبلوماسي تقويض مشروع إنشاء دولة «فلسطين».
وفي هذا الشأن، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الأقصى في غزة بدولة فلسطين، الدكتور ناهض أبو حماد، أن الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية يُعدّ من الثوابت الرئيسية التاريخية في العقيدة الإستراتيجية للجزائر، ومن محددات السياسة الخارجية تجاه فلسطين والقضية المركزية للأمة العربية.
وأوضح الدكتور ناهض أبو حماد، في تصريح خصّ به «الشعب»، أن المواقف الصريحة للدبلوماسية الجزائرية أثبتت بكل مصداقية أن القضية الفلسطينية ضمن سلم أولويات الجزائر في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتَجسَّد ذلك في التأكيد مرارا وتكرارا على ضرورة وقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والمطالبة بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار.
وأبرز أبو حماد أن الجزائر دفعت نحو استصدار كثير من القرارات في مجلس الأمن الدولي بكل كفاءة واقتدار، لفرض مسار تسوية سلمية وعادلة، تساهم في تعزيز الاستقرار في فلسطين، ورفض جميع مخططات التهجير القسري، وعدم خلق أيّ ذرائع واهية تبرر استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة، ومنع فرض السيطرة بالقوة العسكرية وإعادة احتلال وتقسيم القطاع، وفصل محافظاته ضمن رواية إسرائيلية، وعقيدة تلمودية ميتافيزيقية قائمة على زيف الوعي والمعطيات التاريخية المزوّرة بما يخدم مشروع الصهيونية.
وقد أشاد الدكتور ناهض بجمهورية الجزائر رئيسًا وحكومة وشعبًا، نظير وقوفهم مع فلسطين في ظل التحديات التي ما زالت تواجه القضية، لاسيما في مواقفها الأصيلة تجاه تداعيات حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، ودورها الأساسي في إعلان وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، والعمل على تعزيز وتسهيل جهود الإغاثة الإنسانية دون قيود أو شروط يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، وتسهيل دخول قوافل المساعدات عبر المعابر البرية، ورفض سياسية التجويع والتهجير الممنهج.
وتابع: «نسجل بلا أدنى شك موقف الجزائر المشرف خلال مفاوضات صياغة مشروع قرار مجلس الأمن الأممي بشأن خطة السلام في غزة، حيث استطاعت من خلال حنكتها السياسة ودبلوماسيتها العالمية الشجاعة من إدخال تعديل جوهري على مشروع القرار، يعكس الدعم الدبلوماسي الجزائري للقضية الأم في الوطن العربي، ومناصرتها والمرافعة عليها منذ بداية عهدتها في مجلس الأمن كعضو. كما ساهمت الجزائر في توفير الظروف المناسبة لتحريك المياه الساكنة ضمن رؤية الحل السياسي الأمثل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والسعى بإستراتيجية دبلوماسية حكيمة وثابتة ومواقف مشرفة للاستجابة لتطلعات الشعب الفلسطيني وتمكينه من نيل حقوقه الشرعية التي أقرتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وإنهاء الاحتلال، وتجسيد مشروع واضح من المجتمع الدولي في إنشاء دولة فلسطينية حرة».
مواقف الجزائر الصريحة منذ عهدتها الحالية بمجلس الأمن، أتت انطلاقا من رؤيتها وحنكتها السياسية والدبلوماسية، خاصة ما تعلق بقرارها السيادي بالتصويت لصالح قرار غزة، الذي جاء بعد تنسيق الجهود فلسطينيًا وعربيًا وفق تحركاتها وخطواتها الدبلوماسية الحثيثة والمباركة، في إطار تحصيل توافق عربي وإسلامي مؤيد للمشروع ومثبت للسلام، بحسب أبو حماد.
وأردف: «تصويت الجزائر على القرار الأممي حول غزة، نابع من حرصها العميق على الحد من كافة أشكال المعاناة التي لا يزال يتعرض لها الشعب الفلسطيني في القطاع المحاصر، والسعي الدبلوماسي نحو إيجاد سُبل تسوية حقيقية عادلة للقضية الفلسطينية، وإنهاء جميع جرائم الإبادة الجماعية، والتدمير للبنية التحتية، وسياسة التجويع والتنكيل الممنهج عبر اتباع سياسة الأرض المحروقة، حتى تصبح غزة غير قابلة للعيش الآدمي، ومنه فرض الأمر الواقع بالتهجير القسري لدول الجوار، في ظل وضع قهري لم يعد بمقدور الأهالي تحمله على مدار ما يزيد عن سنتين من حرب تقتيل وتحطيم واسعة النطاق طالت جميع مناحي الحياة».
الجزائر دولة أبية تتميز بمواقفها الشجاعة والثابتة تجاه القضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية، وستبقى الحصن الحصين، والصوت الجهوري المؤثر، وصمام الأمان نحو تجسيد حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وكل ما يروج له الأبواق والمهرولون نحو التطبيع، لن يزيدها إلاّ عزمًا وإصرارًا على مساندة القضايا العادلة في العالم، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الأقصى في غزة بدولة فلسطين، الدكتور ناهض أبو حماد.





