معرض التجارة البينية الإفريقية سبتمبر المقبل بالجزائر

منصة استراتيجية للتكامل الإفريقي

محمد لعرابي

نقطة انطلاق تاريخية للتعاون جنوب-جنوب

تستعد الجزائر لاحتضان الطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية بين 4 و10 سبتمبر المقبل، في محطة اقتصادية كبرى يتوقع أن تشكل نقطة تحول في مسار التكامل العربي–الإفريقي، وسط توقعات واسعة بأن يحقق الحدث قفزة في حجم المبادلات التجارية ويعزز من ديناميكية الشراكات الاقتصادية بين ضفتي القارة.

اختيار الجزائر لاحتضان هذا الموعد ليس محض صدفة، بل يعكس اعترافًا بدورها المحوري في القارة الإفريقية، خاصة وأن موقعها الجغرافي يجعل منها بوابة طبيعية بين العالم العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، فمنذ انضمامها إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، كثفت الجزائر جهودها لخلق فضاءات للتبادل الاقتصادي وفتح قنوات جديدة للتعاون مع دول الجوار الإفريقي.
وتسعى الجزائر، من خلال هذا الحدث، إلى ترسيخ مكانتها كمركز لوجستي وتجاري قادر على استقطاب المستثمرين والشركات العالمية الباحثة عن موطئ قدم في الأسواق الإفريقية الواعدة، ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الجزائر توفر بنية تحتية مهمة، بما في ذلك الموانئ، والطرق السريعة العابرة للصحراء، والمناطق الصناعية، ما يجعلها مؤهلة للعب دور الجسر التجاري بين الشمال والجنوب.

الأردن يدخل عبر البوابة الجزائرية

اللافت في هذه الطبعة، هو المشاركة الأولى للأردن، من خلال وفد يضم 12 مؤسسة تمثل قطاعات صناعية وخدماتية متنوعة، تشمل الصناعات الغذائية، الصناعات الكيميائية، مواد البناء، التجميل، المنتجات البلاستيكية، إضافة إلى خدمات الاتصالات والتعليم.
وأكد بيت التصدير الأردني، في بيان أصدره الأربعاء المنصرم، أن هذه المشاركة تمثل خطوة استراتيجية لفتح أسواق جديدة أمام المنتجات والخدمات الأردنية في القارة الإفريقية، مشددًا على أن المعرض يعد منصة فريدة للتواصل المباشر مع رجال الأعمال الأفارقة وبناء شراكات طويلة المدى.
ويرى مراقبون أن دخول الأردن إلى السوق الإفريقية عبر الجزائر، يعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية التكامل العربي-الإفريقي، ويشكل مثالًا على إمكانية توحيد الجهود الاقتصادية لمواجهة التحديات العالمية، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية وأسعار الطاقة والمواد الأولية.
المعرض الذي تنظمه أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بالتعاون مع الجزائر، يُعد فرصة ذهبية لزيادة حجم التجارة البينية بين دول القارة، والتي لا تزال نسبتها، وفق تقارير الأمم المتحدة، أقل من 20 بالمائة من إجمالي التجارة الخارجية الإفريقية.
وسيتيح الحدث للشركات العربية والإفريقية عرض منتجاتها وخدماتها، وبحث إمكانات إقامة مصانع مشتركة، وتطوير سلاسل توريد إقليمية تقلل الاعتماد على الأسواق البعيدة، كما سيفتح المجال أمام توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية في مجالات الطاقة المتجددة، الزراعة، الصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية.
لا يقتصر المعرض على بعده الاقتصادي فحسب، بل يحمل كذلك رسائل سياسية مهمة، إذ يعكس إرادة الدول الإفريقية والعربية في تجاوز الحواجز التقليدية التي كانت تعرقل التعاون بينها، وفي ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تشهدها القارة، تأتي مثل هذه المبادرات لتؤكد أن التكامل الاقتصادي يمكن أن يكون رافعة للاستقرار والتنمية المشتركة.
كما أن احتضان الجزائر لهذا الموعد في توقيت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية يعزز صورتها كفاعل محوري قادر على جمع الأطراف حول أهداف مشتركة، ويعكس قدرتها على استخدام الدبلوماسية الاقتصادية كأداة لتعزيز نفوذها.

فرص استثماريــة واعــدة

من المتوقع أن يشارك في المعرض مئات العارضين من مختلف القطاعات، ما يفتح المجال أمام لقاءات عمل ثنائية وورشات تقنية لبحث المشاريع المشتركة. وتبرز عدة قطاعات كفرص استثمارية واعدة، منها الزراعة والصناعات الغذائية، للاستفادة من الموارد الطبيعية الإفريقية وتحويلها محليًا، إضافة إلى الطاقة المتجددة، خاصة مع وجود مشاريع طموحة في الجزائر ودول أخرى لتوليد الكهرباء من الشمس والرياح، مع توفر بنية تحتية مكتملة من طرق وموانئ وسكك حديدية لدعم التكامل الإقليمي.

توقعـات وآفــاق

يتوقع محللون أن يسهم المعرض في رفع الوعي بأهمية السوق الإفريقية لدى رجال الأعمال العرب، وأن يشجع على مزيد من الانفتاح التجاري، خاصة في ظل التوجه العالمي نحو تنويع الشركاء التجاريين وتقليل الاعتماد على القوى الاقتصادية التقليدية.
ويرى خبراء أن نجاح هذه الطبعة سيعزز مكانة المعرض كمحطة سنوية دائمة، وربما يتحول إلى آلية مؤسسية لدعم التجارة البينية، على غرار المعارض الإقليمية الكبرى في آسيا وأوروبا، ويبقى الهدف الأساسي ترجمة اللقاءات والاتفاقيات التي ستُبرم على هامش المعرض إلى مشاريع ملموسة على الأرض، بما يحقق الأهداف المعلنة في مجال التكامل العربي–الإفريقي، ويضمن تحقيق منافع متبادلة للشعوب. وفي ظل إرادة سياسية واضحة ودعم مؤسساتي من دول مثل الجزائر، تبدو فرص نجاح هذه المساعي كبيرة، بل وقد تشكل بداية لمرحلة جديدة من التعاون جنوب–جنوب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025
العدد 19850

العدد 19850

السبت 16 أوث 2025
العدد 19849

العدد 19849

الخميس 14 أوث 2025
العدد 19848

العدد 19848

الأربعاء 13 أوث 2025