آليات لبناء اقتصاد متين يضمن الاستقرار الاجتماعي
منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون، سدّة الحكم، برزت سياسة التكوين والتعليم المهني كأحد المرتكزات الأساسية لبناء اقتصاد وطني متنوّع، يقوم على الاستثمار في المورد البشري بوصفه رأسمال استراتيجي، وقد شدّد الرئيس - في أكثر من مناسبة - على أنّ مستقبل التنمية في الجزائر لن يتحقّق إلا بشباب مكوَّن، كفء، وفاعل في الحياة الاقتصادية، وهو ما انعكس بوضوح في مختلف البرامج والمخططات التي تنفذها وزارة التكوين والتعليم المهنيين عبر التراب الوطني.
في ولاية إيليزي - على سبيل المثال لا الحصر - تم تخصيص 260 منصبًا تكوينيًا لفائدة المؤسسات الاقتصادية والخدماتية، ضمن مقاربة تقوم على التنسيق المباشر مع المتعاملين الاقتصاديين لتكييف التخصصات مع حاجيات السوق، وهو التوجه الجديد الذي أقرّه رئيس الجمهورية، ويربط المدرسة التكوينية بالمؤسسة الإنتاجية، ما يؤشر عن قطيعة مع السياسات السابقة التي كانت تفصل بين التكوين ومحيط الشغل.
أما في ولاية تلمسان، فقد جرى الإعلان عن فتح 9 تخصصات جديدة تتوزّع بين الأشغال الجيوتقنية، والصناعات الغذائية، والنسيج، والكيمياء الصناعية، وغيرها من المجالات التي تستجيب لمتطلبات سوق العمل المحلي والوطني، ولم تغفل المديرية الولائية للتكوين والتعليم المهنيين عن المناطق الريفية ومناطق الظل، حيث تمت برمجة 19 فرعًا تكوينيًا بقدرة استيعاب تناهز 335 منصبًا، ما يعكس بعدًا اجتماعيًا واضحًا لهذه السياسة، يهدف إلى تقريب فرص التكوين من المواطنين أينما كانوا.
وبولاية ميلة، تمت برمجة 7 تخصصات جديدة في دورة أكتوبر 2025، منها ما يتصل بالفندقة وتسيير الفنادق، ومنها ما يعكس انفتاحًا على التكنولوجيات الحديثة كالمعلوماتية والأنظمة الرقمية، فضلًا عن تخصصات ذات صلة بالاقتصاد الأخضر مثل استغلال محطات تطهير المياه وتحلية مياه البحر. هذه التوجهات تعكس إرادة الدولة في إدماج البعد البيئي ضمن إستراتيجية التكوين، انسجامًا مع رهانات التنمية المستدامة.
إنّ ما يميز السياسة الراهنة للتكوين بالجزائر، هو مبدأ المرونة والانفتاح على القطاعات الاقتصادية، عبر شراكات جديدة مع المؤسسات، وإدراج تخصصات دقيقة تستجيب للحاجات المتجددة للسوق، في وقت تشهد البلاد حركية تنموية غير مسبوقة من خلال المشاريع الكبرى في الطاقة، الصناعة، الزراعة، والخدمات. ويضاف إلى ذلك الحرص على تنظيم حملات إعلامية وتحسيسية واسعة، لتشجيع الشباب على الالتحاق بمراكز التكوين وعدم الاكتفاء بالجامعة كخيار وحيد.
لقد عبّر الرئيس تبون غير مرة، عن قناعته بأنّ الشباب هو “القوة الضاربة” للجزائر الجديدة، وأن الاستثمار في تكوينه وتأهيله يمثل شرطًا ضروريًا لبناء اقتصاد متين يضمن الاستقرار الاجتماعي.. من هنا، فإنّ ديناميكية التكوين لا يمكن قراءتها بمعزل عن الرؤية الشاملة للدولة التي تسعى إلى خلق طبقة شبابية مؤهلة، قادرة على اقتحام عالم الشغل، وإنتاج الثروة، بدل الارتهان إلى سوق عمل تقليدية ضيقة.
وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إنّ سياسة التكوين بالجزائر أضحت أداة استراتيجية لتنويع الاقتصاد، وركيزة لتمكين الشباب من لعب دوره كاملاً في البناء التنموي، وستتواصل جهود المخلصين بنفس النسق، لتشهد السنوات المقبلة انتقالًا نوعيًا يجعل من جهاز التكوين والتعليم المهنيين أحد المحركات الأساسية للنمو، وحاضنةً لطاقات الشباب الطموح.