النائب السابق عن الجالية بأمريكا والخبير محمد قحش لـ”الشعب”:

مركبات متطوّرة بمادة رمادية جزائرية

هيام لعيون

صناعة قطع الغيار خيار استراتيجي لتعزيز السيادة الصناعية

إشراك الجامعات ومراكز البحث وأبناء الجالية في المهجر

في خضم التحوّلات الاقتصادية العميقة التي تعرفها الجزائر، ومع إصرارها على تقليص التبعية لعمليات الاستيراد وبناء قاعدة صناعية صلبة وذات تنافسية، تبرز صناعة السيارات وقطع الغيار كأحد الركائز الإستراتيجية لتحقيق السيادة الصناعية، وخلق قيمة مضافة حقيقية تدعم نمو الاقتصاد الوطني.

 شرعت وزارة الصناعة في تنفيذ سلسلة من المبادرات العملية الطموحة، تستهدف تعبئة وتوظيف القدرات الوطنية الكامنة، والاستفادة من الخبرات الواسعة للكوادر الجزائرية سواء داخل الوطن أو خارجه. وتهدف هذه الجهود إلى وضع أسس صناعة ميكانيكية متكاملة، تتماشى مع أحدث المعايير العالمية في الجودة والتصنيع، وتلبي في الوقت ذاته حاجيات السوق المحلية، بما يفتح المجال أمام تطوير شبكة صناعية متوازنة قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
في خطوة تعكس التحول الاستراتيجي الذي تشهده الجزائر في قطاع الصناعة الميكانيكية، أطلقت وزارة الصناعة حملة وطنية واسعة لتجنيد الكفاءات الجزائرية داخل البلاد وخارجها، بهدف تأسيس المجلس الوطني للخبرات في مجال صناعة السيارات وقطع الغيار.
هذه المبادرة تأتي في سياق تنفيذ رؤية رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الرامية إلى بناء صناعة وطنية متكاملة ومستدامة، قادرة على المنافسة والاندماج في الأسواق العالمية.

بنك معطيات وطنية للكفاءات بالمهجر

 تحت شعار «بكفاءات جزائرية.. نبني صناعة ميكانيكية حقيقية»، تم توجيه نداء إلى الكفاءات الجزائرية داخل وخارج الوطن من أجل إنشاء مجلس الخبرات الوطنية لصناعة السيارات وقطع الغيار.
ويتشكل هذا المجلس من مجموع الكفاءات والخبرات الوطنية التي لها مستوى علمي مرموق في مجالات الهندسة الميكانيكية، والفروع التقنية المرتبطة بها، والتي تحوز على إجازات تميّزية وفخرية مُنحت لها من قبل هيئات أو مجامع هندسية أو علمية دولية مرجعية، ولها خبراتها ذات صلة بتصنيع المركبات أو تصنيع قطع الغيار.
وسيكون «مجلس الخبرات» هذا، وفق مختصين تحدثوا لـ»الشعب»، مختلف عن سابقيه، لن يكون «تقليديا»، لأن طريقة إنشائه متوجهة إلى «تجميع الخبرات الهندسية والتقنية» التي لها خبرات مثبتة عمليا وفي المجال الصناعي، وليست مجرد خبرات أكاديمية، خبرات لها معرفة تقنية وهندسية عملية من خلال الممارسة في القطاع الصناعي الوطني عمومي أو خاص، ودولي خارج الوطن، وليس شرطا أن يكون الخبير يحمل شهادات الدكتوراه وما بعدها، فيكفي أن يكون مهندسا، متميزا من خلال إنجازات مثبتة قام بها خلال مساره المهني.
هذا النداء سيسمح، بإحصاء مجمل الكفاءات الجزائرية داخل وخارج الوطن في مجال الصناعات الميكانيكية، وخصوصا صناعة السيارات وقطع الغيار، فضلا عن إنشاء بنك معطيات وطني للكفاءات، يتضمن معلومات تفصيلية عن كل كفاءة وطنية في المجال المذكور، ناهيك عن إنشاء تصنيفات مرجعية، بحسب التخصصات والفروع التقنية، وبحسب مجالات الخبرات المؤكدة، إلى جانب وضع خبرة هذه الكفاءات تحت تصرف الصناعة الجزائرية، من خلال نظام خاص تحفيزي يتكفل تنظيميا وماليا بهذه المرافقة الهندسية.

الصناعة قاطرة الاقتصاد الوطني

أكد الخبير الاقتصادي محمد قحش، في حديثه مع «الشعب»، أن قوة الاقتصاد الوطني لا تُقاس بحجم الإيرادات أو احتياطي العملات الأجنبية، وإنما بقدرة الدولة على الإنتاج الصناعي والتكنولوجي وخلق قيمة مضافة حقيقية داخل الاقتصاد.
وأضاف أن «الدول التي تعتمد على الموارد الطبيعية كمصدر رئيسي للدخل تظل اقتصاداتها هشة وعرضة للتقلبات الخارجية، مهما حققت من فوائض ظرفية».
وأوضح أن هذا النمط من الاقتصاد يؤدي إلى تكريس التبعية، حيث تضطر الدول المعتمدة على الريع إلى استيراد أغلب حاجياتها من غذاء وأدوية وتجهيزات ووسائل نقل، ما يجعلها مجرد أسواق استهلاكية لصالح الدول الصناعية المتقدمة.
وأشار قحش القاطن حاليا بالولايات الأمريكية المتحدة، إلى أن أمريكا مثال حي على أن قوة الاقتصاد تُقاس بالقدرة الإنتاجية وتنوّع الصناعة وعمق السوق المالية، وليس بحجم المديونية، حيث تعتبر أكثر دول العالم مديونية بأكثر من 33 تريليون دولار، لكنها تبقى القوة الاقتصادية الأولى بفضل تفوقها الصناعي والتكنولوجي وصناعتها المتقدمة ومؤسساتها المالية المتقدمة.

إشراك الكفاءات خطوة مبشّرة

وفي سياق المساعي الوطنية الرامية إلى تعزيز السيادة الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، تشهد الجزائر انطلاقة جديدة في مجال الصناعة الميكانيكية، خاصة في قطاع السيارات، من خلال مبادرات تشاركية تجمع بين الخبرات الوطنية داخل البلاد وكفاءات الجالية في الخارج. حيث يرى الخبير الاقتصادي أن هذه الخطوة تحمل أبعادا إستراتيجية مهمة وتستحق الدعم والاستمرارية، شريطة أن تُدار بروح العمل الجماعي العلمي والمنهجي.
وشدّد قحش، على أن «الجزائر بدأت في السنوات الأخيرة مسارا طموحا نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، ليس فقط في المجال الزراعي، وإنما بتوسيع الطموح ليشمل القطاع الصناعي، وبالأخص صناعة السيارات، وقد تم الإعلان عن حملة وطنية تهدف إلى تجنيد الكفاءات الجزائرية من داخل الوطن وخارجه، لبناء صناعة ميكانيكية متكاملة، تضمن مطابقة المنتجات للمعايير الدولية، ضمن رؤية تشاركية جامعة لأصحاب الاختصاص، ومراكز البحث، والجامعات، والمجتمع المدني».
وأشار إلى أن إطلاق هذه الحملة الوطنية، «يعد خطوة إيجابية ومبشرة، ويحبذ الاستمرار على هذا النهج التشاركي البناء، في جميع المجالات، كما يستحسن إشراك أصحاب الاختصاص من داخل الوطن، ومن أبناء الجالية الجزائرية في الخارج، إلى جانب فعاليات المجتمع المدني، في تنظيم ورشات وطنية علمية وأكاديمية، وذلك من أجل بلورة مقترحات عملية ومجدية، من شأنها أن تساهم في خدمة الوطن وتلبية تطلعات المواطن».
وأضاف النائب السابق عن الجالية بالمجلس الشعبي الوطني، أنه سبق له خلال عهدته البرلمانية أن قدّم مقترحات لإنشاء صناعة سيارات وطنية تحت اسم «سوناكوم»، باعتبار أن الشركة الأم تنتج الحافلات والشاحنات، وجدّد هذا المقترح في 2011 بعد زيارات ميدانية لأستراليا والهند ضمن مهامه التمثيلية للجالية بالخارج، حيث اطلع مباشرة على تجاربهما الصناعية.

تجارب ناجحة ومُلهمة

وأوضح قحش أن التجربتين الأسترالية والهندية اتسمتا بالتدرج المدروس عبر ثلاث مراحل المرحلة الأولى، تصميم هيكل السيارة الخارجي محليًا بنسبة 100 بالمائة، مع الاستعانة بمحركات مستوردة (أستراليا اعتمدت على محرك «جنرال موتورز» والأخرى على محرك «تويوتا»).
بينما يعتقد ذات المتحدث، أن المرحلة الثانية، ستكون للاحتفال بالإنجاز الصناعي الجزئي واستثماره كحافز للانتقال إلى التصنيع المتقدم، حيث ركزت أستراليا على الجودة والتكنولوجيا، بينما عمّقت الهند إستراتيجيتها بجذب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع القاعدة الإنتاجية، مبرزا أن «ما حدث في كلتا الدولتين هو أنهما حولتا التحديات إلى فرص، وشرعتا في الانتقال من مرحلة التركيب والتجميع إلى مرحلة التصنيع الحقيقي والابتكار المحلي، وهو ما شكل بداية جديدة نحو تحقيق السيادة الصناعية المستدامة».
أما المرحلة الثالثة في اعتقاد ممثل الجالية الوطنية بالبرلمان سابقا، هي توطين صناعة المحرك من خلال إشراك الكفاءات المحلية ومراكز البحث، ما مكنهما لاحقًا من إنتاج محركات وطنية بالكامل وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

إسقاط التجارب على الجزائر

واقترح قحش في السياق، أن تتبنى الجزائر نفس النهج عبر مرحلتين، الأولى، تصميم هيكل سيارة جزائرية بالكامل بواسطة كفاءات داخلية وخارجية، من مهندسين وخبراء جزائريين في المهجر ممن يشتغلون حاليا في كبرى شركات صناعة السيارات العالمية، حيث يمكن اليوم استغلالهم للمساهمة في هذا المشروع الوطني النوعي، مع الاعتماد مؤقتًا على محرك مستورد، وإطلاقه تحت اسم «سوناكوم 1».
وأضاف « كنقطة انطلاق، يمكن الاعتماد على محرك مستورد من شركاء تكنولوجيين مثل الصين أو إيطاليا أو ألمانيا، ... في انتظار تطوير محركات محلية في مراحل لاحقة. هذا النهج سيمكن من تسريع إطلاق النموذج الأولي، وفي الوقت ذاته، بناء قاعدة معرفية وهندسية جزائرية، يمكن تسمية هذا النموذج الأول « بسوناكوم» . SONACOM 1
أما المرحلة الثانية في نظر الخبير الاقتصادي، الانتقال إلى صناعة المحرك الجزائري بعد ترسيخ صناعة الهيكل، وهذا بالشراكة مع الجامعات ومراكز البحث، وخبراء جزائريين في المهجر وإطلاق «سوناكوم 2» كنموذج متكامل.
وأكد الخبير الاقتصادي، أن « التجربتين الأسترالية والهندية نموذجان ناجحان يمكن الاقتداء بهما في بناء صناعة سيارات وطنية متكاملة في الجزائر. ولا يمكن بلوغ هذا الهدف دون اعتماد منهجية تدريجية واقعية، تزاوج بين الموارد الطبيعية المتوفرة والكفاءات البشرية، مع ضمان الانفتاح على الشراكات الإستراتيجية والتكنولوجيا الأجنبية في المرحلة الانتقالية».

سيارة كهربائية جزائرية في الأفق..

وفي سياق مواكبة التحوّلات العالمية، تحدث قحش عن إمكانية إنتاج سيارة «سوناكوم» كهربائية، مشيرا إلى أن الجزائر تزخر بمادة الليثيوم أو «الذهب الأبيض» الضرورية لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية التي تمثل 50 إلى 70% من كلفة الإنتاج.
ولفت إلى أن العالم يتجه نحو الطاقات المتجددة وتقليل الانبعاثات الكربونية، مع ارتفاع أسعار المحروقات وتكاليف نقلها، ما يجعل السيارات الكهربائية بديلا اقتصاديا وبيئيا واعدا. وشدد على أن استثمار الجزائر في تصميم وتصنيع هياكل سيارات كهربائية، ولو بنسبة إدماج أولية 20%، سيكون خطوة إستراتيجية لبناء صناعة مستقبلية مستدامة، ومشروع وطني رمزي يحمل طابعا سياديا يستند إلى الكفاءات الجزائرية في الخارج، داعيا إلى إحياء علامة «سوناكوم» كرمز وطني يشارك فيه خبراء الداخل والخارج للاستفادة من التجارب الدولية التي بدأت بإدماج منخفض وتطورت إلى الريادة.
وخلص محدثنا الى التأكيد على أن «الجزائر تملك اليوم من المؤهلات التكنولوجية والطاقوية والبشرية ما يسمح لها بأن تكون نواة لصناعة سيارات كهربائية واعدة، وقاطرة للتنمية الصناعية في إفريقيا، بما يعزز من موقعها الجيو اقتصادي ويقلص من تبعيتها التكنولوجية في المستقبل

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025
العدد 19850

العدد 19850

السبت 16 أوث 2025
العدد 19849

العدد 19849

الخميس 14 أوث 2025
العدد 19848

العدد 19848

الأربعاء 13 أوث 2025