في انتظار الإطار التّنظيمي لجمعها وتثمينها

ثروة النّفايات تستهوي الباحثين عن الشّغل في البليدة

أحمد حفاف

تغيّرت نظرة الشباب إلى النفايات في ولاية البليدة فبعدما كانوا يرونها على أنها فضلات لابد من التخلص منها، أصبحت تشكّل مصدر رزق بالنسبة له، بل ثروة حقيقية تستدعي تثمينها بدلا من حرقها أو ردمها.

لعل ما يفسّر تحوّل النّظرة الدونية للمجتمع الجزائري تجاه النفايات هو أنّ كثيرا من الشباب بات يسترزق من المزابل المنتشرة في الأحياء والتجمعات السكنية وحتى في الأرياف، حيث يقومون بجمع البلاستيك والورق المقوى (الكرتون)، ومختلف المعادن التي يمكن تثمينها مثل الحديد والنحاس والألمنيوم.
وفي انتظار ضبط الإطار التنظيمي لرسلكة وتثمين النفايات، تشتغل بعض الشركات الخاصة بالبليدة في عملية تثمين البلاستيك، حيث تستقبل القارورات المستعملة ومختلف المواد البلاستيكية وتقوم بطحنها عن طريق آلات متخصصة، ويموّن هذه الشركات هؤلاء الشباب الذين يقومون بجمع النفايات من المزابل، وغالبا ما يستعملون في ذلك شاحنات صغيرة المعروفة باسم «الجحش» التي ينقلون على متنها ما يجمعونه.
وبعد تضاؤل فرص العمل بسبب تدهور الاقتصاد الوطني في السنوات الأخيرة، أصبح الكثير من الشباب لا يخجل بالاسترزاق من المزابل، بعدما ظل هذا السلوك مصنّفا على أنه يقلّل من قيمة الشخص وسط أقرانه وجيرانه.
 
نشاط لم يعد مهينا
 
 يقول محمد وجدناه يجمع في البلاستيك في مركز عشوائي لرمي النفايات في حي «كاف الحمام» في أولاد يعيش بجانب منطقة نشاطات: «ارتفع عدد الناشطين في مجال جمع النفايات في الفترة الأخيرة بل أصبحت مهنة لمن لا مهنة له».
وتابع مبرزا تغير نظرة الناس تجاه النفايات: «لقد ظل المجتمع الجزائري ينظر إلى ما يتوجه إلى المزبلة بأنه غير سوي، وأن هذا السلوك يقلل من كرامته، لكن هذه المفهوم تغير تدريجيا لأننا نحن نقوم بعمل شريف ونساهم في حماية البيئة، وزيادة على ذلك فالحاجة وليدة الاختراع، فنحن اخترعنا عملنا لنا بدلا من البقاء في حالة بطالة».
وختم قوله: «نحن نقوم بعملنا بشكل فوضوي، وأقصد أننا غير معتمدين رغم أننا نتعامل مع شركات ناشطة في مجال البيئة نبيع لها ما نجمع من البلاستيك، وكل شيء قابل للتدوير والرسكلة، وربما في المستقبل سيتم اعتمادنا بشكل رسمي ونتلقى تسهيلات لتأدية عملنا وهذا ما نتمنى حدوثه».

العمل ليلا بالرّغم من المخاطر

 يُفضّل النّاشطون في جمع النفايات العمل في الفترة الليلية، وأحيانا في الصباح الباكر أي قبل قدوم شاحنات البلديات الناشطة في مجال النظافة لنقل النفايات نحو مراكز الردم التقني، ويقول أحد هؤلاء وجدناه يعمل رفقة امرأة: «نستعمل القفازات في جمع النفايات، ورغم ذلك قد نتعرض لجروح جراء لمس الزجاج أو أشياء حادة، ونفضّل العمل في الليل لأن جل المواطنين يقومون برمي النفايات في الفترة المسائية وبالتالي نضمن الحصول على ما نريد».
وفي سؤال عمّا يجنيه من أموال مقابل هذا العمل، قال: «يختلف سعر المواد فمثلا نبيع البلاستيك بـ 30 دينارا للكيلو غرام وسعر الحديد والألمنيوم أعلى، والدخل اليومي يرتفع كلما قمنا بجمع حمولة أكبر من النفايات، وما يجب الإشارة إليه هو أن البلاستيك متوفر بكثرة مقارنة بالمواد الأخرى».
وبجانب مركز الردم في بلدية الشفة الواقع بجانب الوادي، يشتغل أحد الخواص في عملية فرز النفايات وبيعها لشركات متخصصة في مجال رسكلة النفايات، بل يوظف جزائريين وبعض الأفارقة قدموا إلى الجزائر للبحث عن لقمة العيش، كما يشتغل جزائريون قدموا من ولايات بعيدة مثل الجلفة بجانب إحدى مراكز الردم، ومهمتهم فرز النفايات واستغلال التي يمكن تدويرها.
 
  فرز النّفايات في مواقعها

 من أجل تسيير حكيم للنفايات، قامت مديرية البيئة في ولاية البليدة بوضع حاويات متخصصة تسمح بفرز النفايات، والتي تحتوي على جزء مخصص لرمي البلاستيك وآخر للزجاج وأخر للنفايات المنزلية، وهكذا لتسهيل فرز النفايات، غير ان هذه التجربة لم تعمم وتحتاج إلى رفع درجة الوعي عند المواطن ليسهم في ذلك.
ويرى عمر عرارمة، الخبير البيئي، بأن فرز النفايات في الأحياء السكنية مهم جدا ويساعد الناشطين في مجال جمع النفايات ورسكلتها، وفي هذا الصدد يتطلع لإنجاح تجربة وضع أكشاك وسط العمارات والشوراع، والتي من المقرر أن تبدأ في ولاية الأغواط.
وحول هذه التجربة يقول المتحدث الذي يملك شركة خاصة في مجال تدوير النفايات في بلدية الأربعاء: «التجربة بدأناها في تحديد 100 شاب لجمع النفايات لكن تلقينا صعوبة كبيرة في تجسديها، لذا فكرنا في وضع أكشاك للمسترجعات وانطلاقة هذه التجربة قريبة وسنبدأها في مدينة الأغواط».
وأوضح صانع آلة لتنظيف الشوارع: «حجم الكشك البيئي وعدد عماله يكون بحسب عدد السكان وبحسب الحي، فكلما كبر وجب رفع عدد العمال، والذين يستقبلون النفايات كاملة ويقومون بالفرز في عين المكان، وكلما تمتلئ حاوية أي من نوع النفايات يتصلون بأصحاب الشاحنات لنقلها نحو مركز المعالجة، ونطالب من المواطنين أن يسهموا في إنجاح هذه الطريقة بوضع المواد العضوية في كيس والمواد غير العضوية في كيس آخر».
وقدم عرارمة تفاصيل أخرى حول الفرز المسبق للنفايات: «تكلفة الكشك من 25 إلى 30 مليون، ومساحته لا تتعدى 25 متر مربع وقابل للتفكك أي يمكن تغيير مكانه بسرعة، ويمكن تجسيده في إطار الشراكة بين القطاعي العام والخاص، ومن مهام العمال في الكشك هي جمع وفرز النفايات وتنظيف الحي والحرص على عدم  تطبيق قوانين البيئة، على اعتبار أن الكشك سيتم تزويده بكاميرا للمراقبة»
 
شركة تُثمّن الألمنيوم وأخرى تجني 10 مليار

 لا شك أن تحسين تسيير النفايات بحاجة إلى إصدار قرارات تنظيمية تسهّل من عمل الناشطين في مجال البيئة بصفة عامة ورسكلة النفايات بصفة خاصة، فإذا كانت فكرة وضع الأكشاء وإشراك المواطن في عملية الفرز سيسهل عمل المتخصصين في عملية الجمع والنقل، فإن بعض الشركات الخاصة تأمل في إصدار قرارات تعطيها الأولوية في الحصول على هذه النفايات .
وتعتبر شركة «اليكوستاربليس» التي تنشط في المنطقة الصناعية بن بوالعيد وسط مدينة البليدة من بين أهم الشركات التي تقوم بثمين الألمنيوم، وتقوم بتصدير منتوجاتها نحو بعض دول الجوار مثل تونس وليبيا.
وتقوم هذه الشركة التي تأسست في سنة 2017 بصناعة صفائح الألمنيوم المركبة التي تدخل في عدة مجالات منها البناء، الإشهار، الديكور والمطابخ العصرية واستعمالات أخرى، وحظيت مؤخرا بزيارة وسيط الجمهورية الذي تم تكليفه بملف تطوير الاستثمار في بلادنا.
وما يجب الإشارة اليه أيضا هو أن مؤسسة تسيير مراكز الردم التقني للنفايات لولاية البليدة حققت أرباحا ناهزت 10 مليار سنتيم من عملية استرجاع النفايات القابلة للرسكلة خلال سنة 2021 المنقضية.
وتستقبل هذه المؤسسة العمومية البلاستيك بمختلف أنواعه، الكرتون، الخشب، الحديد، النفايات الألمنيوم ذات الاستعمال المنزلي، من مراكز الرد المنتشرة عبر إقليم الولاية وكذا مركز الفزر بالصومعة، علما أن عملية استرجاع النفايات تتم أيضا على مستوى الوحدات الصناعية طبقا لاتفاقيات مبرمة مع الشركات التي تزاول عملها بمختلف مناطق الناشطات في الولاية.
 
 تحويل النّفايات المنزلية إلى أسمدة

 فيما يتعلق بتسيير النفايات المنزلية، والتي تتمثل في بقايا الخضر مثل قشور البطاطا أو البصل أو الجزر، يقترح الخبير البيئي عمر عرارمة استعمال حشرة تقوم بهضم هذه المواد النباتية وتحويلها إلى أسمدة طبيعية تضمن لنا تجسيد الفلاحة المستدامة.
وحول هذه التجربة يقول المتحدث: «ذبابة الجندي الأسود هي أحد معجزات الله...ويعطي كيلوغرام واحد من بيضها طنا واحد من اليرقات، وهذا الوزن من اليرقات يأكل 10 طن من نفايات عضوية، ويُحولها إلى أسمدة غنية بالبروتينات وهذا ما توصلت إليه من خلال تجربتي وبمرافقة الوكالة الوطنية للنفايات».
وأبرز محدثنا أهمية هذه الحشرة: «يمكن أن نستعمل من 100 إلى ألف كيلوغرام من بيضها كل شهر، وكعملية بسيطة يأكل كيلوغرام منها  10 طن من النفايات، و100 منها تأكل ألف طن ومعالجة ألف طن من النفايات شهريا رقم مهما جدا»
وختم قوله: «المشكلة العويصة التي تواجهنا هي أن السوق محتكر، ونطالب من الدولة أن تعطينا فرصة لنثبت بأن تجربة هذه الحشرة مفيدة جدا، ونأمل في أن تمنحنا وزارة الفلاحة رخصة لإدخالها إلى

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024