المتنزهات والمُركّبات وجهة لمن يستطيع إليها سبيلا

الشّواطئ الممنوعة مفر العائلات البسيطة للاستمتاع بالبحر

استطلاع: فتيحة كلواز

 بالرغم من دخول موسم الاصطياف وتزامنه مع العطلة السنوية للكثير من العمال، إلا أنّ العائلات تعيش حيرة كبيرة في اختيار وجهة للاستمتاع بالبحر ورماله الذّهبية، فبينما تتجه ذات الدخل المحدود الى الشواطئ غير المحروسة تختار أخرى الشواطئ العمومية رغم استغلال بعض الشباب رغبتها في السباحة بإجبارها على كراء الكراسي والطاولات والشمسيات بأسعار مرتفعة، بينما تبقى المركبات السياحية والمتنزهات المائية وجهة عائلات توفّر ميزانية خاصة طوال السنة من أجل الاستمتاع بالخدمات التي توفرها للمصطافين.
 الحديث عن البحر وشواطئه الساحرة يجرّنا إلى الحديث عن اليوميات التي تقضيها العائلات على رمالها الذهبية، وعن الطريقة التي تمكّنها من منح أبنائها وأنفسها بعضا من الأوقات الممتعة والراحة في عطلتهم الصيفية، وكانت عائلة بومين التي التقتها “الشعب” على شاطئ اللقلق (لاسيغون) أحدها، سألتها عن يومها الصيفي على الشاطئ، فأجاب الأب محمد قائلا: “غالبا ما يكون “لاسيغون” اختياري الأول للاستمتاع بمياه البحر المنعشة لأنه أقل تكلفة من الشواطئ الأخرى، فعلى الأقل آتي وأبنائي الأربعة مشيا لقربه من البيت، حيث يحمل أطفالي الكراسي وأنا الطعام وزوجتي الشمسية، فبالرغم من امتلاكي سيارة إلا أنني أرفض أن أدفع 200 دج لصاحب الحظيرة على ركن سيارتي أمام الحي الذي اسكن فيه، بالإضافة الى كراء الكراسي والطاولات والمظلات الشمسية، فكلها أصبحت بأثمان أعتبرها باهظة بالنظر الى تدني القدرة الشرائية، وإلى أن عمل هؤلاء الشباب أو بالأصح المراهقين غير قانوني، خاصة ما تعلق باحتكارهم الشاطئ بوضع طاولاتهم أمام البحر، ما يجعل المصطافين ممن يرفضون كراءها يجلسون وراء شريط الطاولات الذي يقف عائقا أمام رؤية أبنائنا يسبحون، ويجعلنا في خوف وترقب دائمين”.
لم تكن الأجواء بشاطئ تمنفوست ببلدية المرسى مختلفة، غير أن الأسعار كانت مضاعفة تحت قبضة حديدية لا يمكن تجاوزها دون دفع رسوم الحظيرة العشوائية أو الخدمات، فسعر كراء الكراسي بـ 200 دج للكرسي الواحد، الطاولات بـ 600 دج أما المظلة الشمسية فبـ 500 دج. ارتفاع الأسعار جعل الكثير من العائلات البسيطة تتوجه الى شواطئ أخرى أقل تكلفة منه، حيث قالت “نسيمة - ب« لـ “الشعب”: “أفضّل شاطئ تمنفوست (لابيروز) عن الكثير من الشواطئ لما يوفره من راحة للمصطافين، حقيقة الأسعار مرتفعة مقارنة بالشواطئ المجاورة لكنه الاجمل والأكثر أمنا بالنسبة لي، خاصة وأنني أرملة آتي مع أبنائي الصغار من أجل الاستمتاع بأجواء البحر الممتعة بعيدا عن الخوف من وجود منحرفين أو شباب لا يحترمون العائلات من خلال سلوكهم المرفوض على الشاطئ، فغالبا ما تكون المرأة الوحيدة بالنسبة لهم فريسة يمكن اصطيادها بسهولة، لذلك وجود الأمن هنا يريحني كثيرا”.
وعن الخيارات المتوفرة للمواطن الجزائري في موسم الاصطياف، قالت نسيمة: “الكثير من العائلات تفضّل الذهاب الى الشواطئ الممنوعة من السباحة كـ “لافريقاد” و«كوكو بلاج” حتى لا تضطر لكراء أي شيء أو لنقل كراءها بأقل سعر ممكن، فهم يغامرون بحياة عائلاتهم فقط لأنهم لا يملكون المال الكافي للذهاب الى الشواطئ او المسابح الخاصة”.
في ذات الصدد، قالت نسيمة إن “المتنزه المائي الترفيهي كيفان كلوب مثلا سعر الدخول هذه السنة 900 دج بعدما كان 1200 دج للكبار و900 دج للصغار لكن رغم ذلك يبقى السعر غاليا جدا مقارنة بالشواطئ العمومية، أما مسبح متنزه الصابلات فسعر الدخول بعيد جدا عن متناول العائلات البسيطة، إذ يدفع الكبار 1500دج، أما الأقل من 12 سنة يدفع أولياؤهم 1000دج والأقل من ثلاث سنوات فمجانا، ما يجعل منه قبلة لطبقة معينة تستطيع دفع ما لا يقل عن 7000دج فقط للسباحة في مياه المسبح”.
«أمين”، 22 سنة، واحد ممن يستغلون الصيف لكسب بعض المال من خلال كراء الكراسي والطاولات لمرتادي شاطئ الأمواج الصغيرة (لي زوندين) بالجزائر الشاطئ، حيث تجد العائلات في رحلة الهروب من حر الصيف والبحث عن متعة السباحة واللون البرونزي نفسها أمام حتمية الكراء لمتعة أكبر على شاطئ البحر، سألته “الشعب” عن عمله، فقال: “أمارس هذه المهنة الموسمية المرتبطة أساسا بفصل الصيف منذ خمس سنوات، فبعد أن كان أخي يشرف عليها أصبحت اليوم المعني الأول بها، حيث أحضر الكراسي والطاولات قبل انطلاق موسم الاصطياف، وفي بعض الأحيان مع بداية إقبال المصطافين على الشاطئ نهاية شهر ماي من كل سنة، لكرائها للراغبين في الجلوس على شاطئ البحر للاستمتاع بمياه البحر والمنظر الجميل للأمواج المتعاقبة، في بعض الأحيان يشترط الزبون وضع الطاولة بحيث تلمس الأمواج عند وصولها الى الشاطئ قدميه، لذلك أحضر المكان صباحا بوضع الطاولات في المكان الذي يفضله المصطافون”.
في هذا الصدد أضاف أمين: “سعر الكراء محدد وموحّد بين كل من يمارس هذه المهنة ما عدا بعض الشواطئ التي تعرف اقبال المغتربين عليها، فسعر كراء كرسي واحد 100دج، اما الطاولة فبـ 500دج والمظلة الشمسية (باراسول) 500دج صباحا أما مساء فبـ 300دج، أما الباركينغ فبـ 200دج أي ان كراء طاولة مكونة من كرسيين و«باراسول”  1300دج، دون احتساب لفة بـ “الفلوكة” التي ضبطت تسعيرتها بـ 500دج للفرد الواحد، وغالبا ما يرفع شراء وجبة الغذاء و«السقايط” من فاتورة يوم واحد على شاطئ البحر، وكلما ارتفع أفراد العائلة الواحدة ارتفعت الفاتورة، ففي بعض الأحيان يصل كراء الطاولة والكراسي الى 2500دج، لذلك تفضل الكثير من العائلات التي تقطن بالأحياء القريبة من الشاطئ إحضار كل شيء من البيت حتى لا تضطر لكراء أي شيء”.
شاطئ القادوس بهراوة شرق العاصمة يصنع الاستثناء بموقعه الاستراتيجي بمحاذاة بحيرة الرغاية وغابة هراوة الخضراء المطلة مباشرة على الشاطئ، ما يجعله قبلة للكثير من العائلات التي تجد خيارات مختلفة بين غابة وبحيرة وشاطئ جميل وواسع، لكن تبقى الأسعار حجر عثرة أمام العائلات المكتفية بالبقاء بعيدا عن الشاطئ حتى لا يجبرها أحد على دفع ثمن الجلوس على الطاولة تحت الشمسية، فيما يختار البعض الآخر إحضار الشمسية ليرى الناظر من بعيد طبقتين تجلسان على الشاطئ، واحدة تستمتع بالبحر وأمواجه في الصفوف الأولى وأخرى تجلس الى الوراء لا ترى البحر رغم جلوسها على الشاطئ بسبب زحام الطاولات والخيم، ما يضطرها الى منع أطفالها من السباحة طويلا لعجزها وعدم قدرتها على مراقبتهم.

بعيدة المنال

 إن كانت الشواطئ الوجهة المفضلة للكثير من العائلات مع دخول موسم الاصطياف شهره الثاني، تبقى المسابح الخاصة والمتنزهات المائية خارج قائمة خيارات العائلات البسيطة. وصنّفت تلك المتنزهات في قائمة من استطاع اليها سبيلا، وإحدى الكماليات البعيدة عن المنال، وترف لا يمكن بلوغه براتب يئن تحت وطأة أسعار في ارتفاع مستمر.
فمثلا سعر الولوج الى شاطئ المركب السياحي “سات” بتيبازة بلغ 3500دج، أما مسبح “سات” فيناهز 4500 دج للكبار، فيما يتم دفع 1500دج عن الطفل، ولن تبتعد كثيرا أسعار المركبات السياحية عن تلك الأسعار في الجزائر، لذلك كان من الضروري لمن يريد الاستمتاع بالصيف فيها تخصيص ميزانية خاصة تتجاوز 100الف دينار إما بالادخار أو باشتراك عائلتين أو ثلاث في جمع الميزانية الكافية ليوم أو يومين فيها.
أما العائلات التي تستطيع توفير مبلغ لا يتجاوز 50 ألف دينار، فتكتفي باستئجار منازل في مناطق سياحية بسعر 5000دج لليلة الواحدة، وغالبا ما تكون عبارة عن “دار عرب” كتلك المتواجدة بمنطقة الكرمة “figuier” ببومرداس وزموري البحري، أو يلجأ البعض الى استئجار منازل احد الأصدقاء بالولايات الساحلية كأزفون بسعر معقول لا يتجاوز 3000دج، حيث قال زكاري إنه في فصل الصيف يستأجر منزلهم بأزفون لبعض جيرانه من أهل الثقة بسعر يتراوح بين 3000 و5000دج.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19478

العدد 19478

الجمعة 24 ماي 2024
العدد 19477

العدد 19477

الأربعاء 22 ماي 2024
العدد 19476

العدد 19476

الأربعاء 22 ماي 2024
العدد 19475

العدد 19475

الإثنين 20 ماي 2024