ضحايا يصرخون.. عائلات تناشد ومتهوّرون نادمون

أوقفـوا مجازر الطرقات.. دمـاء الجزائريـين تسيـل

فتيحة كلواز

هستــــيريا مواكب الأعـراس.. تحـوّل الأفــراح إلى مآــتم

قطع الغيـار المستعملـة والمقلـدة سبب آخـر في تنامـي مذابح المركبـات

 تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي يوميا بصور شباب ومراهقين وعائلات راح أفرادها ضحية حوادث مرور، صنعت في الأسابيع الأخيرة مجازر يندى لها الجبين، لتجعل من الجزائر أحد أهم البلدان في العالم التي تعاني ظاهرة ارتفاع حوادث المرور، حيث ارتبطت في السنوات الأخيرة بالإرهاب لما تسببه من ترويع وخوف وخزن ومآسي لعائلات تفقد في لمح البصر وفي ثوان معدودة أحد أو كل أفرادها، ولما تريقه من دماء الجزائريين بالرغم من كل الجهود المبذولة للحد منها، خاصة وان العامل البشري يمثل أهم أسبابها.
أعداد مهولة من الحوادث تتسبب في ضحايا وإصابات خطيرة، تؤكد أن لا سحب رخص السياقة ولا التوقف عن سحبها ولا الإجراءات الردعية في انتظار تطبيق رخصة السياقة بالتنقيط، استطاعت إعادة الرشد لسائقين حولوا الطرقات إلى أرضية رقمية للعب «اكس بوكس» لكن الموت فيها ليس افتراضيا; بل حقيقيا والإصابة فيها تسيل دماء ضحاياها ودموع محبيهم.
لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء «استفحال « الظاهرة، سألت «الشعب» الخبير والباحث الدولي في السلامة المرورية الدكتور أمحمد كواش عن الظاهرة والحلول الناجعة للحد منها، خاصة وان الجزائر سجلت بحسب الحصيلة السنوية للمندوبية الوطنية لأمن الطرقات  22 ألف حادث مرور بمختلف مناطق الوطن، خلّف 3061  قتيلا و29 ألف و763 جريح في2021.

أربع ذروات

قال الدكتور أمحمد كواش إن الجزائر تشهد أربع ذروات لحوادث المرور، الأولى تتزامن مع الدخول الاجتماعي والمدرسي، والثانية متعلقة بالتقلبات الجوية، والثالثة مرتبطة بشهر رمضان والرابعة والاهم بفصل الصيف، مؤكدا أن ظاهرة حوادث المرور تطورت بشكل رهيب ومخيف في الجزائر، حيث انتقلت من مخالفة مرورية إلى عنف مروري ثم إجرام لتصل إلى إرهاب مروري، فنحن اليوم نتحدث عن مجازر مرورية يومية خسائرها بشرية كبيرة جدا، ومادية.
ويرى المختص توفر عدة عوامل ساهمت في ارتفاع عدده حوادث المرور بشكل خطير خاصة هذا الصيف، فقد حذر سابقا «أن هذا الصيف سيكون أكثر دموية»، لعوامل كثيرة فالأكيد أن سنتي الجائحة العالمية كان لهما أثرا كبيرا فقد تم تطبيق تدابير احترازية للوقاية من الوباء والحد من انتشاره كالحجر الصحي، وقف تنقل المركبات بين الولايات وإلغاء الأنشطة السياحية كغلق الشواطئ، ما جعل المواطن متعطشا إلى التنقل والسفر والسياحة والزيارات العائلية.
 وأرجع الارتفاع الرهيب لحوادث المرور في الآونة الأخيرة، إلى الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية التي تزدهر في فصل الصيف وزيادة التنقل عبر الولايات شمالا، غربا شرقا وجنوبا، بالإضافة إلى التنقل ليلا ما يجعل الأنشطة الاقتصادية المختلفة لها عوامل ترفع نسبة احتمال وقوع حوادث مرور، خاصة بالنسبة للسائقين غير المحترفين، معتبرا السياقة ليلا لنقل البضائع أمرا خطيرا جدا.
أما فيما يتعلق بالنشاطات الاجتماعية فيرى أنها تزدهر بشكل ملفت في الصيف لتزامنه مع موسم العطل، ما يسمح بالزيارات العائلية والتنقل بشكل أكبر بين الولايات، أو التنقل للاماكن السياحية، وهذا العامل مرتبط أكثر بالسياقة لمسافات طويلة، والإرهاق الناتج عن السياقة الليلية فكثير من السائقين غير متعودين على السياقة لمسافات طويلة، فالملاحظ أن حوادث المرور تقع في الأماكن التي يكون فيها السائق غريبا عن المنطقة أي انه يجهل مفاجآت الطريق المختلفة، ما يرفع من نسبة تعرضه لحوادث المرور.
في ذات السياق، أضاف المتحدث عوامل أخرى كالسياقة الليلية لأن فصل الصيف يعرف حركة ونشاط كبيرين مقارنة مع فصل الشتاء، ضف إلى ذلك السياقة في الأماكن السياحية التي تعرف حركية كبيرة خاصة في الطرق الساحلية المؤدية إلى أماكن الاصطياف والاستجمام، وكذا المناورات الخطيرة التي يقوم بها السائقون بالأخص الشباب.
والازدحام المروري أيضا أحد هذه العوامل، ففصل الصيف يعرف ازدحاما مروريا كبيرا تنقل المواطنين إلى مختلف الوجهات السياحية والعطل السنوية، فكلما كان الازدحام المروري خانقا كلما ارتفعت نسبة حوادث المرور.
يدخل الازدحام المروري السائق في حالة قلق وتوتر تؤثر سلبا على القيادة السليمة للمركبة، فبمجرد فتح الطريق أو الخروج من الازدحام المروري يحاول السائق استدراك الوقت الضائع على حساب أعصابه، ما يجعله يقود المركبة بسرعة مفرطة ويقوم بمناورات وتجاوزات خطيرة، إلى جانب نقطة مهمة جدا هي السياقة في حالة سكر المنتشرة في المدن الساحلية.
دون إغفال جانب مهم مرتبط بفصل الصيف أيضا هو الحوادث المرتبطة بمواكب الأفراح المختلفة، فقد شهدنا تطور اجتماعي مهم في التعبير عن الأفراح حيث أصبحت مواكب الأفراح تقام لمختلف النجاحات كشهادة التعليم المتوسط والبكالوريا أو التخرج من الجامعة.

مواكب «الموت»

تنامت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة متمثلة في هستيريا مواكب الزفاف حيث أصبحت تخالف كل قواعد وقانون المرور المنظم لحركة المرور كالمناورات والتجاوزات واحتكار الطريق، ما يحولها في كثير من الأحيان إلى مواكب الموت، وعوض الاحتفال بأفراح وأعراس الجزائريين تقام المآتم والجنائز.
ولم يستثن الخبير الدولي في السلامة المرورية الدراجات النارية بمختلف أنواعها، حيث تنتشر وتكثر قيادتها في فصل الصيف خاصة عند فئة الشباب غير المبالين بشروط السلامة من احترام قوانين المرور أو ارتداء الألبسة الواقية مثل الخوذة والبِزَّة التي تحمي سائق الدراجة النارية من الإصابة عند السقوط، بالإضافة إلى تنقل أصحاب الدراجات النارية ليلا دون الأخذ بعين الاعتبار خطورة السياقة الليلية بسبب انعدام الإنارة وتجاوز حمولتها بوجود مرافق أو مرافقين في الدراجة الواحدة.
كما ربط حوادث المرور بصفة خاصة في فصل الصيف بإهمال الأولياء لأطفالهم في العطلة الصيفية، فنجد انتشار كبير للأطفال في الطرقات والأزقة غير مبالين بالخطر المحدق بهؤلاء الصغار في الطرقات بسبب سرعة السيارات، دون إغفال الأطفال الباعة والأطفال الذين يقودون دراجاتهم الهوائية في الطرقات السريعة والحضرية، بعيدا عن أي رقابة من طرف الوالدين.
وتجدر الإشارة هنا، أن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف تزيد من خطورة السياقة، خاصة بالنسبة للسائقين المتنقلين لمسافات طويلة أو نصف طويلة، أو حتى هؤلاء غير المتعودين على التنقل في فصل الصيف، فالحرارة المرتفعة تتسبب في إرهاق السائق والشعور بالعطش والإعياء الشديد ما يؤدي إلى خفض مستويات التركيز والفعل ورد الفعل ويزيد نسبة التوتر والقلق لدى السائق، ما يرفع من احتمالات وقوع حوادث المرور.

العامل البشري..الأهم

اعتبر كواش العامل البشري أهم الأسباب وأولها في حوادث المرور ناهيك عن أسباب أخرى مرتبطة بحالة المركبة والطريق والظروف المناخية، بالإضافة إلى قدم حظيرة السيارات، فالتحري العميق أو السطحي في أسبابها يظهر عدم تحكم السائق في المركبة وعدم السيطرة عليها، وكذا السرعة المفرطة والتجاوز الخطير.
 لكن قد يكون السبب الحقيقي وراءها،  قدم قطع غيار السيارة خاصة مع ما تعرفه من غلاء أو ندرتها، خاصة وان جل المواطنين أو السائقين يلجئون إلى  شراء قطع غيار غير أصلية أو مستعملة، ما يضر بسلامة السائقين ويؤثر سلبا على جودة السلامة في المركبة وللأسف له دور كبير في وقوع حوادث المرور.
فمثلا بعض السائقين يشترون عجلات غير سليمة لا تحترم قواعد السلامة ومهترئة ما يسبب غلاء الجديدة منها ما يؤدي إلى انفجارها ووقوع حوادث المرور.
 وأوعز المتحدث الارتفاع الجنوني في حوادث أيضا إلى حالة الطرقات، خاصة تلك التي تعرف تدهورا خاصة في المنعرجات والمنحدرات والمرتفعات الخطيرة، متأسفا في الوقت نفسه عن عدم اعتماد الحلول المناسبة لإزالة النقاط السوداء التي تم إحصائها، فلم يسجل أي تحرك بالنسبة اتجاه تلك المنتشرة في مختلف الطرقات والطرق السيارة،  كالطريق السيّار شرق غرب الذي فيه منحدر الجباحية بولاية البويرة، منحدر الاربعطاش ببومرداس، منحدر خميس مليانة بعين الدفلى، التي تعتبر نقاط سوداء خطيرة جدا تتكرر فيها حوادث المرور، بالإضافة إلى التقلبات الجوية والمناخية التي تعتبر خطيرة في حالة ما إذا كان السائق لا يتقن ولا يتحكم في القيادة في تلك الظروف المناخية.

السياقة الدفاعية
في سياق ذي صلة، قال إنه مهما كانت الأسباب السابقة مهمة جدا كحالة المركبة والظروف المناخية وحالة الطرقات، يبقى السائق «مربط الفرس»، وهو الشخص الوحيد المؤهل لتقييم وتكييف سياقته للمركبة بحسب الظروف المختلفة، فهو الذي يقيم قدراته الجسدية في الرحلات، وكذلك يقدر نسبة السلامة في مركبته والظروف المناخية وحالة الطرقات حتى يختار القيادة الدفاعية أو الوقائية التي تحمي من حوادث المرور المختلفة.
والقيادة الدفاعية «عبارة عن مجموعة من مهارات القيادة تسمح للسائق بالدفاع عن نفسه أثناء القيادة، وحمايته من حوادث الاصطدام المحتملة، والتي قد يتسبب فيها السائقون الآخرون أو حتى سوء الأحوال الجوية، أو أي مفاجأة أخرى غير متوقعة على الطرقات أو الشوارع.»
أما فيما يتعلق بالشاحنات والحافلات، أكد المتحدث أنها تتسبب حوادث برتبة مجازر مرورية مثلما وقع في بلعباس، غليزان وتيارت، فحادث بلعباس مثلا أسفر عن أربع قتلى وهي حوادث تشترك كلها في السياقة لمسافات طويلة دون أخذ قسط من الراحة أو تغيير السائق، وكذا تشترك في التوقيت وهو الصباح المبكر، حيث تعتبر السياقة من الثانية إلى الخامسة صباحا خطيرة جدا وغير مناسبة، لضعف القدرات الجسدية والفكرية والعقلية للسائقين في تلك الفترة، ما يزيد من خطورة السياقة لمسافات طويلة ونصف طويلة.
هناك مشكل آخر طرحه الخبير متعلق بالشاحنات والحافلات في الجزائر هو عملها المتواصل 24 ساعة على 24 ساعة طوال أيام السنة، بالإضافة إلى خضوعها للمراقبة التقنية فقط مع غياب الصيانة الدورية لها، فبعض الحوادث المأساوية ناتجة عن أعطاب ميكانيكية يفقد بسببها السائق في اغلب الأحيان السيطرة على الحافلة أو الشاحنة.
ناهيك عن غياب سائق صاحب خبرة لقيادتها، ففي بعض الحالات يستعين أصحابها بسائقين شباب حتى لا يضطروا إلى دفع أجرا مرتفعا، بالإضافة إلى الاستعانة بسائق واحد لخفض تكلفة العمال، بالإضافة إلى عامل السن فسائقي الحافلات والشاحنات في الجزائر، إما شباب مراهقون أو كبار في السن مصابون بأمراض مزمنة.

حلول استعجالية

لاحظ  كواش أن كل الاستراتيجيات الموضوعة للحد من حوادث المرور وإرهاب الطرقات لم تؤت ثمارها ولا النتائج المرجوة منها، فمن الأهمية بما كان اليوم جعل السلامة المرورية أولوية وطنية على مستوى أعلى هرم للسلطة، من خلال الاستثمار في العامل البشري بإنشاء جيل يحترم قوانين المرور بتدريس التربية المرورية على مستوى المدارس بإدخالها في البرامج المدرسية في مختلف الأطوار التعليمية، بالإضافة إلى تحمل الأسرة، الجامعة والمسجد مسؤولياتهم اتجاه تنشئة سليمة لهذا الجيل حتى يكون له أثرا ايجابيا في المجتمع، بالإضافة إلى ضرورة الفحص الطبي للسائقين في مختلف الفئات لتفادي أي طارئ صحي قد تكون عواقبه وخيمة.
وكشف في الوقت نفسه عن دراسة عملية قام بها لمواجهة حوادث المرور، واصفا إياها بالسهلة التطبيق، وفق المقاييس العلمية قبل وأثناء وبعد الحوادث، تتحقق نتائجها على المدى القصير والبعيد، مؤكدا انه عرضها على البرلمان، نحن اليوم نتحدث عن الجزائر الجديدة المرتبطة بالتنمية الاقتصادية، الاجتماعية والسياحية والتجارية المبنية على الأمن المروري فلا يمكن الحديث عن نهضة سياحية على ضوء الازدحام المروري وغياب الأمن المروري.
ودعا في ختام حديثه مع «الشعب» إلى تنظيم ندوة وطنية على مستوى البرلمان والحكومة من اجل وضع حلول استعجاليه لحقن دماء الجزائريين بفعل التطور الرهيب لظاهرة حوادث المرور، واضعا بين يدي المعنيين بحثا مفصلا في حوالي 21 بندا لحلول استعجالية لمواجهة حوادث المرور في الجزائر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024