خبراء يقترحون عبر «الشعب»:

هـذه مفاتيــح إنهاء تذبــذب حليـــب الأكيــاس

خالدة بن تركي

رفع الإنتاج الوطني وتنظيم الشعبة الحل الأنجع

زيادة مردودية الطازج لتعويض النقص

دراسة جديدة للقضاء على فاتورة الاستيراد

يتكرر سيناريو الندرة والتذبذب في توزيع مادة الحليب في كل مرة على مستوى السوق الوطنية، وأرجعها الناشطون في المجال إلى سوء توزيع بودرة الحليب وذهابها لغير وجهتها، وكذا غياب تنظيم الشعبة أدى الى تراجع الإنتاج الوطني إلى 800 مليون لتر سنويا أي ما يعادل 12 بالمائة من إنتاج حليب البقر، في حين تحقيق الاكتفاء الذاتي يحتاج إلى 5 ملايين لتر يوميا.

طرحت إشكالية تزايد الطلب على مادة الحليب مشكل الندرة مقابل ارتفاع في عدد السكان، الأمر الذي أحدث خللا في السوق الوطنية، ما يستدعي اليوم متابعة المنتجين وتحفيزهم من أجل رفع الإنتاج المحلي وفق خارطة طريق تتجه نسبيا نحو القضاء على المضاربة التي طالت مادة أساسية يستهلكها المواطن الجزائري بكثرة، وكذا تقليص فاتورة استيراد زادت من أعباء الخزينة العمومية.

تراجع الإنتاج وتزايد الاستهلاك وراء الندرة
قال رئيس المجلس المهني للحليب لولاية مسيلة رضوان قفي في تصريح لـ»الشعب»، إن أزمة الحليب المدعّم مستمرة بسبب قلة الإنتاج الوطني وتزايد الاستهلاك السنوي، خاصة وأن الجزائر تحتاج لأكثر من 5 مليارات لتر من الحليب سنويا مقابل إنتاج محلي لا يتجاوز 800 مليون لتر، مشيرا أن الدعم الموجه لهذه المادة استغل لغير أغراضه، وأصبحت البودرة المستوردة التي تستورد بالعملة الصعبة محل مضاربة وتحول إلى غير وجهتها.
وما عمق المشكل - يقول المتحدث - تحويل جزء كبير من حليب الأكياس المدعم إلى أجبان ومشتقاتها التي تدر ربحا جيدا مقارنة بهامش الربح الذي يحصل عليه من أكياس الحليب، خاصة الموزع المحدد بـ1 دينار فقط، مقابل غياب التعويض فيما يتعلق بالأكياس الممزقة أو الحليب الفاسد،  حسب ما تنص عليه الاتفاقية،
وصرح رضوان قفي، أن غالبية الملبنات تحول أجزاء كبيرة من هذه الكميات المدعمة من حصتها التي يوزعها الديوان الوطني للحليب على الملبنات العمومية والخاصة المتعاقدة معها والتي تفوق 100 ملبنة تبيعها لهم بـ 16 دينار للتر الواحد، أي 105 غرام للتر بعد خلطها مع الماء لتصبح حليب، في حين أن سعر اللتر أو كمية 105 غرام من بودرة الحليب يتجاوز 65 دينار في الخارج، أضف إليها صعوبة الحصول على التراخيص من الوزارة والشحن والجمركة والتخزين، لذا يلجؤون إلى تحويل كميات من المادة المدعمة البودرة إلى أغراض أخرى.
وتابع المتحدث «أن كل المتغيرات التي صاحبت أزمة الحليب المدعم سابقا دفعت الموزعين إلى المطالبة برفع هامش الربح الذي لا يتجاوز دينارا في الكيس الواحد من الحليب،  في حين أن الكمية الممنوحة لكل موزع عرفت تراجعا بسبب نقص المادة الأولية وخفض الإنتاج الوطني»، ما تسبب في تذبذب توزيع الحليب المدعم، مشيرا أن الحل الوحيد للقضاء على الاضطراب وضع استراتيجية محكمة هدفها تحسين التموين وتنظيم التوزيع .
وفي سياق موصول، أفاد المتحدث أن اضطراب التوزيع يطرح بحدة في المناطق الداخلية والبعيدة التي تعاني غالبا غياب هذه المادة الأساسية، غير أن المشكل الأساسي يكمن في مسحوق الحليب، خاصة وأن مجموعات أخرى تستغل هذا الدعم للكميات القانونية التي هي 102- أو 105 غرام للتر وتضع أقل من 90 غرام لتحويل الباقي لصناعة أمور أخرى، ما يؤثر مذاق الحليب ونوعيته تكون غير طبيعية في هذه الحالات.
يرى المتحدث، أن الحل في التغيير الكلي لطريقة الدعم التي استنزفت أموال الخزينة العمومية، وحطمت ونافست الإنتاج الوطني من الحليب الطازج وجعله بديلا ثانيا، خاصة في حال عدم إيجاد البودرة المستوردة ممكن العمل على الحليب الطازج، لذا فإن التغلب على هذا الإشكال يبقى في محاربة المظاهر السلبية من جهة وتطوير شعبة إنتاج الحليب الطبيعي للتخفيف من حدة الأزمة التي يعرفها الحليب المدعم .

 الحليب الطازج البديل الأنسب
من جهته، الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة قال في تصريح لـ «الشعب» «تذبذب توزيع الحليب مستمر، لأنه مرتبط بالاستيراد، وتمت محاولة حل الإشكالية منذ سنوات طويلة من خلال إنجاز 16مركبا لتحويل بودرة الحليب إلى حليب مبستر «خلال سنوات الثمانيات «، وكان لا بد من تطوير الحليب الطازج الذي مصدره «البقر، الماعز والإبل» وبقيت الشعبة تعاني مشاكل عديدة .
وأكد في سياق موصول، أن تطوير شعبة الحليب الطازج يستوجب توفير شروط، لكن نوعية البقر المتوفر للحصول على كميات مرتفعة من الحليب الطازج تصل بين 60 إلى 70 لتيرا يوميا غير متوفرة بالعدد الكافي، لكن نوعية البقر المتوفر في بلادنا وطريقة تربيته له مردودية ضعيفة ولا تتجاوز 10 لترات يوميا، لذا يجد المربون أنفسهم يتكبدون خسائر كبيرة، تجعلهم يحولون أبقارهم إلى المذابح عوض تربيتها.
النهوض بهذه الشعبة يستدعي- بحسبه - اختيار نوعية البقر المناسب الذي يتأقلم مع خصوصية وطبيعة مناخ بلادنا وتوفير الغذاء المناسب من الحشيش الذي يحوي كميات من المياه الذي يمنح نسبة عالية من الحليب مع ضرورة توفير المتابعة الصحية للأبقار. وبتوفير هذه الشروط يمكن توفير كميات كبيرة من الحليب الطازج تساعد على التخفيف من إشكالية الحليب المدعم .
فيما يتعلق ببودرة الحليب أنشئت مصانع في السنوات السابقة بغرض إيجاد سوق لفائض بودرة الحليب ونجحت الفكرة، ومازالت الجزائر لحد الآن تستورد كميات كبيرة من مسحوق الحليب- يقول المتحدث -،مشيرا أن المادة الأولوية مدعمة من طرف الدولة وتوزع بأثمان رمزية، إلا أنها تباع بأسعار مرتفعة أو تحول لصناعة الأجبان ومشتقاتها، وأحيانا تسوق لأغراض أخرى وهذا يشكل خسارة كبيرة .
شدد بوخالفة على ضرورة تطوير شعبة الحليب من خلال توفير الأراضي والمياه، من أجل وضع 800 الف بقرة حلوب في 400 الف هكتار من الأراضي لرفع المردودية إلى مستويات على الأقل 40 لترا، وحتى تكون البقر في استقرار ولا تتعرض للذبح في حال تكبد المربي خسائر، مشيرا أن الوقت حان لمراجعة طريقة توزيع أكياس الحليب في المناطق البعيدة والنائية والتوجه لإنتاج الحليب الطازج .
كما أكد الخبير الفلاحي،  أن مشكل التذبذب المسجل في مادة الحليب راجع إلى المستهلك الذي يقوم باقتناء كميات كبيرة من الحليب مما يخلق الأزمة، ما يستدعي ترشيد الاستهلاك، إلى جانب الإجراءات التي ستعتمدها الدولة مستقبلا وفق مخطط تنظيم الشعبة يمكن تحقيق فائض في الإنتاج والاستغناء تدريجيا على بودرة الحليب المستوردة التي تكلف الخزينة مبالغ باهظة.

 ملبنات بطاقة إنتاج 40 بالمائة
تعود أزمة أكياس الحليب المدعم لتتصدر مشاكل المستهلك، الذي يبحث دائما عن كيس حليب الذي يغيب أحيانا في بعض المناطق بسبب قلة العرض بالمقارنة مع الطلب، لأن الموزعين لهذه المادة يشتكون من عدم وجود هامش ربح وكذا نقص المادة في الملبنات، حيث تشتكي هذه الأخيرة من التوزيع غير المنظم لحصص بودرة الحليب من الديوان الوطني المهني للحليب ومشتقاته، ما يجعلها تعمل بقدرة 40 بالمائة من إمكانيات الملبنة.
في هذا الصدد، قالت المستشارة القانونية لكنفدرالية الصناعيين والمنتجين الجزائريين سميرة هدى جعفري، إن غياب هامش الربح في حليب الأكياس المقدرة تكلفته كيس (1لتر) ذو 103 غ بـ 18 دينارا عند احترام مقاييس إنتاج هذه المادة قبل عرضها للاستهلاك وراء الأزمة، بالإضافة الى تراجع تربية الأبقار وغلاء الأعلاف والجانب الصحي والخوف من الأمراض، ورغم الدعم في هذا المجال، إلا أنه يبقى غير كاف لرفع المردودية إلى 40 لترا يوميا.
وعرجت البيطرية في حديثها على دعم الدولة، حيث تقدم سنويا لإنتاج الحليب الطازج محليا بقيمة تتجاوز 18 مليار دينار، في حين تبقى كمية الحليب الطازج الموجهة إلى الملبنات تقدر بـ 814 مليون لتر في السنة وهي قليلة بالمقارنة مع دعم الدولة لتطوير هذه الشعبة الإستراتيجية، في حين تصريحات الديوان المهني للحليب ومشتقاته تقول بإنتاج أكثر من 4.7 مليون لتر من الحليب.
ولرفع إنتاج حليب الأبقار تقول المتحدثة، يجب حل مشاكل المربين المتعلقة بالتغذية «الأعلاف» وتطهير قطيعه «الجانب الصحي»، حيث أن المربي غير الرسمي لا يملك اعتمادا صحيا وفي حالة ما تعرض قطيعه للأمراض المعدية التي تنتقل من الحيوان الى الإنسان كمرض السل، الحمى المالطية يكون الذبح الصحي إجباريا، للمحافظة على الصحة العمومية ويكون التعويض بين 50 الى 60 بالمائة من قيمة اللحم، بالإضافة إلى أنه لا يستطيع الانخراط والاستفادة من برامج الدعم،  الحليب الطازج المدعم، النخالة المدعمة،  الشعير المدعم، العلف الملفوف، التلقيح الاصطناعي ودعم العجلات ومشاتل العجلات لمن يقومون بالتكاثر بالتلقيح الاصطناعي.

الاهتمام بالشعبة لرفع المردودية
أكدت المتحدثة أن الحد من أزمة الحليب المدعم تستوجب العناية أكثر بهذه الشعبة وتشجيع المربي على تنمية تربية أبقاره، وذلك من خلال تحيين القوانين فيما يخص التعويض وجعله 100 بالمائة من قيمة الحيوان الذي تم ذبحه صحيا وليس بقيمة اللحم، بمعنى آخر المربي الذي يخسر بقرة أو عجل بالذبح الصحي يتم تعويضه ببقرة أو عجل حسب جنس حيوانه وعمره.
بهذه الطريقة يتم معالجة - تقول المتحدثة - مشكل الاعتماد الصحي، والمربي يصبح رسميا ويمكن إحصاؤه وينخرط ويستفيد من برامج الدعم، وبالتالي الحفاظ على الصحة العمومية والحيوانية، حيث تم توجيه الحليب إلى الملبنة ورفع الإنتاج الوطني، مشيرة في سياق آخر إلى ضرورة رقمنة كل القطاعات لأجل تعميم عملية الترقيم الدائم للأبقار لباقي ولايات الوطن، حتى يتم تحديد العدد الحقيقي الماشية.
وأشارت البيطرية في سياق رفع إنتاج الحليب الطازج إلى ضرورة تطبيق برامج دعم التلقيح الاصطناعي لزيادة عدد الماشية وتشجيع المربين الانخراط فيها،  من خلال حل مشكل الاعتماد الصحي بسبب العقار الفلاحي، مع ضرورة تطبيق نفس الدعم بالنسبة للمربين الذين ينتهجون التلقيح الطبيعي «بالثور» خاصة إذا كانوا يمتلكون الاعتماد الصحي، هي الحلول الأنجع بالنسبة للمربي.
ودعت المتحدثة على صعيد آخر التجار الابتعاد عن بعض السلوكيات المتعلقة ببيع كيس الحليب بالوساطة او لزبائنهم الخاصين دون غيرهم من المستهلكين وهذا لتفادي الأزمة الناتجة عن غياب هذه المادة ببعض المناطق التي تصلها كميات قليلة، مشيرة ان وزارة التجارة اتخذت الكثير من الإجراءات للقضاء على أزمة الحليب المدعم، إلا أنها لم تحل نهائيا.

خارطة طريق جديدة لرفع الإنتاج
بعد أن أصبح كيس الحليب يشكل هاجسا، سارعت مختلف الهيئات والمنظمات في البحث عن حلول من خلال إقامة دراسة معمقة للمشكل لأجل الوصول إلى حلول نهائية، حيث أطلقت منظمة خارطة طريق لزيادة الإنتاج وتقليص نسبة الواردات من البودرة، وأعدت دراسة معمقة تقضي على فاتورة الاستيراد التي تتكبدها الخزينة العمومية آفاق 2027 .
تتضمن الدراسة التي أعدتها كونفدرالية الصناعيين والمنتجين الجزائريين حسب ممثلتها، رفع إنتاج الحليب إلى 4 مليار لتر سنويا لتحقيق الاكتفاء الذاتي نفس الأمر بالنسبة للمواد الأخرى على غرار القمح، السلجم والشعير الذي يعتبر مادة اساسية تساهم في صناعة العديد من المواد الغذائية، حيث قال مسؤولها الأول إن الجزائر تملك طاقة صناعية كبيرة تسمح بتغطية احتياجاتها، إلا أن غياب إستراتيجية واضحة أخر عليها تطوير الشعبة.
أكد خبراء الكونفدرالية من خلال هذه الدراسة، ضرورة زيادة إنتاج مادة الحليب المدعم التي تشكل عائقا لدى الكثير من المواطنين، وذلك بتحقيق الاكتفاء الذاتي في شعبة الحليب ورفع الإنتاج اليومي من 8 إلى 20 لترا للبقرة الواحدة من أجل التخفيف من أزمة الحليب المدعم، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها.
وجاء في الدراسة التي وضعها خبراء الكونفدرالية من خلال خارطة طريق مدتها خمس سنوات بأرقام وإحصائيات جديدة وحقيقية حول الشعبة، وكذا كيفية إيجاد الحلول للمربين من أجل تحفيزهم على رفع الإنتاج، خاصة وأنها أثبتت أن الجزائر بإمكانها تلبية حاجياتها من المواد الاستراتيجية آفاق 5 سنوات .
ودعا رئيس الكنفدرالية من خلال ذات الدراسة، إلى ضرورة إشراك الخبراء والمهنيين من أجل حل الأزمة والتخلص من أعباء العملة الصعبة والإيرادات السنوية التي أثقلت كاهل الخزينة العمومية، مؤكدا ختاما أن أزمة الحليب بحاجة إلى التنسيق بين مختلف القطاعات والجهات لإيجاد مخرج للأزمة.
وبين اضطراب توزيع مسحوق الحليب وذهابه لغير وجهته وتدخل المضاربين وتراجع إنتاج الحليب الطازج بسبب مشاكل المربين، تبقى الأزمة تطرح بالسوق الوطنية، ويبقى المواطن في رحلة بحث عن كيس حليب،  في انتظار خطة تقضي على الأزمة نهائيا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024