سوق السيارات.. عرض غالب وطلب غائب

بداية تهاوي الأسعار.. والجزائريون يترقّبون «الدّعسوقة»

هيام لعيون

كيف هي حال السوق.. «طاح» ولا مازال.. دخلت سلعة جديدة؟، لم يتبق أكثر مما مضى، ما سّعر السيارات اليوم؟».. نماذج عن أسئلة تعوّد الجزائريون على طرحها يوميا فيما بينهم، في كل مكان، في الأسواق، في المقاهي، في الشوارع، وفي أماكن العمل، والقاسم المشترك دائما في إجابة الجميع هو أن «الأسعار ما تزال على حالها، بل انخفضت قليلا مقارنة مع الشهر الماضي والسنوات الماضية، محاولين اكتشاف الأسعار ساعة بساعة من خلال المنصات التواصلية أو عبر الموقع الشهير «واد كنيس»، في وقت يرسمون علامات استفهام كبيرة حول تداعيات قرار فتح استيراد السيارات المستعملة للمقيمين، وللماركات العالمية على السوق الوطنية، أمر جعل «الشّعب» تدخل وسط هذا الزّحام، للوقوف على ما يحدث في الأسواق من خلال الواقع والمواقع ومعرفة أين حطّت الأسعار رحالها اليوم.

بعد دخول قرار استيراد السيارات أقل من 3 سنوات حيز التنفيذ رسميا، المقتناة من طرف الأفراد المقيمين منذ أيام قليلة، واعلان منح الاعتمادات النهائية لثلاث علامات لاستيراد السيارات الجديدة عبر نشاط الوكلاء، يتعلّق الأمر بكل من شركة «فيات-الجزائر» وكيل علامة «فيات» الايطالية بالجزائر، التي وصلت أولى النماذج منها مؤخرا، وشركة «امين أوتو» وكيل علامة «جاك» الصينية بالجزائر، و شركة «حليل» للتجارة والصناعة وكيل علامة «أوبيل» الألمانية بالجزائر، استبشر الجزائريون خيرا، وربطوا بين ذلك وبين الأثر الإيجابي الذي سيخلّفه على أسعار السيارات في السوق الوطنية، خاصة على المديين القريب والمتوسط، وفق ما ضجّت به مواقع التواصل الاجتماعي.
 
موقع «واد كنيس».. حضر العرض وغاب الطلب
 
تابعت «الشعب» عن كثب مراحل تطوّر أسعار وعرض السيارات بالموقع الجزائري الشهير «واد كنيس»، حيث لاحظنا خلال تصفحنا له استمرار «التعليقات» التي انطلقت مباشرة مع القرار الصادر في الجريدة الرسمية المتعلّق بشروط وكيفيات جمركة ومراقبة مطابقة السيارات السياحية والنفعية والمستعملة لأقل من ثلاث سنوات، المقتناة من طرف الأفراد المقيمين، على هذا الموقع بغية عرض مختلف أنواع السيارات التي تشتهر بها الحظيرة الوطنية، من قبل المواطنين أو التجار وحتى السماسرة، ففي كل يوم جديد يعرض الموقع - وفق تقديراتنا وملاحظتنا - مئات السيارات الجديدة للبيع على اختلاف أنواعها، حيث تتغيّر الأسعار حسب العوامل التي تؤثر على تكلفتها، من حيث بلد التصنيع والنوع، وعمرها، ومن ضمنها سيارات رونو، بيكانتو، داسيا، شوفرولي، بيجو ، ايبيزا ، بولو، كيوكيو، ماروتي، وغيرها، ولكل سيارة ونوع سعر خاص بها.
وكنموذج على ذلك، اتصلنا بأحد الباعة الذي كان يعرض سيارة «بولو» 2015polo، وحاولنا معرفة سعرها، حيث أكد انه لن يقبل إلا بـ 250 مليون سنتيم، في حين أن المتصلين به لم يتوافقوا معه على هذا السعر، بحجة تراجع أسعار السيارات في السوق، وهو أمر يرفضه الأخير رفضا قاطعا، وقال لنا: «السوق ما طاحش والسلعة مكانش بالله عليكم تريدونني أن أخسر أموالي؟».
صاحب ذات السيارة، ومن خلال دردشتنا معه تبين أنه تاجر اعتاد البيع والشراء عبر هذا الموقع منذ سنين طويلة، أجاب عن استفسارنا المتعلّق بعدد الجزائريين الذين عرضوا سيارتهم للبيع خلال هذه المدة، فقال إنّ الأمور تسير بشكل عادي جدا، البيع موجود والشراء أيضا، وأنه باع مؤخرا سيارة بسعر مقبول جدا يتوافق وطموحاته التجارية طبعا.
وحسب «الرقابة» التي فرضتها «الشعب» على أسعار السيارات طيلة أيّام الأسبوع المنصرم، فقد لوحظ وجود تفاوت في الأسعار عبر موقع «واد كنيس»، واستقرار في الأسعار التي يبدوا أنها قد تراجعت بشكل طفيف جدا مقارنة بأسعار السنة الماضية، حيث وجدنا سيارة فولسفاغن، من نوع 2013  Volkswagen Polo معروضة للبيع بسعر 205 مليون سنتيم، فيما وصل سعر سيارة kia picanto لسنة 2013 إلى 130 مليون سنتيم، وهي التي قطعت مسافة أكثر من 300 ألف كيلومتر.
أما علامة «شيري كيوكيو»، الملاذ الأخير للطبقة المحتاجة، فقد تراوح سعرها بين 55 و70 مليون سنتيم، حسب السنة والمسافة المقطوعة، في وقت عرض صاحب سيارة ماروتي سازوكي 800، مركبته للبيع بمبلغ 65 مليون سنتيم تعود لسنة 2012، بينما طالب صاحب سيارة Peugeot partner تعود لسنة 2014 بمبلغ 190 مليون سنتيم مقابل بيعها، كما تتوفر على نفس الموقع أيضا، سيارة من نوع Dacia Sandero stepway  يعود تاريخها إلى سنة 2018، بسعر يفوق 230 مليون سنتيم.
أما محبوبة الجزائريين رونو سامبول، فقد كانت أكثر السيارات عرضا في الموقع الشهير، حيث عرض أحد الباعة مركبة من نفس النوع للبيع تعود لسنة 2014 مقابل مبلغ 169 مليون سنتيم، أما رونو كونغو الذي يعود تاريخها لسنة 2012 فوضع صاحبها مبلغا ماليا لا يقل عن 167 مليون سنتيم مقابل بيعها، فيما كان سعر سيارة seat leon التي تعود لسنة 2011 لا يقل عن 163 مليون سنتيم، أما سيارة  6Golf   تعود لسنة 2012، فقد طالب صاحبها بمبلغ 170 مليون، مع إمكانية التبادل أيضا.
ولوحظ أيضا بالموقع وجود سيارات سعرها أقل من 100 مليون سنتيم يعود تاريخها لسنوات ماضية لا تقل عن 15 سنة على غرار 2009 chevrolet spark ، حيث طالب صاحبها بمبلغ 95 مليون سنتيم ، و 2 renault clio  تعود لسنة 2003 بسعر 73 مليون و  1 zotye nomad تعود لسنة 2007 بسعر 53 مليون سنتيم.
 
تراجع نشاط تجارة السيارات
 
وحسب ما استقيناه من بعض بائعي السيارات الذين اتصلنا بهم عبر ذات الموقع، تبين أن أغلبهم تجّار، فإن تجارة السيارات شهدت تراجعا مؤخرا، خاصة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث ينتظر الجزائريون بشغف فتح الاستيراد وبداية دخول السيارات المستوردة في انتظار التصنيع، غير أنهم شدّدوا لنا على أن الأسعار اليوم لم تنخفض بنسب كبيرة، بل بنسب متفاوتة، خاصة خلال الأسبوع المنصرم، وهو أسبوع «الحسم» مثلما أسماه البعض، متوقعين تواصل نفس المشهد خلال الأيام المقبلة على الأقل، حيث لن يشتري إلا المضطر بينما يجد المخيّر فسحة للترقب.
ويبقى واد كنيس يستقطب الزوار في كل ثانية وساعة، إذ يراقب الجزائريون الأسعار عن بعد في انتظار تغير الأرقام ولو نسبيا، ويقول «ع.ب» أنه يدخل الموقع يوميا مساء بعد عودته من العمل للوقوف على تطوّر أسعار السيارات، حيث ينوي تغيير مركبته قريبا، لكنه لم يجد ضالته بعد على ضوء الركود الحاصل في الأسواق واستمرار وجود العرض مقابل غياب الطلب.
 
انخفاض بـ30 مليون سنتيم.. وحالة الترقب متواصلة..
 
بعيدا عن عالم المواقع، دخلنا سوق الأربعاء بولاية البليدة الذي يعتبر من أكثر الأسواق استقطابا للزوار لاقتناء السيارات المستعملة، ومن خلال الاحتكاك بتجار السيارات هناك، أكد لنا أحد التّجار الذي زار السوق الأسبوعية، أن سيارات القديمة حافظت على أسعار في حدود خمسين مليون سنتيم، فيما كشف أن حظيرة مختلف السيارات شهدت تراجعا بنحو 20 مليون سنتيم، مقارنة مع نهاية السنة الماضية، حيث كانت الأسعار مجنونة، وقال إنه مع الركود الحاصل، سُجل تراجع في الأثمان.
وحسب رأيه، فان المشكل اليوم يكمن في غياب الطلب برغم العرض الكبير، موضحا أن الحديث عن أنّ السوق «طاح» مثلما يتمّ وصفه خلال الفترة الراهنة، غير صحيح مائة بالمائة، فمثلا خلال الأسبوع الماضي، فقد بيعت 6 أو 8 سيارات فقط، وهي كلها سيارات «استثنائية»، يعني سيارة نظيفة جدا، وهذا وهو المطلوب اليوم في السوق، حيث يتمّ اغتنام الفرص، وعدم تضييعها من قبل «الشاري»، ولو بثمن مرتفع، إيمانا منه أنها قطعة لا تعوض ، وقال «البيع والشراء يتسمان بوتيرة بطيئة جدا».
وبحسرة، أكد التاجر ذاته، أنه وضع سيارة للبيع منذ أكثر من تسعة أشهر، وهي سيارة «قولف6» تعود لسنة 2011، كان قد اقتناها بسعر 160مليون سنتيم، أما اليوم فالسعر الذي عرض عليه لبيعها يتراوح بين 145مليون و150 مليون سنتيم، وهو ما يرفضه تماما».
هذا الوضع ـ حسب محدثنا ـ لا يختلف عن وضع سوق «الرافيقو» للسيارات، فالركود يخيّم على الأجواء هناك، مع وجود ترقّب كبير لدخول السيارات الجديدة الذي صاحبه قرار استيراد اقل من ثلاث سنوات بالرغم من أن الأمر - بالنسبة لمحدثنا - لن يغير الشيء الكبير، مؤكدا تراجع نشاط التجار بسبب عدم الاستقرار الحاصل في الأسعار، وقال «نريد أن تتضح الرؤية في السوق، سواء بتراجع الأسعار أو ارتفاعها أيضا، نحن كتجار صراحة نريد انخفاض الأسعار خلال الشهر المقبل، علما أن السيارات المستوردة الجديدة مرتفعة الثمن حيث لا تقل أثمانها عن 200 مليون سنتيم».
غير بعيد عن مدينة البليدة، نفس الأجواء والظروف تعرفها سوق السيارات بالبويرة، فقد أخبرنا أحد التجار أنه يتسم بغياب البيع والشراء، وقال «البائع و الشاري خائفان»، فالحقيقة أن السوق متوقفة إن صح التعبير، مبرزا أن الترقب هو سيد الموقف في الوقت الحالي، في انتظار نهاية الشهر الجاري، حيث من الممكن أن تتغير الأسعار وتتراجع إلى حدود 20 مليون إلى 30 مليون سنتيم، خلال الأيام المقبلة، وهذا حسب آخر الأصداء من ذات السوق الأسبوعية أو أسواق أخرى منتشرة عبر مختلف ولايات الوطن. يقول محدثنا.
 
السوق راقدة..
 
وبعبارة «السوق راقد»، أكد لنا «ل.ر»، وهو تاجر بسوق محطة عمر، كان متواجدا بعين المكان ينقل لنا الأجواء من هناك، أنه لا بيع ولا شراء و هو ما يميز السوق، مثلا سيارة من نوع لوقان لسنة 2013، تمّ تحديد سعرها بـ 171 مليون سنتيم، وقال إن مثل هذا النوع من السيارات مطلوب كثيرا، حيث لم تتراجع أسعارها، ووصف السوق بأنها كانت فارغة تقريبا خلال الأسبوع الماضي.

المستورد «يقهر» الأسعار؟!

في سوق سطيف للسيارات، أكد لنا تاجر شهير بالولاية التجارية بامتياز، تراجع الأسعار، فمثلا سيارة بيكانتو التي تعود لسنة 2015 كان سعرها لا ينزل عن 200 مليون، خلال السنة الماضية، وهي اليوم معروضة للبيع بسعر 170 مليون سنتيم، حيث تراجعت الأسعار بشكل عام، بنحو 30 بالمائة في انتظار تراجع جديد يصل في حدود 10 بالمائة بعد دخول أولى دفعات السيارات المستوردة. بسبب غياب الطلب.
وقال المتحدث «لا أتوقع تراجعا أكثر للأسعار بسبب ارتفاع أسعار السيارات الجديدة، مستبشرا خيرا بعودة نشاط التجارة في السيارات والعمل من جديد بعد سنوات من الركود، ما أثر كثيرا على ارتفاع الأسعار، بشكل مضاعف فسيارة 100 مليون في السابق أصبحت تباع بـ200 مليون سنتيم، مبرزا أن سيارة بولو 2015، تباع اليوم بـ250 مليون سنتيم، بعدما كانت السنة الماضية تصل في حدود 280 مليون سنتيم.
 
خسائر مالية للتجار ..
 
المختصون في تجارة السيارات بالعاصمة، شدّدوا على عدم ثبات أسعار السوق في الفترة الراهنة، برغم تراجعها بشكل طفيف، وقالوا إنهم تعرضوا لخسائر باهظة، أشار أحدهم إلى أنها بلغت 24 مليون سنتيم في سيارة كان قد باعها بعد تراجع الأسعار، مباشرة بعد قرار فتح باب الاستيراد.
أما في الشارع، وبرغم تحضيرات الجزائريين لشهر رمضان المبارك، إلا أن حديث السيارات هو السيد هذه الأيام، حيث لا يخلو من نكهة المزحة والطرفة، في انتظار الكشف عن الأسعار الحقيقية للسيارات المستوردة، فبعد سيارة «ذبانة»، «فراشة»، و»كوكاوة»، وغيرها من الأسماء التي أطلقوها على سيارات للترفيه حسب شكلها، يتداول اسم «دعسوقة» على سيارة فيات 500 هذه الأيام.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024