عشرون سنة بعد كارثة زلزال 21 ماي

بومرداس تتجاوز محنتها وتستعيد عافيتها

ز. كمال

الدولة جنّدت كل القطاعات والإمكانات لمحو آثار المأساة

تحل اليوم الذكرى الـ20 لزلزال 21 ماي 2003 الذي ضرب ولاية بومرداس وخلّف أضرارا مادية وبشرية كبيرة بسبب شدة الهزة التي قدرت بـ6.8 درجة على سلم ريشتر متسببا في هلاك 1391 شخصا و3444 جريح وعشرات العائلات المنكوبة التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها تفترش الأرض والخيم، إضافة الى خسائر مادية كبيرة في البنى التحتية من جسور وطرقات ومرافق عمومية تعدت 882 مؤسسة مع تضرر أزيد من 95 ألف منزل منها 11596 دمرت بالكامل.

لا يزال سكان ولاية بومرداس يستحضرون وبحزن كبير الذكرى الأليمة لزلزال 21 ماي بالنظر الى حجم الخسائر المادية والأضرار النفسية والاجتماعية التي يصعب على الكثير من العائلات والى اليوم مسح أثارها بسهولة بالنظر الى هول الفاجعة التي ألمت بعشرات العائلات التي انقلبت حياتها في لحظات من حالة سعادة ودفء عائلي الى حالة نوبة شديدة بسبب قوة الصدمة النفسية والخوف الذي خيّم على قلوب الجميع وأخرى دخلت في حالات اكتئاب شديدة وحرقة الشوق بعد ان فقدت عزيزا عليها، وهو احساس يعود بقوة خلال كل مناسبة تستذكر فيها الأمهات والآباء صور وطيف من رحلوا فجأة ذات مساء أسود ومشؤوم من شهر ماي فلم تبق إلا الذكرى والترحم على أرواحهم صابرين محتسبين بقضاء الله وقدره.
ونظرا لشدة الفاجعة ونتائجها الكارثية التي بدأت تظهر الى العيان بعد انجلاء الصورة الأولى وظهور حجم الدمار الكبير في المباني السكنية والمرافق، تجندت السلطات العمومية بتوجيهات من السلطات العليا في الدولة بتسخير كافة الامكانيات المادية والبشرية وسط هبة تضامنية شعبية كبيرة مع المتضررين وقوافل مساعدات غذائية وأفرشة قادمة من مختلف ولايات الوطن في محاولة لمسح آثار الكارثة الطبيعية والشروع في تنصيب خيم وسكنات جاهزة لإيواء العائلات المنكوبة التي ظلت لعدة أيام تفترش الأرض رغم برودة الطقس في تلك الأيام، حيث تم تنصيب 17818 خيمة عبر 94 موقعا بالبلديات، ليتم لاحقا تنصيب 14917 سكن جاهز عبر 95 موقعا لاستقبال المنكوبين وتسخير 97 مؤسسة تربوية جاهزة لضمان استمرار تمدرس التلاميذ، مع توفير كل الحاجيات والاساسيات والتكفل النفسي بالعائلات والأشخاص الذين كانوا يعانون من أزمات وصدمات نظرا لتداعيات الكارثة.
مجهودات الدولة لمسح آثار الزلزال
لقد سخرت الدولة وجندت كل القطاعات الفاعلة والإمكانات المادية لمسح آثار زلزال 21 ماي ومساعدة العائلات وسكان الولاية على استرجاع عافيتهم وضمان العودة التدريجية الى الحياة الطبيعية وممارسة أنشطتهم اليومية وهذا من خلال تعبئة كل القدرات المالية لاحتواء الازمة عن طريق رصد غلاف مالي ضخم لهذه العملية قدّر بأزيد من 75.9 مليار دينار منها 26.3 مليار دينار مرصودة من المخططات القطاعية للتنمية، 1 مليار دينار من المخططات البلدية للتنمية، 4.6 مليار دينار من صندوق التضامن الوطني، 3.8 مليار دينار من صندوق الكوارث، 22.4 مليار دينار من الصندوق الوطني للسكن، 13.7 مليار دينار لانجاز 8 آلاف وحدة سكنية و3.9 مليار دينار خصصت لتهيئة الطرقات والشبكات الأخرى المتضررة.
وكانت أوّل خطوة قامت بها السلطات العمومية ووزارة السكن لتجاوز مظاهر الزلزال ومخلفاته المادية والاجتماعية هي الشروع في إحصاء السكنات والمؤسسات العمومية المتضررة المقدرة بـ95221 سكن متضرر مصنف بحسب درجة الخطر منها 52993 سكن مصنف في خانة “أخضر 2”، 20146 سكن مصنف “برتقالي3”، 10486 سكن مصنف “برتقالي4” و11596 سكن مصنف “أحمر5”.
كما تمثل تدخل الدولة أيضا في تجاوز مظاهر الكارثة ومساعدة المنكوبين بعدة طرق وأشكال خصوصا في مجال إعادة الإسكان بتخصيص برنامج استعجالي هام قدر بــ 8 ألاف وحدة سكنية جندت من الحظيرة السكنية الجديدة التي كانت موجهة لطالبي السكن الاجتماعي، وهذا بهدف إعادة إسكان المنكوبين الذين اختاروا هذه الصيغة، مع التكفل بترميم حوالي 84 ألف مسكن متضرر بطريقة مباشرة وغير مباشرة بتقديم إعانات مالية عن طريق الصندوق الوطني للسكن لمساعدة المتضررين على إعادة ترميم وتهيئة سكناتهم بالأخص في القرى والمناطق الجبلية.
وقد تراوحت هذه الاعانات بين 100 مليون سنتيم لأصحاب السكنات المصنفة في الخانة الحمراء المقدر عددهم بـ 3233 شخص مع قرض بنكي بـ50 مليون سنتيم، من 10 الى 20 مليون سنتيم بالنسبة للسكنات المصنفة في خانة الخضراء 2 بمجموع 42081 إعانة مالية، وما بين 20 الى 40 مليون سنتيم بالنسبة للبرتقالي3 و70 مليون سنتيم اعانة لأصحاب السكنات المصنفة برتقالي 4 بالإضافة الى تقديم إعانات غير مباشرة شملت 25110 مسكن متضرر ومنح قروض بنكية بقيمة 100 مليون سنتيم لفائدة التجار الذين تضررت محلاتهم التجارية.
تحدّي إزالة الشاليهات ومظاهر الزلزال
رفعت السلطات العمومية بالتنسيق مع السلطات الولائية والمحلية التحدي لمحو وتجاوز كل مظاهر زلزال 21 ماي من الساعة الأولى بتنصيب سكنات جاهزة لإيواء المنكوبين والقضاء على الخيم، لكنها تحولت مع الوقت الى بؤر سوداء وأحد النقاط السلبية وعقبة كبيرة أمام تجسيد البرامج التنموية خصوصا في قطاع السكن الذي تحمل العبء الأكبر في هذه العلمية بسبب الوضعية القانونية لعشرات الحالات القاطنة بهذه السكنات أغلبها من خارج الولاية، حيث أصبحت مصدرا للضغط للاستفادة من سكن اجتماعي رغم كل عمليات الإحصاء والتدقيق ومختلف الإعانات التي استفاد منها المتضررون في مرحلة سابقة سواء بإعانات مالية مباشرة أو عن طريق إعادة الإسكان.
لهذا الغرض أطلقت السلطات الولائية أول حملة لإعادة إسكان قاطني الشاليهات بتاريخ 26 ديسمبر سنة 2016 انطلاقا من بلدية أولاد هداج، وهي عملية متواصلة الى غاية اليوم عبر 32 بلدية بالولاية، مما سمح بتفكيك وإزالة 13272 سكن جاهز من أصل 14917 شالي أي بنسبة 89 بالمائة، فيما يبقى 1645 شالي مبرمج للإزالة بنسبة 11 بالمائة بعد ترحيل العائلات القاطنة به حسب الرزنامة المحددة الى غاية نهاية السنة بعد الانتهاء من انجاز وتسليم المشاريع المبرمجة للإنجاز، وهي المجهودات التي سمحت بالقضاء على هذه النقاط السلبية في 22 بلدية أصبحت خالية من هذه المظاهر والبؤر التي شوهت مناظر مدن بومرداس وحولت هذه المواقع الى مصدر لمختلف الآفات الاجتماعية والسلبية ومكنت من استرجاع 256 هكتار من الاوعية العقارية وجهت لتوطين مشاريع سكنية ومرافق عمومية.
ومن أصل 10 بلديات بولاية بومرداس لا تزال تحتفظ بجيوب ومواقع للشاليهات تنتظر المعالجة، تأتي بلدية زموري في المقدمة بمجموع 728 شالي موزعة عبر 3 مواقع، بلدية سيدي داود بمجموع 296 شالي موزعة عبر 6 مواقع بعد ترحيل قاطني موقع مدخل البلدية، وهي من ضمن البلديات الريفية والفلاحية التي اختيرت كنموذج لتجسيد صيغة السكن الريفي المجمع الذي توقف في بدايته، بلدية تيجلابين 159 شالي بموقعين، بلدية الثنية 66 شالي، بلدية بني عمران 33 شالي، بلدية عمال 53 شالي، بلدية برج منايل 39 شالي، بلدية رأس جنات 68 شالي، بلدية لقاطة 34 شالي وأخيرا بلدية أولاد عيسى بمجموع 60 شالي.
14286 وحدة سكنية مبرمجة للتوزيع
وكشفت مديرية السكن بهذه المناسبة أن عملية اعادة الاسكان والترحيل متواصلة خلال سنة 2023، حيث ينتظر استمرار توزيع الحصة الهامة المقدرة بـ 14286 وحدة سكنية في مختلف الصيغ شرع فيها عبر مراحل مطلع السنة ونهاية سنة 2022، منها 4952 وحدة سكنية في صيغة السكن العمومي الايجاري، 7284 وحدة في صيغة البيع بالايجار، 240 وحدة في صيغة السكن الاجتماعي التساهمي والسكن الترقوي المدعم، 330 وحدة سكنية في صيغة الترقوي الحر و1480 اعانة ريفية موجهة لفائدة طالبي السكن بالقرى والمناطق الريفية، وهي صيغة تم الاعتماد عليها كثيرا والرهان عليها للقضاء على ازمة السكن بالولاية وتخفيف الضغط على باقي الصيغ خصوصا الاجتماعي، لكنها ولحد اليوم لا تزال تسير بخطى بطيئة ومتثاقلة بسبب الصعوبات والعراقيل القانونية والادارية وصعوبة الحصول على عقود الملكية لاستخراج رخص البناء في بعض المناطق والتجمعات السكنية العشوائية المصنفة ضمن املاك الدولة، أملاك تابعة لمحافظة الغابات أوأراضي فلاحية.
في الأخير يمكن القول إن زلزال بومرداس بقدر ما كان بمثابة مأساة إنسانية واجتماعية وحتى اقتصادية بكل المقاييس بسبب حجم الخسائر الكبيرة، بقدر ما شكلت درسا حقيقيا وتجربة خاصة في مجال البناء بعودة الحديث على ضرورة احترام الشروط والتقنيات الحديثة المتعلقة بالبنايات المضادة للزلازل ومختلف الكوارث الطبيعية، وهو المشروع الذي تبنته الجزائر من خلال إعادة النظر وتحيين القوانين والمنظومة التشريعية المتعلقة بشروط البناء واعتماد الأساليب الحديثة ووسائل التدخل، وهوما تجسد فعليا في القانون 04/ 20 الصادر في 25 ديسمبر سنة 2004 المتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة الذي شدد أيضا على الرقابة الصارمة لمشاريع السكن وإجبار المقاولات وكل المتدخلين على تطبيق أحكام النظام الجزائري المضاد للزلازل في كل مشاريع البناء.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024