تساؤلات يجيب عنها أساتذة ومحلّلون لـ»الشعب»:

كيف نضمن أكبر قدر من الخصوصية والأمان في تعاملنا مع الأنترنيت؟

قالمة: أمال مرابطي

غياب الحدود الرقمية يفرض التحكم في المهارات التكنولوجية الاتصالية

ما الذي نعرفه عن الأمن الرقمي؟ كيف يمكننا ضمان أكبر قدر من الخصوصية والأمان في تعاملاتنا اليومية عبر الانترنيت؟ تساؤلات تطرح في ظل أصبح الأمن الرقمي والخصوصية في غاية الأهمية، إذ لا يجب فقط إغلاق الباب عندما تكون جميع النوافذ مفتوحة، وخاصة إن كان التعامل مع معلومات حسّاسة. في هذا الإطار «الشعب»، تسلط الضوء على أهمية الأمن الرقمي سواء تعلق عند استخدام الأنترنت على أجهزة الحاسوب والهاتف الجوال، إضافة إلى أهمية التعامل بحذر عند استخدام الأنترنت إما لإرسال رسائل إلكترونية أو إنشاء حساب على موقع ما أو حماية ملفات شخصية أو تعامل المستخدمين مع المعلومات التي يتم استقبالها.

يرى الكثير من المهتمين بهذا الشأن، أن الثورة التكنولوجية فرضت على مستعمليها ضرورة التحكم في أساليب إدارتها، حيث أكد الكاتب والاديب الدكتور محمد بغداد لـ»الشعب» ، أن مصطلح الأمن الرقمي يطلق على  المزيج من الأدوات والعادات التي يمكن للمستخدمين استعمالها لمنع الآخرين من رصد تحركاتهم على الأنترنت سرًا، والوصول إلى معلوماتهم المخزنة إلكترونيا، أو اتصالاتهم والعبث بها، والتشويش على أجهزتهم الإلكترونية أو برامجهم، وهو من المصطلحات الجديدة للثورة الالكترونية الاتصالية الجديدة وهي الثورة التي استطاعت أن تدمج فئات اجتماعية في نطاق التواصل العام والانتقال نحو التعامل مع المعلومات بطرق جديدة، سواء بالوصول إلى مصادر الخبر، أوبالحصول أو بالتعاطي بها لتحقيق الأهداف المرجوة.
 أوضح بغداد، أن موضوع الأمن الرقمي، انتقل من مستوى الصراعات العالمية والحروب الالكترونية الدولية، التي تستخدم اليوم في المجالات الدولية، وهي التي تحقق أكبر الفوائد وتحمي المصالح الإستراتيجية للدول والشعوب، لتأتي مرحلة الحروب الالكترونية، وتشمل أغلب المجالات العسكرية والاقتصادية والعلمية والفكرية والإعلامية، مما أصبح تحدي امتلاك القدرات والمهارات الالكترونية، من أكبر التحديات التي تفرزها المرحلة الجديدة، وهي الضرورة التي يفترض الانتباه إلى خطورتها، من خلال الانتقال نحو العوالم الجديدة، عبر إعادة النظر في الكثير من المفاهيم، في مقدمتها مفهوم الصحفي والمثقف والمؤسسة والممارسة الإعلامية برمتها.
في المجال الإعلامي والثقافي، قال بغداد، إن الحروب الالكترونية، تزداد وتيرتها ويرتفع سقفها، كون المعلومات من أكبر المجالات، التي يدور الصراع حولها لأهميتها ونتائجها الكبيرة، التي تأتي في مقدمتها، تلك الحدود التي تضمن الاستمرار والتثبيت في الواقع، كون المنافسة اليومية تقوم على عامل المهارة العالية، والذكاء الوقاد والسرعة العالية، وطبيعة الاستثمار الجديد، الذي يتحقق من خلال الأنماط الجديدة للإنسان، الذي هو الرأسمال الاستراتيجي للمؤسسات اليوم، التي تقاس قدراتها بمدى تحكم أفرادها في المهارات التكنولوجية الاتصالية الحديثة.
في السياق، أكد بأن الثورة التكنولوجية الجديدة فرضت مواصفات جديدة للإعلامي الذي يجب أن يتحكم في المهارات الجديدة، في التعامل مع التقنيات والأساليب التكنولوجية الحديثة، التي يتم بها إدارة الممارسة الإعلامية والأفعال الثقافية، وهي المهارات التي تحتاج إلى قدرات ومساحات واسعة من التكوين، وإعادة النظر في تقنيات وأساليب بناء الإعلامي، خاصة وأن مجموعة من الضغوط تزداد قوّتها، في مقدمتها السرعة في التعامل مع المحيط القائم ورؤية الأشياء، وطبيعة التعامل مع المستجدات، وفي هذا الصدد قال: «نحن مجبرين على صناعة مؤسسات وتوفير مناخات إعلامية جديدة، وفي أقرب وقت حتى لا تأتي مرحلة يكون فيها، من الصعب والمكلف الانخراط في المستقبل.»
الذكاء مطلوب في استعمال فضاءات الأنترنيت
فيما يتعلق بالوعي الثقافي لقيمة المعلومة، قال الدكتور أن موضوع الأمن الرقمي يمتد من مستويات التحكم في التقنيات والأدوات، إلى مستوى الوعي الثقافي لقيمة المعلومة، وقيمة الخبر، وما تمثله اليوم من أهمية وقيمة عالية جدا، وما يمكن أن ينتج عنها من نتائج وثمرات كبيرة جدا، أصبحت تتحكم في مصير الشعوب والدول، والثقافة الرقمية تكون في تلك الفضاءات التي تخضع إلى منطق الثورة التكنولوجية الاتصالية، ومدى إيمان الفئات الاجتماعية بالنتائج المهمة التي توفرها المرحلة الاتصالية الحديثة.
أضاف الدكتور: «في حالتنا نحن، فإن انخراطنا في الزمن التكنولوجي، مازال أمامه أشواطا طويلة جدا، كوننا نصّر على العيش في الأزمنة القديمة، ونحتمي بها من أجل الاحتفاظ على المصالح المتراكمة، والتي نتصور متوّهمين أن الزمن التكنولوجي يهدّدها ويقلص من مجال نفوذنا في المساحات التقليدية، وما زلنا نعتبر أن المستحدث من أدوات اتصالية، مثل المتوّفر من مواقع التواصل الاجتماعي الحالية، والتي ستزول قريبا وتخلفها وسائط جديدة في المستقبل الجديد، إلا أننا مازلنا نتعامل مع هذه الوسائط، بمنطق ونفسية التسلية واللّعب والترفيه في أوقات الفراغ، ويمكن استنتاج الكثير من الملاحظات، ونقاط الكشف لنوعية ومستوى ثقافتنا، من خلال قراءة جادة لما ننتجه في مواقع التواصل الاجتماعي، كون طبيعة تكويننا وتعليمنا السابق ما تزال متحكمة في سلوكاتنا.
ضرورة مراعاة طبيعــة التهديدات
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو، رابح زاوي الخصوصية حقا مستقلا قائما بذاته، ولا تكتفي الدول حاليا بعملية سن القوانين لحمايته، بل تسعى إلى عملية ترسيخه في الأذهان، وذلك من خلال غرس القيم الراقية والنبيلة التي تلعب دورا هاما في منع المتطفلين من التدخل في خصوصيات الآخرين، دون إغفال أن الخصوصية تظل مقياسا غير موضوعي و ليس هناك إجماع على تعريفها وحتى تحديد حدودها من بيئة إلى أخرى.
أوضح الاستاذ بأن عملية ترسيخ ثقافة الخصوصية في ظل بيئة الانترنت المعولمة يدفع إلى ضرورة مراعاة طبيعة التهديدات الخاصة التي تتعرض لها في خصوصية استعمال عمليات الانترنت فكون الانترنت تزيد من كمية البيانات المجمعة والمعالجة والمنشأة، يجعل تلك البيانات قد تشتمل على عنوان بروتوكول الانترنت لحواسيب الأفراد، المتصفح المستخدم و حتى نوع الحاسوب بالإضافة إلى آخر ما قام به الشخص من تصفح، وهي كلها بيانات كافية للتعريف بالشخص.
وأضاف زاوي أن استخدام الوسائل التقنية العالية في مجال جمع ومعالجة البيانات الشخصية من قبل الدولة أو حتى القطاع الخاص، عمّق من حجم التناقضات بين حق الأفراد في الخصوصية من جهة، وواجب الاطلاع على شؤون الأفراد من جهة أخرى، وهو الأمر الذي تزايد بشكل أساسي بعد تدخل الدولة في شؤون الأفراد. فإلى جانب احتمال استغلال المعلومات المعطاة طوعا لأغراض غير تلك التي أعطيت لأجلها، وهو ما يسهل من عملية انتهاك خصوصية الأفراد. كما يمكن ملاحظة أن المنتديات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي تتضمن غالبا ثغرات تمكن من انتهاك الخصوصية والاطلاع على أدّق التفاصيل الشخصية للمشتركين فيها، حتى ولو سعت تلك المواقع باستمرار إلى ابتكار سبل لحماية الخصوصية، هذا دون أن يستغل التحدي الأكبر و هو مواجهة عمليات الاختراق (الهاكرز)، والذي يواجهه الأفراد والشركات وحتى المواقع الالكترونية، والذي يشبه إلى حد كبير حرب مفتوحة لا قاعدة ثابتة لها سوى استفادة كل طرف من ثغرات الطرف الآخر.
الأمن المعلوماتي مرتبط بأمن الحواسيب
أكد ذات المتحدث بأن الأمن المعلوماتي أو الرقمي يظل مرتبطا ارتباطا وثيقا بأمن الحواسيب، حيث  لا يوجد أمن معلوماتي بدون أمن الحواسيب، موضحا أن حجم الخسائر الناتجة التي تشير إليها الإحصائيات مع نهاية فيفري 2016، وصل إلى خسائر اقتصادية تقدر بحوالي 450 مليار دولار، مع توقعات أن تصل إلى 3 تريليونات دولار مع 2020.
أضاف أن مجمل تلك الانتهاكات للخصوصية تتوزع مابين عمليات قرصنة للبطاقات الالكترونية، البريد الالكتروني، حسابات البنوك، حسابات الشركات وغيرها، إذا ثقافة الخصوصية تجد نفسها أمام تحدي متزايد للاعتداء عليها وتقليص مساحتها يوما بعد يوم خاصة مع التهديدات التي يواجهها الأمن المعلوماتي أو الرقمي.  
فيما يتعلق بوعي المستخدمين، قال إن هناك طفرة معلوماتية كبيرة في مجال الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي كأداة للتواصل، التفاعل، وحتى تشكيل الرأي العام والمواقف، ويلاحظ  في حالات كثيرة أين انتقلت من العدم لتصبح قضية رأي عام، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الاعتماد عليها في مجال نقل المعلومة وتبادلها بشكل سريع جدا وضمان التفاعل معها لمعرفة توجهات الرأي العام.
من ناحية الاهتمام المتزايد، أوضح بأنه يعود بشكل أساسي إلى كون مثل هذه الوسائط الاجتماعية توفر عملية التفاعل ورجع الصدى وهو ما يضمن لصاحب الرأي أو المنشور معرفة الاتجاه العام للمتتبعين. وقال في هذا الصدد: «كل المؤسسات الإعلامية والصحف، وحتى الشركات الكبرى توّجهت إلى إنشاء صفحاتها على تلك المواقع، وفي الفترات الأخيرة نلاحظ حتى المؤسسات السيادية للدولة اتجهت لذلك أيضا.»
 بالنسبة لفئة المثقفين قال بأن هناك ميل كبير للاعتماد على هذه المواقع في سبيل نشر الآراء والتعبير عنها بكل حرية، ومعرفة أراء وتفاعل المتصّفحين معها، وهو ما يقاس عادة بعدد الاعجابات وكذا ايجابية التعليقات المنشورة. كما أن هذه المواقع تمنح للصحفيين فرصا متعددة للتواصل مع المواطنين من جهة، والتفاعل مع الرأي العام الموجود و مختلف القضايا التي يطرحها، إلى جانب أنها تختصر الوقت والجهد في الحصول على المعلومة.
في سؤالنا المتعلق بأهمية هذه الوسائط ووعي المستخدمين، أكد الأستاذ رابح بأن هناك وعيا متزايدا ومتناميا، فقط ما يعرقل مثل هذا النمو هو حالات الاختراق للخصوصية المتوفرة على هذه الشبكات، حيث أن هناك اتجاها لكون ما توفره من ضمانات للخصوصية غير كاف في بعض المواقع على غرار الفيسبوك، على الرغم من التحسينات التي يشير الموقع إلى إضافتها في كل فترة وأخرى. كما لم يغفل أن الحرية التي تمنحها تلك المواقع في النشر والتعبير تظل ذات حدين متباينين، بالنظر إلى كون الخصوصية مقياس غير موضوعي، وهو ما يظهر في المنشورات المسيئة، المحرضة، والمشوّهة، وبالتالي فالأمر مرتبط أكثر بالوعي بأهمية الأداة التفاعلية وخطورتها على الجمهور المستهدف.
توّخـــي الحذر فيمــا ينشر
أثار خلوياتي كريم، خبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال ومدير شركة « كو أتيوو» إشكالية التعامل مع ما ينشر على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، كونها أحيانا تأخذ مجرى آخر يسيء لنفسه والآخرين، مشيرا لضرورة تحلي الحذر في التعامل معها فالقانون لا يحمي المغفلين على حد تعبيره، وأعطى مثالا بالمنشورات المتعلقة بجثث ضحايا حوادث المرور وغيرها قد تسيء لعائلات الفرد المتوّفي. كما نبّه إلى أن المعلومات اليومية المسجلة عنه تستعملها الشركات الأجنبية لطرح منتوجات والترويج لها، فيتم المتاجرة بتلك المعلومات الشخصية وإرسالها لتلك الشركات.
 من ناحية أخرى، دعا لضرورة التحسيس عبر التلفزيون والراديو لضرورة استعمال شبكات التواصل الاجتماعي بما يفيد الفرد والابتعاد عن جعل مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة ترفيهية كما هو سائد عند أكثريتهم. وأوضح في السياق أن استعمالات صفحات الفيسبوك تختلف من دولة إلى أخرى والأجدر استعماله في نشر معلومات تقنية وعلمية وكتب للإفادة والاستفادة والابتعاد عن النميمة والأفكار السيئة وكل ما هو متعلق بالسياسة.
 من جهة أخرى، عالج الكاتب الصحفي عبد الله بوفولة إشكالية الحروب التي أصبحت تتخذ شكلا إعلاميا، وتحدث عن الحرب التي بدأت مفتتحة هذا القرن وهي حرب ثالثة كونية بطبيعة الحال.. وقال: «ماذا أعددنا لها من سلاح وماذا أعددنا لها من عُدة وعتاد..عُدة تناسب سلاح المرحلة والذي لن يكون على ما نفهم إلا سلاح» الإعلام».. إن هذا السلاح هو المشهور في وجه كل من هو خارج لعبة الأمم في الحرب التي تدور رحاها اليوم في أغلب بقع الأرض.»
طرح بوفولة تساؤلات عديدة أيضا تبقى تحتاج لبذل الكثير من المجهودات للإجابة عليها على أرض الواقع، ما السبيل لمواجهة هذا المد الجارف من الأخبار المغرضة والأفلام الفاسدة والروايات الهابطة المفسدة لأخلاق أبنائنا وبناتنا وشعوبنا ومواطنينا قاطبة ؟.. إنها على ما نراه ونفهمه- نحن على الأقل- مفسدة للجيل وفيها ما فيها من باطل ومنكر مغاير للعرف والأخلاق وما السبل والآليات والوسائط الإعلامية المطلوب توفيرها لهم لتنوير عقولهم وتأطير مجتمعهم ضمن توجهات وأطر إعلامية صحيحة نابعة من تخطيط سليم وتفكير عميق وتطوير شبكات إعلام متنوعة.؟؟. ثم هل هذا الشأن يخص جماعة القمة أم جماعة القاعدة؟ من هو المسؤول عن هذا التخلف الذي يرزح تحته المجتمع والمواطن؟.
ثم يقول بالتأكيد إن المسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع و أن جزء لا بأس به من العقلاء والمتنورين من المثقفين متفطنين لهذا غير أن التطبيق تحول دونه عقبات وعراقيل بعضها داخلي وأكثرها آت من الخارج.. هي عراقيل مرتبطة بالتطور التكنولوجي الزاحف علينا ونحن نتفرج بدون حراك.
 تساءل الكاتب الصحفي عن الصعوبات التي تلاقيها الصحف السيارة وهي تطبع طبعات محلية بعيدة كل البعد عن الانترنت.. انطلاقا من كل هذا على القائمين على الإعلام بصورة عامة والإعلام البناء بصورة خاصة مدعوون إلى التواصل مع بعضهم البعض تواصل مستمر متلاحق لا ينقطع والتعاون والتدرب والتمرس وليكن ذلك في دورات.. ثم التعاون لإيجاد وسائل مرئية ومسموعة ومكتوبة ..حتى نقلص الهوة بيننا وبين الآخرين الذين يعلنون علينا الحرب صباح مساء و يقصفوننا «بالثقيل» في كل وقت.
 إذا تعذر ذلك فلنسر على مسافة متوازية على الأقل ولنكن حاضرين بحجم المرحلة وبمستوى التحدي المفروض علينا..وختم قائلا: «اندلعت الحرب العالمية «الثالثة» وسلاحها ليس البنادق والرشاشات- التي لا يزال أصحابها من المتخلفين يستعملونها في حروبهم التقليدية- وان كانت هي الأخرى قد تطورت.. «

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024