مراجعـات

دور الكاتب..دور المثقّف

يكتبه حبيب مونسي

إنّ الكاتب بمثابة «الرائي» الذي مكّنته أدواته الثقافية من اختراق الحجاب الصفيق للحداثة لينظر إلى الوجه القبيح للعالم اليوم. الوجه المتفسّخ الذي يعلوه «العفن» بحسب تعبير «روجي غارودي» في قسماته، منتنا تحت طبقات مساحيق التجميل. فالدور الذي يقوم به هذا «الرائي» هو دور النخب التي استطاع هذا الوجه المزيف تزييفها هي الأخرى، وإخراجها عن أدوارها التي كان لابد لها أن تقوم بها لأن المثقف في أبسط تعريف له في لغتنا العربية، هو «المستقيم» و»المعتدل» والذي في إمكانه أن يصيب «الهدف». لذلك أُخذ اللفظ من تثقيف السهم أثناء صناعتها، إنّه الدور الذي كان يجب عليه القيام به في ذاته استقامة في رؤيته للأشياء، والأفعال والقيم. كما يكون في سعيه معتدلا لا يميل كل الميل إلى جهة من الجهات، فلا يكو ن خادما لفكرة من شأنها أن يطغى بها غيره، ويتجاوز الحد الذي يرهق بها من خالفه الرأي والتوجه.
إن دور «الرائي المثقف» في هذا الزمن، لا يقل عن دور الخبير الذي أدرجته الحداثة في صلب كل القطاعات على أنه العارف، الذي في مقدوره أن يستثمر المورد أحسن استثمار، وأن يستخرج منه أفضل ما فيه. غير أنّنا حينما ننظر إلى فعل الخبير، لا نجد إلا صورة «المستنزف» الذي يدفع بالآلة إلى أقصى حدود دورانها غير آبه بالمستقبل، لأن همه مقصور على اللحظة. هذا الوعي في كل القطاعات هو الذي يعطي طعم النيِّء، ولون المزيف، وشكل غير المكتمل لأنه يجرد الزمن من تواليه وتتابعه، ويقصره على الآني الحاضر على آلية الربح الفوري، الذي لا يرفع بصره عن مصدر ربحه إلا ساعة يستنزفه لينتقل إلى غيره، وقد تركه وراءه مواتا لا حياة فيه.
هنا نشعر بضرورة «الرائي» الذي ينبّهنا على أننا في مفاهيمنا الجديدة، لا نختلف عن الآلة التي تدور بأقصى ما لديها من قوة من أجل الإنتاج، ولكنها تدور من غير أن يكو ن لها سند من قيم أو أخلاق، أو غايات تقع وراء الربح والاستنزاف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024