دراسات نقدية

القوة الرمزيـة والفيزيولوجيـة «في ملفـوظ العبــوس» في «التقي» عند القاص أيمن السرمدي

د.حمام محمد زهير

العبوس «مزية» وصفة جسمية، تخرجها أوامر الجهاز العصبي للإنسان، لأنها مركبة «من جملة كثيرة من الأعصاب والمعارف»، وإن خرجت فإن العقل بلغ مستوى متقدما من التحليل المتقدم، وهو تعد «حالة تتحرك» بين البشر والأنبياء، تحدث من ورائها حكمة أو ندم، و»هو» ما أثلج صدري، وأنا أحول نظرتي من «موقع جميل» يتناول القص الجميل وقعت على «ومضة لأيمن السردي بعنوان (تقي)»، مليئة بأهداب فكرية دينية جميلة، قالها القاص في ومضة، أردت أن أحللها من قياس «بنيوي»، يقوم على أنتربولوجية نصية كالتي تحدث عنها «ليفي شتراوس» ذات مرة في تحديد «العلائق بين اللغة والكلمة»، وقعت على «دورة اتصالية» فكرتني بـ»نظرية الحتمية القيمية» لدكتورنا الغالي عزي عبدالرحمان، لأن ما بيننا هو» تجسيد لدورة» تقوم على «قيمة دينية» تتم داخل عملية الاتصال بين المستقبل والمرسل.

القيمة الخيرية تجني سؤل الندم...
    
 إن مورفولوجية (التقي) تقتفي دورة اتصالية، موزعة بين مرسل ومستقبل ورسالة ورجع الصدى، ولو نحاول تفسير السياق العملي نجد مرسلاً (بسيط المعرفة، أو ربما عديم الظهور، أو كثير الظهور، فهو يشكل للبائع حالة أو ومضة «صورولوجية» قاذفة في ذهنه)، ونجد مستقبلاً (بسيط المعرفة، أو قليل أو كثير الظهور تتشاكل بينهما المعرفة)، تلتقي عيناهما، يتفحصان المشهد، ينظر كلاهما إلى فم الآخر، ينتظر رسالة أو نسميها «خطابا إعلاميا»، تخرج اللغة مشفّرة مرسومة بأنواعها الدلالية والإيمائية،(مرسل يسأل عن ثمن الرغيف)، وهنا يحدث «الارتصاص النيتروني» بين الموجبات السالبة والإيجابية، ذلك ما نسميه في الفيزياء «بالتأين» وفي النقد «بالتقاين».
 تفرز لنا ظاهرة العبوس، «شواهد» نستغل هنا العبوس من أجل إظهار القيم الدلالية التي تؤدي إلى رفض المواقف التي تعارض الظاهرة في كافة جوانبها، أو كالتي يعجز العقل على تشفيرها، يحدث إن قطَّب ما بين عينيه وتجهَّم بإبلاغ عدم الرِّضا، على ما صدر، من رسالة خطابية.
 لو حاولنا أن ندقق في «صميم الملفوظ المكون للسؤال»، يحسبه المستقبل استهزاء، لأن تلويح الثقافة المعرفية المسبقة «لسعر الخبز»، بحسب «المستقبل» معلوم كحد الاعتقاد، وهو «غير نابه» في هذه الحالة، لأن في الحالات الشاذة يحدث الاستثناء، لكون مواصلة الحوار وقطعه جزما بعد السؤال من قبل القاص، يوحي أن السؤال كان بريئا لتكون النهاية بريئة، فإن قصد القاص هذا «التمفصل» نقر له بالذكاء، لأنه لو وصل الحوار إلى جهة أخرى ربما «يحدث الندم» في تلك اللحظة وليس انتظار «التطهر من الضغينة» بفعل الوضوء والاستواء للصلاة.
 إن هذا الأمر على الرغم من شطحاته، إلا أنه يكمل في عمق الواقع العربي، وهو من «السلوكيات العادية» التي أصبحت تميّز المشهد عندما حدث التداخل في القوة الشرائية، وإنجاز «التنوع في الإنتاج والتخصص»، فقد أصبحنا نتساءل عن جملة من «أنواع الرغيف (الأرغفة) المزينة بالإكسسورات الفسيفسائية، وهذا ما يجعلنا نؤاخذ القاص على عدم تحديد المكان بالضبط، الذي طرح فيه سؤال الرغيف حتى نتميز نوع الندم.

إشهاد القوة الرمزية والفيزيولوجية في العبوس...
    
القاص، استعمل ملفوظين متحركين (العبوس)، والنهر، ليؤكد سريان القوة الدلالية لعضلات الوجه، و»النهر» بعضلات أخرى مختفية ربما تتعدى اليدين، إن لم ترافقه الكلمات المسترسلة من الشفتين، يحتدم استعمال القوة في مختلف مستوياتها ـ للتعنيف أثناء غلظة السؤال من جهة وهو في الحقيقة «يوازي غلظة المستقبل» وعدم امتلاكه الثقافة المعرفية، وإيمانه بظاهرة البربرية السوقية التي تحيل الظاهرة على الجموع (عمومية)، فكل من في السوق يوجد على الأعصاب (النرفزة)، وصف القاص هذا الشعور بدون شعور منه وهو مؤشر ذكاء يحسب له.

العبوس طريق إلى التوبة... والندم

 منذ البداية، كان القاص قد صنّف ومضته إلى مشهديات ثلاثة، المشهد الأول كان بالسوق، وهو الذي احتوى على «الفاجعة العابسة، و»المشهد الثاني» أثناء تأدية الصلاة في المصلى والنافلة»، و»المشهد الثالث»... «في المنزل أو المرحى»، حيث تنافرت لديه الأعمال، ولهذا سنركز على قياس أهمية الصلاة التي كان يقول بشأنها محمد «صلعم» لبلال بن رباح «أرحنا بها»، فلقد كانت «موقع أريحية»، تعطى للجسم راحة وسكوناً، وتدع أكثر من ملايين من الكيلومترات من الأعصاب، تستدعي ما سلف منها إلى النفور، فلما صلى البائع واستقام وزيادة في النافلة، وهو يسأل الله أن يزيد الأجر، وقد نسي «أنه عبس ونهر»، من سؤال حول ثمن الرغيف، تعاظم هول الذنب بل الإثم، فتنافرت جوانحه نحو طلب التوبة، ولو ظهر أمامه «السائل في تلك اللحظة» لأغناه من كل شيء بل ولربما سلمه المحل، لأن لحظة «الانسلال من الذنب» تدفع من أجلها العمر ولا تشعر بالراحة، فلقد أخرج العبوس والاكفهرار مستقبل السرمدي إلى دائرة العلن، وعبس هو بدوره عن تناول الطعام و/أو ربما «نهر» جالبه أو واضعه، كل هاته المؤشرات تدعو بالمرء، أن يعيد النظر، والقياس وقد أجابنا الرسول الأكرم صلعم منذ «قرون» بقوله، «ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يمتلك نفسه عند الغضب»... قصك ذكي ومنهجي ورائع بحاجة إلى تبرير مقتضب لدفع الأفعال إلى اقتياد طرقها الرئيسية للوصول إلى الهدف أو العقدة بسرعة ونفع الناس، وقصتك ياسيدي «حكمة».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024