المهرجان الثقافي الدولي لموسيقى الديوان يشرف على نهايته

عن الموسيقى المغاربية وتجديد العهد مع الانتماء الإفريقي

أسامة إفراح

كانت سهرة أول أمس ضمن فعاليات المهرجان الثقافي الدولي لموسيقى الديوان برياض الفتح، باقة حقيقية من الأهازيج والأنغام، ومزيجا رائعا من الجنسيات والمشارب، سواء من حيث الفرق المشاركة أو الجمهور الحاضر.. وقد أحيا الحفل كل من فرقة «تانغ ديناستي» الصينية، وفرقة المعلم عبد السلام أليكان وطيور قناوة من المغرب، والتي استحقت تصفيقات الحضور وأثبتت وحدة المميزات الثقافية للدول المغاربية.
لعل أول ما لاحظناه خلال تغطيتنا بالحفل الذي احتضنه مسرح الهواء الطلق برياض الفتح، الحضور المكثف للجالية الصينية بالجزائر، التي قدمت خصيصا للاستمتاع بما تقدمه فرقة «تانغ ديناستي» الصينية.. ولكن ما جذب الانتباه أكثر، هو أن هذه الجالية القادمة من الشرق الأقصى، تجاوبت أيما تجاوب مع الموسيقى القناوية التي افتتح بها المعلم عبد السلام أليكان وأشباله السهرة، كان أن امتزجت الثقافات واتفقت الألسن، وتمايلت الأجسام على أنغام واحدة مجدت كلماتها الخالق وأثنت على نبيه وعلى من اتبعه من الصالحين.
تعالت بعد ذلك تصفيقات الجمهور المتناغمة مع نقرات القارقابو والقمبري، وتعطرت الأذهان برائحة البخور والمسك التي دفعتنا الموسيقى إلى تصورها، وجعلتنا فرقة أخرى من فرق القناوة رددت من موقعها ضمن الحضور أغاني الفرقة المؤدية على ركح المسرح، جعلتنا نحس وكأننا وسط «هوم سينما» أو قاعة موسيقى ثلاثية الأبعاد، ولمحنا من بعيد وجوها جزائرية شابة تحفظ كلمات المديح وكأنها تؤديها منذ نعومة الأظفار، كل ذلك وسط إحساس بالأمان والاطمئنان خلقه التنظيم المحكم من مختلف زواياه.
وبالاستماع إلى هذه الموسيقى «المدحية»، لمسنا هذا الجانب الروحاني الثيولوجي المتشبع بالبهارات التعبيرية الإفريقية، ما دفعنا إلى التفكر في أصول هذه الموسيقى والسر الذي وراءها: موسيقى لها طقوسها الخاصة، قدمت إلى المنطقة مع العبيد الأفارقة الذين مارسوا من خلالها طقوسهم في حقب غابرة، قبل أن تتأقلم مع الديانة السائدة دون التخلي عن الصبغة الثقافية التي تميزها.. وهكذا قيل إن أصل «تاقناويت» من السودان، ومن دول الساحل وصولا إلى السنغال، بل ومن خليج غينيا.
ولعل دراسة مقارنة بين هيكلية موسيقى قناوة والمؤلفات الموسيقية لخليج غينيا تظهر أوجه شبه مثيرة للاهتمام. فمثلا على المستوى الإيقاعي، نجد بعض التراكيب الثنائية والثلاثية بموسيقى قناوة متعددة النظم (إيقاعات ثلاثية مركبة فوق هيكل ثنائي)، ونجد نفس الهيكل في الموسيقى القادمة من خليج غينيا. وفي الأغاني التي يؤلفها علي فاركا توريه، بما في ذلك أغنية سيغا في ألبومه «تالكينغ تمبكتو»، نجد مثالا جيدا لهذا التشابه. ولعله دليل آخر في جعبة القائلين بالأصول الغينية لموسيقى تاقناويت، ولكنه أكثر من ذلك دليل على تلاقح الثقافات بين ضفتي الصحراء الأفريقية الكبرى، وعلى أن الموسيقى الأفريقية تشكل جزءً لا بأس به من ثقافة البلدان المغاربية.
وبالعودة إلى المهرجان، كان أن قلبت الفرقة الصينية الأجواء مائة وثمانين درجة، فمن روحانية القناوة نقلتنا «تانغ ديناستي» إلى اندفاع موسيقى الروك ميتال، وما يميزها من قوة الكهرباء التي تسري في أوتار قيثاراتها. وتحمل هذه الفرقة التي تجسد بحق الانفتاح الصيني على العالم، تحمل اسم سلالة تانغ الشهيرة التي حكمت الصين ما بين 618 و907 ميلادية، والتي وحدت خلالها عائلة «لي» الصين بعد ثلاثة قرون من الانقسام والحروب.
إن مثل هذه المهرجانات ليس الهدف منها التسلية والترفيه فقط، بل هي عمود من أعمدة السياحة، وغذاء للفكر والروح، وإثبات لنعمة الأمن الذي تحظى به بلادنا وسط أتون الأزمات التي تعرفها المنطقة.. لذا فالجمهور مدعو لتنعم بهذا الأمن من خلاله توجهه إلى حفل اختتام المهرجان الذي يحييه هذه الليلة كل من المعلم مصطفى باقبو ورجا فلاح، إلى جانب فاركا توريه الذي سيختتم هذه الطبعة في انتظار طبعة مقبلة تحافظ على محاسن الحاضر وعلى آمال الغد.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024