صدرت مؤخرا، عن دار النشر “رافار”، الترجمة العربية لكتاب “أسلحة الحرية”، الذي ينقل مذكرات وشهادات الضابط السامي بجيش التحرير الوطني، محمد بوداود المدعو سي منصور، بعد النسخة الفرنسية التي حملت نفس العنوان، وكانت قد لاقت رواجا كبيرا حين صدورها، لا سيما في الطبعة الأخيرة من صالون الجزائر الدولي للكتاب. وتميط هذه المذكرات اللثام عن حلقة هامة في تاريخ الثورة التحريرية، هي معضلة تزويد جيش التحرير بالأسلحة.
كانت مسألة توفير السلاح تشغل فكر إطارات الثورة حينذاك، ومن بين هؤلاء نجد محمد بوداود الذي كان وراء محاولات اكتساب الثورة التحريرية لقدرات خاصة بها في مجال صناعة الأسلحة. وفي هذا الكتاب، الذي جاء في 214 صفحة من القطع المتوسط، يحدثنا بوداود عن مغامرة فريدة وغير مسبوقة سمحت للمجاهدين الجزائريين بإنشاء ورشات لتصنيع الأسلحة على الأرض المغربية، بما توفر لهم من إمكانيات وتقنية حينذاك.
ولعل أهم ما توفر لدى المنخرطين في هذه المهمة، التي غلفت بالتكتم والسرية، هي العزيمة والإرادة.. وهكذا يعتبر “سي منصور” في كتابه بأن قناعات الثوار الجزائريين وإيمانهم بالقضية حوّل “مناضلين بسطاء” إلى “تقنيين مختصين في صناعة مختلف الأسلحة”. إيمان ما يزال سي منصور يعيش في كنفه، ما دفعه إلى تخصيص هذا الكتاب لتكريم ما يقارب 300 رجل، شكلوا “مديرية اللوجيستيك غرب DLO” (التابعة للمالغ)، عاشوا تحت غطاء السرية لسنوات عديدة ليتمكنوا من صنع قنابل يدوية، بندقيات رشاشة ومدافع هاون لفك الحصار المتواصل على المقاتلين في الداخل.
وفي هذا الصدد نقرأ في غلاف الكتاب: “كانت مسألة الاقتناع بعدالة الكفاح من أجل القضية الوطنية وحدها قادرة على تجاوز كل المخاطر الناجمة عن تناقضات حركة التحرير الوطني، والظروف التي كانت في الغالب مثبطة لعزائم المناضلين على غرار الاغتيال المأساوي لعبان رمضان، والتي قدم بشأنها سي منصور تفاصيل هامة. كل هذه العوامل تؤكد مدى متانة الحركة التي انخرط فيها شعبنا في مسعاه نحو استقلال وطنه”.
ولعل التطرق إلى قضية عبان رمضان والظروف التي أحاطت بها من أهم ما جاء في الكتاب، حيث يتحدث “سي منصور” عن الأمر بكثير من الصراحة، ويروي كيف أنه التقى مباشرة بكريم بلقاسم بتونس، وكان قد طلب اللقاء به بعد أن لاحظ، كما لاحظ الآخرون، الغياب الطويل لعبان رمضان وهو ما خلق الكثير من التساؤلات، وينقل صاحب الكتاب مباشرة كلمات كريم بلقاسم (أنظر الصفحة 83 من النسخة العربية والصفحة 70 من النسخة الفرنسية). ويروي محمد بوداود كيف أنه عبّر عن امتعاضه لكريم بلقاسم ممّا حدث.
كما يتضمن الكتاب شهادات لمجاهدين رافقوا “سي منصور”، من بينها شهادة حمدان أحمد، المهندس في الكهرباء والإطار الأول بورشات السلاح بالمديرية، الذي شرح مسار الوصول إلى تصنيع ألف قنبلة يدوية دفاعية في الشهر، بمعنى 40 ألف قنبلة يدوية على مدى أبعين شهرا. وكان الطلب الملحّ والمتزايد للقادة الميدانيين في الداخل وراء لجوء الثورة إلى تصنيع أسلحتها، وكانت البداية بصناعة القنابل التقليدية وتهريبها عبر شاحنات نقل الخضروات، ليتطور الأمر إلى صناعة المورتر الذي استعمل في مضايقة المراكز الاستعمارية على الحدود، وتمّ ذلك بفضل حرفيين اكتشفوا لأول مرة مجال صناعة السلاح.
وإلى جانب هذه الشهادة، نجد شهادة سالم رمضاني، عضو شبكة إسناد جبهة التحرير الوطني بالعاصمة، وجندي بجيش التحرير الوطني بالداخل، الذي تطرق إلى معرفته بمحمد بوداود، وإلى المتفجرات التي استعملت فيما عرف بـ”معركة الجزائر”. وفي آخر الكتاب، يمكن الاطلاع على قائمة اسمية لأعضاء مديرية الإمداد (اللوجيستيك) غرب.