شعيّت مدينة المدية أمس، ابنها الكبير الشيخ محمد مختار اسكندر إلى مثواه الأخير بمقبرة حي المصلى، أين اجتمعت جماهير غفيرة لوداع المؤرخ الباحث، والمحقق الدارس الذي طالما احتضن كل الذين عرفوه بواسع من محبته، وأغدق عليهم من عطائه المعرفي التاريخي والأدبي.
وشارك في تشييع فقيد مدينة المدية، جموع كبيرة من المواطنين رغم درجة الحرارة المرتفعة التي تشهدها المنطقة، وكان على رأس مودعي الشيخ اسكندر أعيان ولاية المدية ومختلف ولايات الوطن، بينهم أعضاء من المجلس الولائي لولاية المدية، ورئيس منظمة المجاهدين بالولاية، إضافة إلى مثقفين وإعلاميين مرموقين عرفوا الراحل الكبير، وعاشوا معه صبره على نشر المعارف، وحرصه على الإسهام العلمي في مختلف الملتقيات والندوات العلمية التي تقام عبر كل أرجاء الوطن.
ويعرف عن الشيخ مختار اسكندر أنه ابن مدرسة الوطنية الجزائرية، حيث تتلمذ على يدي الشّيخ محمد العيد آل خليفة، وظلّ يذكره طوال حياته، ويعتز به، كما أنه نهل من معارف ابن عمه وصهره العلامة الشيخ فضيل اسكندر، وبقي وفيا لذكراه إلى أن وافاه الأجل مساء أمس الأول بالمدية عن عمر ناهز الخامسة والتسعين.
وكان للشيخ مختار اسكندر اسهامه في ثورة التحرير الوطني، إذ يعرف بأنه هو من تولى نقل رسائل المرحوم الرئيس أحمد بن بلة من القاهرة إلى قادة الثورة التحريرية الباركة، مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي وإبراهيم غرافة؛ وكانت هذه الرسائل الدافع الحقيقي لالتئام مجموعة الـ 22 التاريخية، وما نتج عن قراراتها من التأسيس لثورة نوفمبر المباركة.
ويشهد الفاعلون في المجال الثقافي بأن الشيخ مختار اسكندر عاش حريصا على الإسهام الجاد في كل الملتقيات العلمية والتاريخية، ولقد نال عضوية المجلس الإسلامي الأعلى، وعضوية اتحاد الكتاب الجزائريين، كما ترأس جمعية التاريخ والمعالم الأثرية، وهي جمعية ولائية تنشط على مستوى ولاية المدية، كما تولى منبر المسجد الحنفي بالمدية، بعد وفاة ابن عمه وصهره الشيخ فضيل اسكندر، وسار على نهجه، ليتفرغ بعد ذلك إلى التأليف والبحث، ويثمر جهده عن أعمال ناهزت الأربعين كتابا، منا المطبوع ومنها ما يزال مخطوطا، ولعل أهمّ مؤلف له هو «المفسرون الجزائريون عبر العصور»، وهو كتاب موسوعي جمع كثيرا من التفاسير الجزائرية التي غيبتها الظروف، إضافة إلى مشروع موسوعي آخر بعنوان: «المحدثون الجزائريون عبر العصور».