- اللّعْنـةُ - !!

نورالدين لعراجي

بالأمس سمحت لك الفرصة بعد انتظار طويل، كي تستقر في غرفة انفرادية، بعدما يئست من الغرفة التي كنت فيها يقاسمك المرضى تأوهاتهم، وتقطعات أنفاسهم، وصخب الأنين الذي يُذهب عنك سنة النوم.واليوم سمح لك الطبيب بالعزلة ، فلعلك الآن تجد راحتك بعد معاشرة لم تنل منها سوى التعب والسهاد!
وأنت في حالتك المرضية، المستعصية، بلا أكل ولا ماء، ما عدا هذه علبه ''بالسيروم'' المعلقة على مقربة منك تنزع شوكتها المزروعة  وأنت تتأوه نكدا، يؤلمك المكان مكان الطعنة!!
تنادي على ملاك الرحمة التي تملأ اللحظة عبر الرواق لم تسمع نداءك، لتردّ في نفسك: لا حياة لمن تنادي. ثم أومأتَ للأخرى التي حملت إليك قسطا من الأدوية، لكنها تلعثمت، وهي تردّ على إماءاتك المبهمة، ثم حاولتْ التظاهر بعدم رؤيتك، غير مبالية وكأنها تخشى شيئا، وهو ما فسره غدوها المبهم في رواق المصلحة تتماين من خوف منذر، وتتياسر على عدم القدرة لمجابهة ما قد يحدث !!
- يا لها من غائلة
- يا لها من ممرضة مرزأة!!
- ألهذا الحد هم أيضا زميلاتها يتحاشون التقرب منها، ولا حتى الحديث معها.
- إذن.
- إذن...
ثم تصمت عبر تهتهة مفعمة بالأسى والحزن، لا تجد تفسيرا لكل ما يحدث حولك. وكأنّ بوصلة الأحداث تعيد نفسها فما الجدوى إذن للسؤال عنها؟
- أليس البحث عنها ثانية جريمة بكل أوصاف الترصد و الإصرار ؟
- يا لها من ماكرة حقودة!
- أنت تموت حبا في ''وردة''، ولكنك تتظاهر بالعدم أحيانا وأحيانا ينزف دمك فداء لوردة تصرّ الطبيعة أن يكون منبتها وسط الأشواك والعوسج، وقد نزف دمك فداءً لها طول هذه المسافة المملوءة، والمحفوفة بألغام الشوك ولكنك ما إن تصل إليها تحجبك شمس المساء، في غروبها فتظل الطريق، وغدا تبدأ رحلة جديدة، وهيهات هيهات فالأيام نفسها، تعيدك إلى نقطة الصفر.
- كان انتظارك لها بغرفتك الزجاجية، كمن ينتظر شفاعة السماء، وآلاف الاسئلة تراوح مخيلتك، وكأن لعنة الهيام أينعت فوق هامتك الثكلى بالهموم و المآسي .
- وعلى صوت أنثوي رقيق يحسن القهقهة، ويجيد فن القتل البطئ، تنهض من مقامك الزجاجي مفزوعا، وكأن شرارة امتدّت إليك فجأة.
 - وأنت تصرخ
- - هي.... هي !!
- إنها هي.
- أنه صوتها. وكأنني اراها أمامي تحدثني
تقترب من الجناح المقابل لغرفتك.وفي آخر الرواق ينالك السّمر ليستقر بأذنيك.
تنحني مليا و أنت تتأوه ألما.
من ثقب الباب المقابل، ومن بوتقة الضوء المتدفق من المكتب.
تقف على مشهد تراجيدي باهت. إنها هي. هي بشحمها بلحمها بين أحضان زميل لها، وكأنها تلعن ماضيك عبر نشوة اللحظة، وتعلن موسما جديدا على أثر موتك عفوا، على أثر مرضك العضال!!
تسقط من أعلى سريرك بغرفتك الجامعية، وزميلك يشعل نور الغرفة مذعورا.
أما الآخر فقال لك في تؤدة:
- حمدا لله فقد كاد رأسك يصطدم بحافة السرير
أما الرابع فقال:
أظنه حلم اللعنة قد عاودك !!!

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024