'' - وَانْتَدْ - ! ''

نورالدين لعراجي

 لم تكن تدري، ولم يخطر ببالك أبدا، أنك أصبحت من هذه اللحظة وصاعدا شارة لهم،  يمكن إسقاطها في أي لحظة.
ربما لم تكن تدري لأنك تعلم جيدا، وبيقين حد الجزم، أنك لست طرفا في المعادلة! هذا ما كنت تعتقده.
قالت لك الزميلة من الاسبوعية :
- وما ذنب ''ياسر '' و ''حر'' ، و ''يفصح... ''و غيرهم؟
وتركتك تسبح في طلاسم ''وانتَدْ.''لأن صورتك واسمك قد دخلتا بنك معلوماتهم قصد التصفية، و سوف يصير دمك هدرا وقطراته تمنحك الشهادة والخلود .
اللعنات... تسبق الواحدة أختها.. قتلى بالعشرات يسقطون غدرا هنا، ومئات يختطفون هناك عنوة، بطون الثكالى تُبقَر، لتُخرج الأجنة في غير موعدها، لا لشيء سوى أن ورقة ''وانتد'' قد أينعت فحانَ موعد قطفها.
كان البشر يسقطون الواحد تلوى الآخر، مصيرهم ليس ببعيد عن المساءات الحزينة، لا أحد ينجو من عشوائية القناصين السذج.
كان حلمك منذ الخليقة أن يرافقك اليراع، فكم في صحبته من أحلام، وكم في رحلته ما يزيدك اكتشافا  للأفق، فتارة تراك تقطع به الأميال، وتارة البحار، وتارة تهش به على ثرثرة الغير من النقيع، والصقيع المبكّر.
وها أنت تتحرى به القنابل المزروعة في الطرق، وخلف المئذنة قديما قالوا:
  - هي السلطة الرابعة
واليوم يقولون :
!!..... تصمت.
كان صباح ''سيدي موسى'' حزينا، كئيبا، ذا وجه جنائزي، الأشجار المثمرة أحجبت عطاءها، والأرض المعطاءة أمسكت عما تجود به. وانخرطت في جفاء وجفاف لغاية في نفسها وبقايا الأشلاء المتناثرة قرب ''أولاد علال'' و''الروندا''، ''بن طلحة'' '' لبعازيز''، ''الدهيمات.'' كل هذه المناطق أصبحت مشاهدا مفتوحة على الدمار والتخريب، ومجانية الموت  ولا صوت يعلو فوق صوت الهبهاب والمحشوشة .
كانت الأرض حبلى بالقنابل الموقوتة، الكمائن في كل مكان، سيارات مفخخة، عمليات انتحارية قد تصادفك في الطريق أمام المقرات العمومية، والمدارس، المصانع، التجمعات السكانية، الأسواق الشعبية.
كنتَ ورفيقك تتعمدان تغيير مواعيد خروجكما، دخولكما، وإن أردتما العودة اليوم مساء، فغدا قبل المساء، وهكذا الحذر  لا يفارقكما.
أحيانا كان يسبقني هو الأول لتعرية المكان، والتأكد جيدا من كل حركة يرى فيها أي شبهة، حتى  تلك الأشجار التي هزها الريح منذ قليل لم تسلم من المعاينة، وأنا من خلف ستار النافذة أراقبه بتمعن وأتهيأ إلى إشارة قد تأتي منه.
وعند مسح المكان نستلقي سيارتنا المتواضعة نحو عملنا، فقد كان بيته المتواضع يشبه إلى حد كبير فوضى الوطن بعفوية الورد، وليس بوخز الصبار، فكم كانت لحظات الخوف و الذعر باديتان على ملامح كل واحد فينا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024