قرّرت الأحزاب السياسية في مالي التصعيد احتجاجا على قرار السلطات العسكرية الانتقالية حلّها، ونظّمت أمس بالعاصمة باماكو تجمعا كبيرا من أجل انقاذ الحرية والديمقراطية والدفاع عن الحق في التفكير والتعبير وحرية التصرف.
وبالمناسبة، أصدر زعماء نحو مائة حزب سياسي - والذين اجتمعوا الخميس في باماكو للاتفاق على استراتيجية مشتركة للمواجهة - إعلانا مشتركا خلال هذا التجمع الشعبي، وتقدّموا بشكوى إلى العدالة المالية، مؤكّدين على “وجوب تشكيل فريق من المحامين في هذا الشأن”.
وقد بدأت باماكو بالفعل عملية حل الأحزاب، مع اعتماد مشروع قانون يلغي النظام الأساسي للأحزاب السياسية خلال اجتماع مجلس الوزراء المالي يوم الأربعاء الماضي.
وتعارض الأحزاب السياسية هذا المخطط، وسط إصرار العديد من قادتها على أن “المرحلة الانتقالية يجب أن تنتهي في عام 2025”، وفق “جدول زمني واضح” مع معارضة تنصيب الجنرال أسيمي غويتا رئيسا للبلاد بدون إجراء انتخابات.
ما قامت به سلطات باماكو مخالف للدستور
وكانت منظمة “العفو الدولية “، دعت سلطات مالي إلى التخلي عن مقترح حل جميع الأحزاب السياسية. وقالت إن السلطات العسكرية الحاكمة في مالي قامت بتصعيد القمع ضد الأحزاب السياسية منذ عام 2024، وأكدت أنه خلال الفترة ما بين العاشر من أبريل والعاشر من جويلية 2024، أصدرت سلطات باماكو مرسوما يقضي بتعليق أنشطة الأحزاب السياسية والأنشطة ذات الطابع السياسي للجمعيات.
واعتبرت “العفو الدولية” أن حل الأحزاب السياسية في مالي “مخالف للدستور الذي تم إقراره في عام 2023 من قبل سلطات المرحلة الانتقالية”. ويضمن الدستور وجود الأحزاب السياسية ويؤكد على حقها في “التأسيس وممارسة أنشطتها بحرية في ظل الشروط التي تحددها القوانين”.
وأفادت المنظمة الحقوقية الدولية بأن هذا الإجراء “سيكون متعارضا وغير متوافق مع الالتزامات الدولية لمالي في مجال حقوق الإنسان، لا سيما الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.
قمع متزايد للمجال المدني
وقال الباحث في شؤون منطقة الساحل بمكتب المنظمة الإقليمي لغرب ووسط إفريقيا: “نشعر بقلق بالغ إزاء هذا المقترح لحل الأحزاب السياسية في مالي، ونحذر من أنه سيكون انتهاكا صارخا لحقوق حرية التعبير وحرية التجمع”.
ودعا السلطات إلى وقف القمع المتزايد للمجال المدني، واحترام حقوق الإنسان للجميع في البلاد، بمن فيهم المعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان وأعضاء المعارضة.
وأوصى الحوار الوطني الذي نظمته السلطات الانتقالية في ماي الماضي، وقاطعته الغالبية الساحقة من الأحزاب بتمديد المرحلة الانتقالية حتى استقرار البلاد. كما شملت التوصيات تشديد شروط تأسيس الأحزاب السياسية وإلغاء تمويلها العمومي.
وجرى توقيف 11 زعيما من قادة الأحزاب السياسية في جوان الماضي، ووجهت إليهم تهم تتعلق بالتآمر على سلطة الدولة، قبل أن يُطلق سراحهم بشكل مؤقت في ديسمبر من العام الماضي.
هذا وتعيش مالي حالة من الاحتقان وتشهد موجة من الاحتجاجات ردّا على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي أوصى يوم الأربعاء الماضي بتعيين رئيس المجلس العسكري أسيمي غويتا رئيسا لولاية مدتها خمس سنوات، وحل الأحزاب.
وكان غويتا قد استولى على السلطة بعد انقلابين في عامي 2020 و2021، وتعهد حينها بالعودة إلى النظام الدستوري وإجراء انتخابات عامة بعد فترة انتقالية محدودة، لكن يبدو بأنه فضّل الاستئثار بالسلطة دون اللجوء الى الصندوق أو استشارة الشعب المالي، وهو ما يثير قلقا داخليا وانتقادات دولية ومطالبات بالعودة إلى الحكم المدني.
وتواجه مالي ضغوطًا دولية متزايدة، حيث فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عقوبات على البلاد، مطالبة بجدول زمني واضح للانتقال الديمقراطي.
وأمام تحديات أمنية واقتصادية متزايدة، بما في ذلك تصاعد هجمات الجماعات الإرهابية وتدهور الأوضاع الإنسانية، تضفي نتائج الحوار الوطني مزيدا من الغموض على مستقبل هذا البلد الأفريقي الذي يواجه الكثير من التحديات الصعبة.