قدّمت الجمهورية الصحراوية إحاطة عامة أمام الجلسة الافتتاحية للدورة 83 للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي انطلقت أشغالها أمس الأول بعاصمة غامبيا، بانجول، عرضت فيها وضعية حقوق الإنسان في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية وما يتعرض له الشعب الصحراوي من احتلال استيطاني، وتهجير، وانتهاكات ممنهجة.
قدّم الإحاطة السفير ماء العينين لكحل، نائب الممثل الصحراوي الدائم لدى اثيوبيا والاتحاد الأفريقي، الذي يشارك كممثل للجمهورية الصحراوية في هذه الدورة، والذي حثّ اللجنة الأفريقية وجميع مؤسسات الاتحاد الأفريقي المعنية، على كسر حاجز الصمت وترجمة ولايتها إلى أفعال، “لأن تأخير تنفيذ العدالة ليس مجرد حرمان منها، بل قد يُنظر إليه أيضًا على أنه تواطؤ، أو على الأقل، إخفاق في الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية والمؤسسية”.
وبعد أن أكّد على الدور الحاسم الذي تلعبه اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وجميع المؤسسات الأفريقية الأخرى ذات الصلة في تعزيز حقوق الإنسان ورصدها وحمايتها في جميع أنحاء إفريقيا، أعرب المندوب الصحراوي عن بالغ قلقه بشأن واحدة من أشدّ أزمات انتهاك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان خطورة واستمرارًا، والتي يتم تجاهلها في القارة السمراء، مشيرا إلى الوضع في المناطق المحتلة من الجمهورية الصحراوية، آخر مستعمرة في إفريقيا، تحت الاحتلال المغربي غير الشرعي والمتواصل.
لا استقرار دون حلّ القضية الصحراوية
كما عاد المندوب الصحراوي ليذكّر بمعاناة الشعب الصحراوي الممتدة لعقود طويلة من الاحتلال العسكري الأجنبي، في انتهاك واضح للقانون الأفريقي والدولي - بما في ذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وميثاق الأمم المتحدة، والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي. وقال:«هذا الاحتلال ليس مجرد حرمان من السيادة لعضو مؤسس في الاتحاد الأفريقي، بل هو أيضًا مصدر انتهاكات منهجية واسعة النطاق لم يعد بإمكان هذه المفوضية ولا الهيئات الأفريقية والأممية ذات الصلة تجاهلها، نظرًا لتداعياتها الخطيرة على الاستقرار الإقليمي والقاري”.
وأضاف قائلا: “في قلب هذه الأزمة بالطبع الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية الصحراوية. فلسنوات، نهبت الشركات متعددة الجنسيات والدول المتواطئة مع المغرب الثروة السمكية والفوسفات وغيرها من الموارد في الصحراء الغربية في تحدٍّ صريح للقانون الدولي، بما في ذلك قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير الصادر عام 2024. وليس ذلك مجرد انتهاك للقانون، بل هو عدوان اقتصادي وقح وسرقة موصوفة للثروات الأفريقية.”
لا سكوت عن انتهاكات الاحتلال
وأشار السفير ماء العينين لكحل إلى تعرّض الصحراويين لقمع ممنهج: اختفاء قسري، وتعذيب حتى للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وإعدامات خارج نطاق القضاء، وعنف جنسي، واعتقالات تعسفية، ومحاكمات عسكرية صورية للمدنيين.
ولفت أيضا إلى أن الصحراويين يهجّرون قسراً، وتُدمّر منازلهم، وآبارهم ومصادر مياههم، وتُعرّض مواشيهم للإبادة في سياسة أرض محروقة متعمدة لتهجير المدنيين الصحراويين واستبدالهم بالمستوطنين المغاربة. وتهدف هذه الإبادة الثقافية، والتهميش الاقتصادي، والقيود المفروضة على التعليم وحرية التعبير والاحتجاج إلى طمس الهوية الصحراوية بالكامل. كما لا يزال السجناء السياسيون الصحراويون يعيشون في ظروف مزرية، بعيدًا عن ديارهم في السجون المغربية. وهنا، تُجسّد مجموعة أكديم إزيك، المشكلة من مدافعين عن حقوق الإنسان أُدينوا في محاكمات ندّد بها المراقبون الدوليون على نطاق واسع، الإفلات من العقاب الذي يتمتع به المغرب - محميًا بالطبع من قبل حلفاء أقوياء من المستعمرين السابقين المستعدين لتجاهل القانون الدولي، والمؤمنين بأن القوة والغصب هو ما يصنع الحقوق أو ما ينبغي له أن يفعل.
مصداقية المؤسسات الإفريقية على المحك
والأشدّ إثارة للقلق كما نبّه إليه الدبلوماسي الصحراوي، هو التعتيم الإعلامي، حيث يُمنع الصحفيون وهيئات الأمم المتحدة ومراقبو الاتحاد الأفريقي من دخول الأراضي المحتلة، بينما يُعاقب النشطاء الحقوقيون على التحدث علنًا عن آرائهم. وعليه، أصبحت الصحراء الغربية أكبر سجن مفتوح في إفريقيا، معزولة عن المراقبة الحقوقية ومحكومة بالرعب. حتى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان نفسها منعت من زيارة الإقليم منذ عام 2013 – وها هي تمضي اثني عشر عامًا من الصمت بينما تفاقمت الانتهاكات.
وختم السفير ماء العينين لكحل إحاطته مذكّرا بأن القضية الصحراوية هي أكثر من مجرد أزمة حقوق إنسان، بل هي اختبار لمصداقية مؤسساتنا الأفريقية.
ودعا اللجنة الافريقية إلى الاضطلاع بمسؤولياتها كاملةً من خلال الاستئناف العاجل لمهمتها التي طال انتظارها في الأراضي المحتلة؛ والتحقيق في جميع الانتهاكات المغربية وتوثيقها.