استشهد نحو 60 فلسطينيا منذ فجر السبت، وأصيب أكثر من 130 آخرين، مع بدء الاحتلال الصّهيوني في ساعة مبكّرة من صباح أمس، تكثيف حملة الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحق الفلسطينيّين في إطار الاستعدادات لتوسيع العمليات وتحقيق “سيطرة عملياتية” في مناطق قطاع غزّة.
وقال مدير المستشفى الإندونيسي في شمال غزة، مروان السلطان: “منذ منتصف الليل استقبلنا 58 شهيدا و133 إصابة، الوضع صعب، الوضع معقد”. وأضاف أن هناك عددا كبيرا من الأشخاص تحت الركام، مشدّدا على أن “الوضع كارثي”.
وذكرت السلطات الصحية في غزة أنّ أكثر من 300 فلسطيني استشهدوا في غارات صهيونية على القطاع منذ يوم الخميس، في واحدة من أعنف مراحل القصف منذ انهيار وقف إطلاق النار في مارس الماضي. ومنذ فجر الجمعة، استشهد 120 فلسطينيا وأصيب أكثر من 200 في القصف الصّهيوني على القطاع. وأفاد مراسلون باستشهاد 3 أشخاص وإصابة آخرين في قصف منزل بمنطقة تل الزعتر شمالي قطاع غزة، وقد نقلت جثامين الشهداء والمصابين إلى المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا شمالي القطاع.
كما استشهد فلسطيني إثر قصف طائرة مسيرة لجيش الاحتلال لبلدة “الفخاري” شرق خان يونس، فيما أعلنت مصادر طبية عن استشهاد طفل الفلسطيني متأثرا بجروحه، التي أصيب بها في قصف مركبة أمس في البلدة ذاتها. وأصيب 5 فلسطينيّين بجروح بينهم طفلة وفتاة وامرأة حامل، إثر قصف الاحتلال خيمة نزوح، قرب أبراج طيبة غربي المدينة، فيما جُرح آخرون في غارات شنتها الطائرات المروحية، على خيمة تؤوي نازحين في محيط مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع. وأدت الغارات التي شنها الاحتلال الصّهيوني على منزل شرق جباليا شمال القطاع، إلى إصابة عدد من الفلسطينيين بجروح، فيما تجد الطواقم المختصة صعوبة في الوصول إلى الأشخاص العالقين تحت الأنقاض.
غــزّة مكــــان قاتـل للأطفــال..
من جهة أخرى، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، باستشهاد ما لا يقل عن 45 طفلا في قطاع غزّة خلال اليومين الماضيين، محذّرة من أن القطاع بات “مكانا قاتلا للأطفال”، في ظل تواصل العدوان الصّهيوني والحصار المفروض على دخول المساعدات الإنسانية.
وأشار المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إدوارد بيغبيدر، في بيان له، إلى التقارير التي تفيد باستشهاد أكثر من 950 طفلا في غارات جوية شنّتها طائرات الاحتلال الصّهيوني على جميع أنحاء القطاع، خلال الشهرين الماضيين فقط، منبها إلى أن الأطفال في غزّة “يواجهون قصفا متواصلا، بينما يحرمون من السلع والخدمات الأساسية والرعاية المنقذة للحياة منذ بداية العدوان”.
وأوضح في هذا الصدد، أنّ تلك التقارير “بمثابة تذكير مدمّر آخر بأن الأطفال في القطاع يعانون في المقام الأول”، حيث يضطرون إلى التضوّر جوعا يوما بعد آخر ليصبحوا ضحايا لهجمات عشوائية”، مضيفا أنهم “يقتّلون ويشوّهون في المستشفيات والمدارس والملاجئ وفي الخيام المؤقتة وحتى بين أحضان آبائهم”.
وحذّر المدير الإقليمي لليونيسف، من أن حقوق الأطفال في غزة “تنتهك بشكل خطير كل يوم”، مؤكّدا الحاجة إلى “إجراءات عاجلة لحماية الأطفال من الانتهاكات الجسيمة واسعة النطاق لحقوقهم والتهديدات لبقائهم على قيد الحياة”.
الصّهاينة يسعون لإفناء الفلسطينيّين
وفي السياق، سجّل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنّ الاحتلال الصّهيوني يصعّد إبادته الجماعية في غزّة عبر واحدة من أوسع الهجمات وأكثرها فتكا منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023، سعيا لإفناء سكان القطاع، من خلال ارتكاب المجازر واعتماد سياسة الأرض المحروقة والتدمير الشامل لما تبقى من الأحياء والبنية التحتية.وأوضح المرصد الأورومتوسطي، في بيان له، أنّ قوات الاحتلال الصّهيوني صعدت في من عدوانها على مختلف أنحاء قطاع غزّة، عبر تدمير منهجي بمقومات الحياة وما تبقى من المنازل والمرافق المدنية وارتكاب مجازر جماعية بحق السكان والتجويع، ضمن نهج مستمر منذ أكثر من 19 شهرا. وأشار إلى أن ذلك يأتي في إطار سياسة تهدف إلى القضاء على مقومات الحياة وإفناء السّكان ومنع استمرار وجودهم، تمهيدا لفرض واقع استعماري بالقوة يقوم على محو السكان الأصليين، وتهيئة الأرض لضمها الفعلي “في خرق خطير لأحكام القانون الدولي، بما في ذلك حظر ضم الأراضي بالقوة”.
وأشار المرصد إلى أنّ أكثر من نصف الضحايا ما زالوا تحت الأنقاض، بسبب عجز فرق الإنقاذ والدفاع المدني عن الوصول إليهم في ظل انعدام الإمكانيات، فيما تكدّست عشرات الجثامين إلى جانب المصابين في أروقة مستشفيي “الإندونيسي” و«العودة”، في مشهد يجسّد الانهيار الكامل للمنظومة الصحية. وأشار إلى أنّ قوات الاحتلال نفذت خلال اليومين الماضيين عمليات تدمير منهجي لعدد كبير من المباني السكنية، التي كانت قد تضرّرت جزئيا في شمال غزّة، فيما بدا استكمالا لعملية إبادة المدن الواسعة التي تستهدف التجمعات السكنية بشكل كامل. ولفت إلى أنّ جيش الاحتلال الصّهيوني فعّل سياسة التدمير الشامل للمباني شرقي خانيونس خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع استكماله تدمير أحياء بأكملها في رفح، “في مشهد يعكس تعمدا واضحا لمحو المدينة من الخريطة”.
ولفت المرصد إلى أن ما يجري اليوم يمثل “تنفيذا فعليا” لتصريحات من يسمى “رئيس حكومة” الاحتلال حين قال: “سنواصل تدمير بيوت غزة حتى لا يبقى للفلسطينيّين مأوى، ولن يتبقى لهم سوى الرحيل”. وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أن المجازر الأخيرة ولا سيما في خانيونس وشمال غزة “تمثّل تصعيدا خطيرا في استهداف المدنيّين”، إذ يستخدم الاحتلال “قوة نارية هائلة دون تمييز أو تناسب وفي غياب أي مبرّر أو وجود لأعمال قتالية، ما يؤكّد أنّ السكان المدنيّين أنفسهم هم الهدف المباشر للهجمات في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي”. وأشار المرصد إلى أنّ سياسة التدمير الشامل، التي ينفذها الاحتلال “لا تندرج ضمن أهداف عسكرية مشروعة بل تشكّل جزءا من نهج ممنهج للإبادة الجماعية يقوم على تفكيك المجتمع الفلسطيني في غزّة ماديا وبشريا، وحرمانه من مقومات البقاء بهدف إفنائه ومنع أي إمكانية لاستمراره أو عودته”.
ودعا في السياق، المجتمع الدولي إلى التحرّك العاجل لوقف الإبادة الجماعية المستمرة، وفتح تحقيقات جدية في الجرائم المرتكبة والمباشرة بإجراءات فعالة والعمل على ضمان حماية المدنيين وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، التي شجعت الكيان الصّهيوني على المضي قدما في ارتكاب انتهاكات جسيمة دون محاسبة.
طـرق المساعـدات مقطوعـة
وقالت متحدثة منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، أنّ المنظمة مثل غيرها من المنظمات الإنسانية، لا تستطيع إيصال أي شيء إلى قطاع غزة الذي يفرض عليه الكيان الصّهيوني “حصارا خانقا”.
وأكدت هاريس، في مؤتمر صحفي عقدته، الجمعة، بمكتب الأمم المتحدة في جنيف، وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، أنّ نحو 53 ألف شخص قتلوا في غزّة، حتى الآن، وأن أكثر من 10 آلاف مريض، بينهم 4500 طفل، بحاجة ماسة إلى الإجلاء الطبي. وأضافت: “لم يعد مسموحا لمنظمة الصحة العالمية، مثل المنظمات الإنسانية الأخرى، بتسليم أي شيء إلى قطاع غزة”.
الفلسطينيّون.. أرقام على لائحة الموت
للإشارة، فقد أعلنت السلطات الصحية الفلسطينية، أمس السبت، عن ارتفاع حصيلة ضحايا عدوان الاحتلال الصّهيوني على قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر 2023، إلى 53272 شهيدا و120673 مصابا.
يذكر أنّ الكيان الصّهيوني أغلق، اعتبارا من 2 مارس الماضي، كافة المعابر في غزّة وأوقف دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ما أدى إلى نفاذ المواد الغذائية والمواد الطبية وخلق أزمة إنسانية غير مسبوقة في القطاع المحاصر. ويرتكب الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية بغزّة خلفت أكثر من 173 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء وما يزيد على 11 ألف مفقود.