دخلت الاحتجاجات التي تهزّ المغرب أسبوعها الثاني دون أن تتخذ السلطات المخزنية أي إجراءات ملموسة تعيد الهدوء للشارع، وتلبي مطالب الشباب الغاضب، الذي قرّر الانتفاضة ضدّ وضعه المعيشي البائس، وصمّم على استعادة كرامته الإنسانية التي سحقها الفساد، ونسفتها طبقة سياسية تصرّ على حجب فشلها وخيباتها، وتقدّم نفسها على أنّها نجحت في تحويل المغرب إلى نموذج للتنمية والاستقرار، لكن الشباب اليافع فضحها، ليس فقط عجزها وكذبها، بل وكشف حجم الأزمات التي تتخبّط فيها المملكة، ومقدار القهر الذي يعانيه شعبها.
رغم سياسة القمع والاعتقال التي تبنّتها السلطات المخزنية لإجهاض احتجاجات شباب حركة “جيل زاد 212”، فإنّ هذه الأخيرة تصرّ على مواصلة مظاهراتها، رافعة من سقف مطالبها التي امتدّت من مطالب اجتماعية كتوفير الخدمات الصحية والتعليمية، إلى اشتراط اسقاط الحكومة. وهذا الإصرار من طرف الشباب الغاضب على تحقيق مطالبه المشروعة مع ما يقابله من تعنّت من جانب المسؤولين، بدأ يطرح الكثير من التساؤلات عن مسار هذه الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي فتحت أبواب الجحيم على المغرب، حيث تشير الكثير من التوقعات إلى أن حمم بركان الغضب بدأت تتطاير والانفجار بات قريبا.
مشكـــلات عميقــة
قراءة مسار الاحتجاجات التي تهزّ المغرب منذ 27 سبتمبر الماضي يستدعي الوقوف عند أسبابها، فرغم أن البعض لا يريد فصلها عما جرى في دول أخرى مثل نيبال ومدغشقر وبيرو، إلا أن تحليلا منطقيا كفيل بأن يكشف أن حركة “جيل زاد 212”، لم تكن لتحظى بمثل هذه القوة والانتشار لولا تراكم الأزمات وحالة الاختناق التي تعصف بالشباب المغربي.
وفي السياق يقول خبير في القانون الدستوري: “إنه قد تتشابه حركة جيل زاد مع حركات الجيل نفسه في دول أخرى لكنها تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية، فما يعيشه المغرب من فساد، وتدهور التعليم والصحة، وغياب العدالة الاجتماعية، كله يشكّل الأرضية الملائمة لتأجيج مثل هذه الاحتجاجات”.
وبدأت شرارة الاحتجاجات من أكادير جنوب المغرب، عندما توفيت ثماني نساء حوامل في أقل من شهر في مستشفى عمومي هناك، لتمتد إلى عدد من مدن المغرب، مطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم، ومحاربة الفساد. وتحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف ونهب وشغب في بعض المناطق، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وجرح العشرات في صفوف المواطنين ورجال الأمن. لكن شبان “جيل زاد” تبرّأوا من هذه الأحداث، وندّدوا بها، ودعوا إلى مواصلة الاحتجاج سلمياً. وسبق للمغرب أن شهد أحداثاً مماثلة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، عندما تحوّلت إضرابات عامة في سنوات 1981 و1984 و1990 إلى عمليات قمع وقتل، حيث استخدمت السلطات المخزنية الرصاص لمواجهتها. لكن الأحداث السابقة كانت تقودها اتحادات عمالية، وأحزاب سياسية دعت إلى إضرابات عامة، حيث كانت هذه التنظيمات تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة.
أما حركة “جيل زاد” فتتشابه، بحسب مراقبين، مع حركة “20 فبراير” التي قادها الشبان أيضاً، وحرّكت احتجاجات النسخة المغربية من الربيع العربي في 2011.
مطالــب تنبـــع مــن واقـع منكــوب
كما يقول مراقبون سياسيّون أنّ الجيل الذي يهزّ المغرب منذ عشرة أيام ليس مجرد نسخة محلية من نظيره العالمي، فمطالبه في السياق المغربي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي ملموس.
ويضيف هؤلاء المراقبين بأنّ معظم الشبان المغاربة لا يثقون في العمل السياسي، ويعتبرون الأحزاب مجرّد دكاكين سياسية، تفتح في فترة الانتخابات لتعطي الوعود وتستقطب الأصوات، وتغلق بعد صدور النتائج متنكّرة لوعودها في أغلب الأحيان.
وهذا الفراغ ولّد احتجاجاً من دون قائد أو زعيم، يعتمد على الشبكات الرقمية، بدل الهياكل التقليدية، ويعبّر عن أزمة ثقة جوهرية في المؤسسات الوسيطة، من أحزاب ونقابات وجمعيات.
كما أكّد مراقبون آخرون أنّ هناك تحولاً ديموغرافياً، فثلث الهرم السكاني في المغرب من الشباب ما بين 15 و35 عاماً، لكن السياسات العمومية لم تستثمر هذا الرأسمال البشري، أو القوة الصاعدة في التنمية كما تفعل الدول لتبقى هذه الفئة مهمشة غارقة في البطالة والمخدرات، وبالتالي أصبحت قنبلة موقوتة.
في الأخير، يجب التأكيد بأنّ الزلزال الذي يهزّ المملكة المغربية هو نتيجة منطقية لتراكم سنوات طويلة من الفساد والفشل في تحقيق تطلعات الشعب المغربي، والمؤكد أن تجاوز هذه المرحلة الصعبة لن يكون لا بالقمع ولا بالوعود الكاذبة، فالتعامل مع الجيل الرقمي لا يمكن أن يكون بالهراوة أو بالرصاص والاعتقال كما حصل مع الأجيال السابقة، وآخرها نشطاء “حراك الريف”، بل بالاستجابة الحقيقية للمطالب الاجتماعية المشروعة التي تحفظ الإنسانية والكرامة.