خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء..

ت. يوسفي

لا يزال الوضع السياسي في ليبيا الشقيقة يترنح في مكانه حيث فشلت كافة محاولات الشروع في مسار بناء مؤسسات الدولة عقب ثورة ١٧ فبراير التي أطاحت بنظام حكم العقيد معمر القذافي منذ أكثر من عامين.
ويتوقع المحللون أن يتواصل هذا الركود في المرحلة القادمة وربما لفترات أطول بالنظر لعدة معطيات بعضها يتعلق بطبيعة وتركيبة المجتمع الليبي في حد ذاته، والبعض الآخر يعود لمخلفات نظام الحكم الجماهيري الذي انتهجه القذافي منذ ثورة الفاتح ولمدة أكثر من أربعة عقود من الزمن.
ويأتي إعلان حزب العدالة والبناء، وهو ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد، تعليق نشاطه السياسي في البرلمان والحكومة والترخيص لنوابه بمواصلة مهامهم ولكن بصفاتهم الشخصية وليست الحزبية، فقط من أجل اجتياز ما اعتبرها «مرحلة حرجة تمر بها البلاد»، يأتي ليؤشر على عجز الطبقة السياسية هناك عن الخروج من المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تخصص لتزويد البلاد بمؤسسات دستورية منتخبة.
ويبدو أن كل العوامل اجتمعت في الساحة الليبية لتحول دون تمكين البلاد من الخروج من مرحلة «المؤقت المتواصل» واستكمال تتويج ثورته بتأسيس مؤسسات شرعية تسهر على إرساء منطلقات العهد الجديد عهد البناء والتنمية، بدءا بالطبيعة البدائية المتجذرة في المجتمع الليبي وقيامه على نظام القبيلة حتى في ظل نظام الجماهيرية المطاح به، وعدم وجود طبقة سياسية متمرسة وذات خبرة قادرة على وضع النصوص القانونية والتشريعات التي تحتاجها البلاد لبناء مؤسساتها.
يضاف إلى ذلك أكبر وأعقد مشكل يؤرق حكام المرحلة الانتقالية وحتى بلدان الجوار وهو ظاهرة انتشار السلاح وسط المواطنين بما فيه السلاح المتوسط والثقيل الذي صار سلاحا شعبيا وبضاعة رائجة بالنظر لكثرة وسهولة انتشاره، ولا أدل على ذلك انتشار المليشيات المسلحة وعدم قدرة الجيش النظامي على ضبطها وارتفاع مستوى الانفلات الأمني الذي يعكسه ازدياد عدد العمليات التفجيرية والاعتداء على مقرات ومراكز الأمن واستهداف مسؤولي البعثات الدبلوماسية، وهو ما دفع بفعاليات المجتمع الليبي للخروج عن صمتها قصد لفت الانتباه من خلال تنظيم تظاهرة اليوم للمطالبة بإنهاء كافة مظاهر التسلح بالعاصمة طرابلس.
المؤكد أن أوراق الأزمة الليبية التي لا تزال مبعثرة في الساحة تتقاذفها ذهنية القبيلة وسطوة لغة السلاح، واستمرار سيطرة هذه المعادلة على الحياة اليومية للمواطنين سيجعل من الصعب التحكم فيها ما يجعل البلاد كلما تتقدم خطوة تتراجع خطوتين إلى الوراء في ظل غياب دولة قادرة على بسط سلطتها وسيادتها، دولة هشة تتنازعها فصائل مسلحة تدرك جيدا أن قيام دولة مؤسساتية يعني توقيع شهادة وفاتها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024