رجل فضل الانسحاب بهدوء الكبار

فرض الراحل عبد الحميد كرمالي نفسه في المشهد الرياضي منذ تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم وتألق نجمه في سماء الكرة الإفريقية خاصة بقيادته للفريق الوطني في الفوز بكأس إفريقيا للأمم سنة ١٩٩٠ في انجاز غير مسبوق وضع الجزائر من جديد في ريادة القارة السمراء بعد الأداء المتميز في مشاركتها الأولى في نهائيات كأس العالم بإسبانيا سنة ١٩٨٢.
في تلك الملحمة الإفريقية التي جرت على أرضية ملعب ٥جويلية وجلبت إليها جماهير منقطعة النظير، تصدر كرمالي المشهد طيلة البطولة مترجما ميدانيا رؤيته لخطط اللعب في مواجهة فرق لبلدان لطالما فرضت سيطرتها على الكرة الإفريقية قبل أن تسقط على وقع أداء سطره الرجل فاسقط  رهانات من استكان للماضي وصدق المنجمين في مرحلة لا تؤمن سوى بصدق العطاء والبذل.
كنا حينها في صفوف الخدمة الوطنية حيث وفرت تلك الأوقات الزاهية للشباب مساحة ملائمة للترويح عن النفس وتجاوز يوميات كلها نشاط  مجهد فتحول النادي حيث نلتقي جميعا إلى ما يشبه مدرج ملعب يرتبط  في كل مقابلة بميدان المنافسة وإسم كرمالي على لسان رجل واحد، كيف لا وهو يحقق ما كان بمثابة الحلم في زمن بدأت تتهاوى فيه كرة القدم الجزائرية وعرف كيف يصهر الطاقات المحلية مطعمة بعناصر من الجالية المغتربة التي أخرجت كل ما في جعبتها. وبالفعل تجاوز المعوقات وأزاح التردد فراهن على المعدن المحلي ليصنع به القوة المطلوبة مستندا إلى الموروث الوطني المجسد في منظومة قيم الثورة التحريرية التي تتحدى الأمر الظروف الصعبة ولا تؤمن بالأمر الواقع. وعرف بما لديه من تجارب طويلة في اللعبة وفي مسار الحياة كيف يزرع الثقة في الشباب من اللاعبين الذين ترجموا قناعتهم بمدربهم فشرّفوه بعد أن شرفهم بالانتساب للخضر وهو ذات الشرف الذي ناله لما التحق بصفوف فريق كرة القدم لثورة التحرير. بشخصيته القوية الهادئة وغير المجاملة رغم تعرضه لحملة انتقادات من أوساط أزعجها في أمور تسيير كرة القدم لم يدخل الفقيد في أي جدل عقيم مفضلا الانسحاب من الساحة بهدوء الكبار إلى أن كشف الزمن الحقيقة ألا وهي أن الكبير كبير والصغير صغير كما يقول المثل، ورحم الله الراحل.