إرادة صلبـة مـن أجل رفـع التحـدي

سعيد بن عياد

يسجل في موسم الصيف تراجع في نسبة الأداء الاقتصادي، وهو أمر طبيعي بالنظر لعدة أسباب مباشرة، من أهمها العطل السنوية، وتوقف بعض المصانع عن النشاط من أجل الصيانة الدورية للعتاد والتجهيزات الإنتاجية، إلى جانب تغيّر وتيرة الأسواق، ماعدا الغذائية منها التي تواصل في العمل بالتكيف مع المنتوجات والمواد الفصلية. إذا كان الصيف بالنسبة للبعض، فترو خمول وكسل، أحيانا بحكم الضرورة، فان البعض من فئات العمال ومن أصحاب المؤسسات يضاعفون من دورة النشاط من اجل ضمان تلبية طلبات الزبائن. انه مثل باقي الفصول، حيث يؤدى العمل بنفس العزيمة والسرعة والإتقان، متجاوزين متاعب الحر وصعوبة المناخ. بالتأكيد أن الأمر في الجنوب وفي الهضاب العليا مرهق ومثير للتعب والمشقّة، لكنه لا يمكن أن يكون مبررا لأي تراجع في عجلة النمو، كما هو الحال في حقول البترول والغاز، حيث يواصل عمال قطاع المحروقات ضمان القيام بواجباتهم المهنية متحدّين مشاق الظروف الطبيعية، أبرزها شدّة الحرّ التي تستنزف الإنسان وتقوّض طاقته. وكذلك الآمر حيث يتم حصاد وجني الثمار الفلاحية عبر امتداد ربوع بلادنا، في موقف اقتصادي جريء، يؤكد أن العمل وحده كفيل بان يغير من أوضاعنا الاجتماعية، أفرادا و مجتمعا. فلا غرابة أن يلاحظ كيف يتولى الفلاحون- كل في موقعه-  مهامهم بثبات وفي سباق مع الوقت، لتفادي أي خسائر محتملة والتقليص من النفقات الناجمة عن أي تأخير في الحصاد أو الجني، شعارهم، الأمن الغذائي مسالة مصيرية. بالرغم من الموسم الفلاحي هذه السنة تعرض لضربة عنيفة ومكلفة جراء انتشار عدوى الحمى القلاعية في أوساط الأبقار والمواشي، في انتظار الكشف عن ملابسات تسرب هذا المرض إلى بلادنا بفعل- كما يبدو- استيراد أبقار مصابة وكذا- ربما - عم احترام المربين لآجال القيام بعمليات التلقيح الدورية. وتسجل سلوكات الجد والاجتهاد بشكل واضح على مستوى عدد من القطاعات الخدماتية بالرغم من تداعيات تراكم المشاكل العالقة وتخلف الجهات المعنية عن تسويتها كما هو الحال في قطاع الصحة الذي تهدده عودة سلسلة الاحتجاجات، بالرغم من الديناميكية التي أظهرها وزير القطاع، محاولا الانتقال به من حالة الغليان إلى استقرار تام يحصل في ظله كل طرف على حقوقه المشروعة، من خلال اعتماد الحوار الاجتماعي أسلوبا للخروج من حالة الانسداد. ولعل القطاع الذي يثير انشغال الرأي العام، هو قطاع السكن والعمران، الذي يمثل القاطرة التي تجر باقي القطاعات الاقتصادية، فان صحّ البناء، صحّ كل شيء، كما يقول المثل. لذلك، وان تراجع أداء بعض الورشات في شهر أوت، الذي يركن فيه الكثير من القائمين عليه للراحة بحكم العطلة، فانه يرتقب أن ترتفع وتيرته مباشرة مع الدخول الاجتماعي، من أجل تدارك أي تأخر محتمل وتحسين المعادلة الإنتاجية على مستوى الورشات، تفاديا لكلفة التأخر في الانجاز وانعكاساتها على تقييم المشاريع، لكن دون الوقوع في مطبّات التسرّع، بحيث ينتظر أن تتكفل الجهات المعنية بالمراقبة والمتابعة بمهمة التأكد من سلامة وجودة الانجاز في كل القطاعات.
غير أن الجانب الذي يثير تساؤلا كبيرا، هو قفل مراكز التكوين المهني لأبوابها بداعي العطلة في الصيف، بينما كان الأجدر أن تسطر برامج للتكوين السريع والتأهيل المستمر خلال أشهر الصيف لفائدة الشباب، الذي يريد الحصول على حرفة أو تكوين أولي في مهن قد يستفيد منها في المستقبل، ولو بتخصيص دورات مسائية على الأقل بالتعاون مع الجماعات المحلية، من شانها أن تجلب إليها اهتمام الشباب، مثل مهن الحرف التقليدية والإعلام الآلي والفنون كالرسم والنحت وغيرها، وهي مجالات تتكفل بها كل من وزارة الثقافة ووزارة السياحة، اللتان ينتظر أن تتوجها بشكل أكثر مبادرة نحو المجتمع لاكتشاف ومرافقة المواهب إدماج السياحة والثقافة في الحياة العامة للمجتمع، والتقليص من الرهان على السياحة الراقية التي لا يبدو أنها تحقق الأهداف الاقتصادية الكبرى، خاصة أمام اتجاه الوكالات السياحية إلى تصدير السياح الجزائريين غالى وجهات خارجية من حول العالم. بلا شك أن الصيف ينقضي، وتهدأ الحركة ليضبط كل حسابه، ويقيم كل طرف أداءه، لكن لماذا لا يفكر المعنيون من الآن لتنظيم عملية ضبط الأداء وتحديد مدى الانجاز والتراجع حسب كل قطاع مع تقييم الكلفة، من اجل إعادة صياغة برامج للمستقبل، كفيلة بان تسمح بتحقيق نجاحات ومكاسب تعوض الإخفاقات والخسائر انطلاقا من جعل العمل الضمان الأوحد للنمو، خاصة في ظل توفر كافة عوامل نجاح ارتقاء المنظومة الاقتصادية بكامل قطاعاتها، من برامج استثمارية وموارد مالية، تعززها إرادة صلبة من أجل رفع التحدي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024