“الشعب” ترصد أجواء الاصطياف بشرق العاصمة

شاطئ سركوف قبلة المصطافين يحتاج إلى مرافق

سعاد بوعبوش

مكسرات أمواج وحواجز صخرية للحد من امتداد البحر

مواطنون يضربون حملات التّحسيس بالثّقـــافة البيئية عـــرض الحــــائط

يعرف شاطئ سركوف ببلدية عين طاية إقبالا منقطع النظير من العائلات الجزائرية بحكم موقعه الاستراتيجي، الذي يميل إلى الطابع الجبلي والغابي والفلاحي في آن واحد، وكذا الجو العائلي البحت الذي يجد فيه المتوافدون عليه راحتهم في الاستمتاع برماله الذهبية وزرقة بحره، والهدوء الذي تتمتّع به المنطقة بحكم أنها بعيدة عن الطرق الرئيسية المكتظة دوما.
«الشعب” زارت الشاطئ ورصدت أجواء الاصطياف به في هذا الاستطلاع.
وقفنا على امكانيات شاطئ “سركوف” الذي يتضمن عدة مداخل ما يسهّل على المصطافين اختيار المكان الذي يريد نصب خيمته فيه ويضمن توزيعا مقبولا لهم، حيث نجد من يريد المدخل الجبلي وهناك من يفضل المدخل الصخري. في كلا المدخلين يجد الوافد على الشاطئ نفسه أمام مناظر طبيعية خلابة عذراء تترجم ما تكتنزه المنطقة من مقومات سياحية تجعلها محجا حقيقيا للسياح - إن تعزز بمرافق وحسن التسيير - والتي جمعت بين الخضرة  وزرقة البحر هربا من لفحات الحرارة خاصة في الأسابيع الأخيرة، حيث تعرف الجزائر حرارة زائدة عن اللزوم   ورطوبة عالية فاقت التوقعات.
غير أنّه في السنوات الأخيرة لاسيما العام الماضي عرف المدخل الجبلي من الجهة الشرقية اكتساح الأمواج للشاطئ، حيث أتى على المنازل المحاذية له وتسبب في هدمها. وكانت ولاية الجزائر وعلى رأسها المسؤول التنفيذي قد دشّن أشغال تعزيز وتهيئة الواجهة الصخرية لشاطئ عين طاية، حيث شرع في وضع كتل من الصخور على طول 600 م على مستوى شاطئ سركوف بالجهة الغربية له تحديدا. حاليا تسير الأشغال من الجهة الشرقية على قدم وساق بعد أن كثرت شكاوى السكان، وذلك تزامنا مع موسم الاصطياف لضمان عدم امتداد الأمواج للمنازل المتبقية لاسيما الفيلات الكبيرة التي شيدت بأبهى هندسة معمارية تسر الناظر.
كانت هذه اللوحة مرتسمة في أذهننا ونحن في طريقنا الى شاطئ سركوف الساحر، بمجرد أن اتّخذنا مسلك المدخل الشرقي يشد انتباهنا وجود مساحة واسعة تتوسطها أحجار كبيرة يتم تكسيرها باتقان وإعدادها بدقة ومهارة لتكون حواجز للأمواج العاتية بعلو الجبال الشاهقات التي عرفت تقدما كبيرا إلى المساكن وقلصت من مساحة الشاطئ، لاسيما بالجهة الشرقية وحتى على موقف ركن السيارات الذي أصبح ضيقا جدا.
وحسب ما رصدناه من معلومات بعين المكان، فإن الجماعات المحلية تعول من خلال انجاز حواجز ومكسرات الأمواج على وضع حد لتقدم البحر نحو البر والحيلولة دون هدم آخر للمنازل المتبقية ووضع حل نهائي لهذا المشكل الذي أرق السكان والمارة، ويطرح بشدة في فصل الشتاء حيث تزداد قوة وطول الأمواج التي تتحول الى قوة ضاربة تأتي على كل شيء أمامها.
لباس السّباحة “المستور”
يرفع الحرج عن العائلات بالشّاطئ
ورغم الأشغال التي تعرفها الجهة الشرقية وتقلص مساحة ركن المصطافين لسياراتهم واحتساب الموقف بـ 100 دج، إلا أن ذلك لم يمنعهم من التوافد بأعداد كبيرة حيث يكون الاقبال في الصباح محتشما لكن ما إن يحل الزّوال حتى يعرف الشاطئ حركة كبيرة للعائلات التي تفضل هذه الجهة مقارنة بالجهة الصخرية.
ولدى استفسارنا عن سبب إصرار العائلات على اختيار هذا المكان، أجابنا أحد حراس الشواطئ أن الكثير من العائلات تتجنّب الشواطئ التي تعرف إقبالا من الأشخاص “المتحررين” على حد تعبيره، في حين أن أغلب المصطافين الذين يرتادون شاطئ “سركوف” هم محافظون ويفضلون الجو العائلي، مستعملا كلمة “الحرمة” ليعبر عما تريده العائلات الجزائرية تحديدا في أماكن الترفيه والتسلية، و و على مستوى الشواطئ، مشيرا الى أن انتشار ارتداء لباس السباحة “المستور” ساهم وسهل كثيرا في الوقت الحاضر في خلق هذا الجو العائلي بشاطئ “سركوف”، حيث يعرف توافدا كبيرا للنساء المحجبات اللواتي لم يعدن يجدن حرجا في السباحة رفقة أبنائهن أو عائلاتهن ككل.
ولم يخف محدثنا توافد بعض “المصطافين المتحررين” على حد وصفه لهم، الذين يجدون أنفسهم مجبرين على احترام باقي المصطافين من خلال الانزواء بعيدا على الجهة التي تتمركز فيها العائلات، محترمين في ذلك خصوصية المكان والعقلية التي فرضتها تلك العائلات المحافظة، في مشهد يجسد احترام ثقافة الآخر مقارنة بأماكن أخرى .
 سلوكات بعض الشّباب والمصطافين
 ترهن نظافة الشّاطئ
وفي المقابل يعرف شاطئ سركوف في الآونة الأخيرة انتشارا للأوساخ التي شوّهت رماله، سواء بالمخلفات التي يتركها المصطافون أو بما تلفظها أمواج البحر لاسيما بعد الزوال في مشهد مقزز أثار امتعاض العائلات التي تعودت على المكان، حيث نجد القارورات البلاستيكية للمياه  والمشروبات، والأكواب والأكياس البلاستيكية والورقية في كل مكان رغم حملات التحسيس والتعبئة في موسم الاصطياف ما يضع سلوكات المواطن في قفص الاتهام.
مصطافون عبروا لنا عن استيائهم لتفشي هذا السلوك العدواني تجاه المحيط وجمال الطبيعة الخلابة والببئة النظيفة، وهي مسالة ما انفكت الجهات الوصية ترافع من اجلها، مناشدة المصطاف التحلي بثقافة بيئية ما احوجنا اليها. حسب “سمير” وهو أحد الشباب الذين تعودوا المجيء لهذا الشاطئ رفقة عائلته، فإن هذه الأوساخ تأتي من الصخور البحرية التي يتوافد عليها بعض الشباب للسباحة أو الصيد، حيث يتركون مخلفاتهم وسطها دون حرج وما إن تصل مياه البحر إليها حتى تخرجها من مكانها ومن ثم يلفظها البحر من خلال الأمواج إلى الرمال، ويزداد الأمر سوءا عندما تختلط مع الأعشاب البحرية. وأشار ذات المتحدث في تصريحه لـ “الشعب”، إلى أن الشاطئ عرف في كثير من المرات عمليات تنظيف  وحملات تحسيسية من مختلف الجمعيات في مقدمتها الكشافة، تهدف إلى توعية المصطافين بأهمية الحفاظ على الوسط البحري مياها وشطا وتعزيز الثقافة البيئية لديهم. غير أنه في كل مرة تتكرر هذه المشاهد السلبية المقززة، ما يستدعي - حسبه - تجنيد بعض الشباب البطال في حملات تنظيف الشواطئ، خاصة وأن العملية لا تحتاج إمكانيات كبيرة والسهر على ضمان ذلك والحرص في كل مرة على التحسيس والتوعية بأهمية تجميع الأوساخ في أكياس بلاستيكية و رميها بعيدا عن الشواطئ في الأماكن المخصصة لها للحفاظ على البيئة.
أطفال وشباب بطال يبيعون
الذرة المشوية على قارعة الطّريق
الوافد على بلدية عين طاية وبمجرد دخوله الى الطرق الاجتنابية المؤدية لشواطئها سواء سركوف، القادوس، طرفاية، عين طاية يلاحظ توزع الشباب وأطفال مراهقين على طولها يبيعون الذرة المشوى المعروف عند الجزائريين بـ “لجبار” أو “لكبوب”، “البلول” أو “المستورة”، الى جانب نظرائهم الذين يبيعون لوزام البحر، ولكل واحد رؤيته في هذه الانشطة الموسمية التي تشكل دخلا ماليا يحسد عليه. «مومن “ ذو 17 سنة أحد الشباب، الذين تعودوا امتهان هذا النشاط كل موسم اصطياف لتحقيق ربح وصفه بالمرضي والجيد، خاصة وأنه لا يحتاج الى إمكانيات كبيرة، كون أن المادة الأولى متوفرة والتي يأتي بها من مزرعة والديه، قال في هذا الشان: “أحضر الجمر وأجهّز الماء والملح، وأبدأ في عملية البيع من الساعة الـ 14:00 إلى غاية 22:00 ليلا”.
وأضاف مومن أن نشاطه قد يمتد احيانا الى غاية منتصف الليل، إلا أنه لا يحبذ ذلك لأنه تسجل بعض حالات السرقة التي تطال إكسسوارات السيارات - التي يركن أصحابها لشراء الذرة المشوي - من بعض الشباب المنحرف.وواصل “مومن” إنه يفضل وقف نشاطه قبل هذه الساعة المتأخرة ليلا  لتفادي الدخول في دوامة السؤال والجواب مع مصالح الأمن وتجاوز الاعتداءات وما ينجر منها من تداعيات يفضل الانتهاء في ساعات متقدمة من الليل، لكن بالرغم من ذلك يبقى الإقبال على هذه الأكلة التقليدية كبيرا جدا من الوافدين على المنطقة كونها مرتبطة بالماضي، وتترجم علاقة الجزائري بالأرض التي يفتقد نكهتها الكثيرون

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024