ترك خلفه أم ثكلى وأب لا يبصر

الطفل محمد يموت بعد معاناة طويلة مع السرطان

فتيحة /ك

 كنت جالسة في الحافلة المتوجهة إلى محطة أول ماي أين جلست بقربي سيدة كان الظاهر من مشيتها أنها تعاني خطبا ما، وبالفعل بعد الحديث معها أخبرتني أنها نفساء وأبنها ذو الشهر يرقد بمستشفى البويرة وعليها أن تتنقل بصفة يومية إلى هناك لأن زوجها يعاني العمى بسبب السكر ولا تستطيع تركه بمفرده......
“زهرة” هو اسم هذه السيدة التي فقدت ابنها منذ سنتين وهو لم يتجاوز سن السابعة من العمر بمستشفى مصطفى باشا الجامعي مصلحة “بيار وماري كوري”، لم تستطع زهرة تمالك نفسها وبدأت في البكاء لأنها وكما قالت ترك في قلبها جرحا لا يندمل.....
مسحت دموعها وواصلت قصة إبنها محمد التي بدأت منذ أن بلغ السنتين من العمر، أين اشترى له والده حذاءً شتويا من بائع متجول في البويرة، وفي اليوم الموالي ألبسته إياه وأخذته إلى المربية، وبعد عمل يوم طويل شاق، عادت مع ابنها إلى البيت، قالت إنها عندما نزعت عنه الحذاء لم تلاحظ أي شيء على قدمه سوى إحمرارها، قليلا ولكنها لم تعر الأمر أهمية، ولكن في تلك الليلة لم ينم الطفل من البكاء، لم تعرف ما به ولكن في صباح اليوم الموالي وجدت في قدمه التهابا و لكن لم تظن أنه سيكون السبب وراء وفاة فلذة كبدها، ....فقأت الانتفاخ الذي كان في قدمه نظفته بمواد مطهرة، وتركت ابنها عند المربية كما كانت تفعل دائما، ولكن اتصلت المربية بعد ساعات وأخبرتها أن محمد يبكي بشكل هستيري ولا تستطيع إسكاته، عادت زهرة مسرعة إلى البيت مع ابنها ولكن لم تستطع التعرف على سبب بكاءه، ولكن في صباح اليوم الموالي وجدت التهابا في نفس المكان الذي نظفته ولكن هذه المرة أكبر مما كان عليه في السابق، لذلك فضلت أخذه إلى الطبيب ليرتاح محمد من الألم.
حملت ابنها وأسرعت به إلى مستشفى البويرة وهناك قامت الطبيبة المناوبة بتنظيف الالتهاب وأعطتها حمالات للألم والحمى، ولكن وبعد أسبوع انتفخ قدمه مرة أخرى، وعادت إلى نفس الطبيبة المناوبة، فغيرت لها الدواء ولكن لم تكن له الفعالية المرجوة بل ازداد الأمر سوءا، فكان لزاما على زهرة إعادة ابنها إلى الطبيبة مرة أخرى ولكنها لم تجدها بحثت عنها كثيرا ولكن دون جدوى، ما اضطرها إلى استشارة طبيب آخر الذي اخبرها أنها تأخرت كثيرا في أخذ ابنها إلى الفحص ولكنها أعلمته أن زميلته التي فحصته مرتين لم تقل ذلك.
....المهم، بعد إجراء فحوصات طبية وتحاليل مخبريه، وجهها الطبيب إلى مستشفى بلفور للأطفال، وكان عليها أن تترك أطفالها الثلاث عند الجيران لتتمكن من الذهاب إلى الحراش بالعاصمة، وهناك بدأت رحلة الصفا والمروة بين البويرة ومستشفى بلفور، ولكن وبعد سنة طلب منها الأطباء أخذ محمد إلى مستشفى دباغين “مايو” سابقا بباب الواد، نزل الخبر عليها كالصاعقة جلست في حديقة بلفور تضرب أسداسها في أخماسها وهي تفكر كيف تتمكن من فعل ذلك، وبينما هي كذلك جاء طبيب وسألها إن كانت بحاجة إلى مساعدة فأخبرته بقصتها فنصحها بالذهاب إلى مستشفى مصطفى باشا الجامعي وبالفعل كتب لها رسالة موجهة إلى إدارة المستشفى.
... حملت ابنها وتوجهت إلى مستشفى مصطفى باشا أين شخص الأطباء أخيرا حالته المرضية بأنها سرطان في مرحلة متقدمة وعليهم أن يبتروا قدمه حتى لا يصيب الجسد كله، كان الخبر بالنسبة لزهرة مصيبة كبيرة فكيف لابنها الذي لا يتجاوز سنة الثلاث سنوات أن يعيش حياة طبيعية دون قدمه وهو الطفل المهووس باللعب ونشر ضحكاته في كل مكان،....صمتت قليلا وقالت:” ...حياته كانت الأهم بالنسبة لي وان كان البتر هو الحل الناجع لإبقاء عليها فليفعلوا ذلك.” ،....بدأت زهرة في البكاء ولم استطع مواساتها وظننت القصة ستنتهي هنا ولكن محمد أبى إلا أن تكون تفاصيلها أطول من ذلك.
 فبعد سنتين من بتر قدمه بدأ يشعر بألم واحمرار في مكان البتر ما استدعى إعادته إلى مستشفى مصطفى باشا أين قرر الأطباء بتر ساقه،....كانت الفاجعة عظيمة بالنسبة لوالديه ولكن بقاءه حيا كان عزاءهم الوحيد، وهكذا مرت ثلاث سنوات من بتر ساقه لم يغادر فيها المستشفى إلا قليلا، كانت والدته زهرة برفقته وإلى جانبه طيل تلك السنوات، ولكن وفي السنة الرابعة بدأت صحته تتدهور، وبدأ يشعر بألم في جسده، قالت والدته وتبكي، كان يريد أن يكبر ويصبح طبيبا ليعالج الأطفال المرضى مثله، قالت أنه صبيحة اليوم الذي وافته فيه المنية طلب منها أن تسامحه لأنه حرمها من البقاء في البيت وطلب منها أن تقول لإخوته بأنه آسف لأنه سرق منهم أمهم واحتكرها لنفسه،.....وهنا بدأت زهرة في بكاء هستيري تطلب الكثير من المواساة لتسكت، عندما هدأت أخبرتني أنها خرجت لأقل من دقيقتين وعند عودتها وجدته جثة هامدة ......محمد مات تاركا وراءه أما ثكلى وأبا فقد بصره بسبب ارتفاع السكر عند تلقيه خبر وفاته.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19443

العدد 19443

السبت 13 أفريل 2024