الواجبات اليومية بسيكوز يؤرق المواطنين

«هــــوس الوقت يلاحقنــــي في كل مكــــان» عنوان معاناة دائمـــــة

يعاني كثير الأولياء ضيق الوقت إلى درجة أنّهم يجزمون أنّ الـ 24 ساعة لا تكفي لإتمام أشغالهم والتزاماتهم العائلية بعد أن تحوّلوا إلى مدرسين يلقّنون أبناءهم دروسا هم في أشد الحاجة اليها في ظل تراجع مستواهم التعليمي­­، وتمادي الأساتذة في إضرابات بلا توقف.
 أكّد الكثير في شهادات معاناة لا تنتهي قائلين إنهم يحتاجون إلى المزيد لقضاء كل التزامتهم اليومية، يسمّي هؤلاء الأشخاص بفقراء الوقت وهم دائماً أسرى أجندة المهام الخاصة بهم، التي لا تنتهي، بينما الوقت يفرّ مسرعاً كلّما ركض هؤلاء محاولين اللحاق به.


 «كريمة - ت»، قالت في شهادتها: «منذ فترة بدأت أتعامل مع وقتي بطريقة مختلفة، أضع المهام التي عليّ القيام بها في جدول حسب الأهمية، وأجهّز عملي لليوم التالي مسبقاً، حتى أبتعد عن العمل تحت وطأة الدقائق الأخيرة، والأكثر أهمية أنّني امتنعت عن إدخال الأمور غير المخطط لها مسبقاً إلى جدولي اليومي، حتى لا أعود إلى حالة الفوضى، التي هي من أهم أسباب الفشل». وأضافت: «ابتعدت أيضاً عن التفكير والاهتمام بأمور الآخرين، فليس لدي كثير من الوقت لأبدده في أمور لا تعنيني، أفضّل أن أنجز ما أطلبه من نفسي، كما أحترم يوم عطلتي وأحاول الاستمتاع به قدر المستطاع بعيداً عن العمل، وهذا ما توصلت إليه بعد المعاناة سنوات وبذل الجهد في مقابل القليل من الإنجازات».
«جمال - م» واحد ممّن يعانون المشكلة، ورد عن السؤال قائلا: «أحياناً كثيرة يكون الالتزام بإنهاء مهام العمل، والقلق من تأجيل بعضها إلى الغد، سبباً في التقصير في الواجبات والنشاطات الاجتماعية، لأنّني أبالغ في الاهتمام بعملي والتفكير فيه، حتى عندما أكون في المنزل، وكثيراً ما أشعر بفقري الزمني، أفتقد فيه الخروج مع الأصدقاء، أو حتى العودة إلى منزلي دون أن أكون منهكاً للعب مع ابني الصغير، كما أتمنى أن ألتحق بدورات لتنمية بعض المهارات، أو أن أقرأ الكتب كما كنت، أو أسمع الموسيقى بهدوء، فحتى عندما أقود سيارتي أفكر في العمل».
قال «جمال» أنّ شعوره بضيق الوقت بدأ منذ زواجه، فاعتياده التعامل مع عمله بهذه الطريقة، جعل مسؤوليات الزواج تضاف إلى برنامجه، ما جعله يشعر دائماً بأنه مطالب بالكثير من الواجبات النفسية والاجتماعية وأيضاً العملية، وهذا ما يرهقه عندما يفكر في الأمر، كونه يكره أن يكون مقصراً في حياته الخاصة بسبب اهتمامه الزائد بعمله.
❊ «راضية» عاملة في إحدى المؤسسات العمومية فقالت: «أؤمن أنّ الإنسان من دون مشروع أو هدف إنسان فاشل في الحياة، وهذا الهاجس يجعلني أسعى دائماً لتحقيق أهدافي، فأنسى التعب والإرهاق في سبيل الالتزام بجدول المهام، والخطة التي وضعتها لنفسي، من أجل الوصول إلى هدفي في الوقت النهائي لكل مشروع وحله، القلق من إضاعة الوقت يسبب لي حالة من الركض المستمر، حيث كلّما توسّع عملي، أجد نفسي أمام المزيد من التفاصيل التي عليها أن أكون مسؤولة عنها، ربما هذه الحالة تعود إلى شخصيتي العملية، إذ أفضّل القيام بالأمور بنفسي، بالإضافة إلى التربية التي تلقيتها في منزل أهلي، حيث نشأت في منزل يثمّن الوقت ويقدّر الاعتماد على النفس كثيراً، وهناك تربّيت على أن فكرة الواجبات المؤجلة مرفوضة».
❊ «نسيبة – ش» موظّفة حسابات في أحد المستشفيات تعاني صراعا كبيرا مع الوقت، قالت أنها تستيقظ فجراً، تبدأ يومها بالصلاة ثم تجهزّ أبناءها للمدرسة وتصطحبهم لانتظار الحافلة، تشير إليهم مودعة لتنضم بعدها إلى طوابيرالسيارات، التي بدأت الآن تقترب من بعضها أكثر فأكثر، لتعلن أضواء توقفها الحمراء أن الطريق إلى العمل سيستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة.
«نسيبة» مثل غيرها من الأمهات العاملات، الوقت بالنسبة لهن محسوب بالدقيقة، ولذا تقول عن نفسها إنها تركض طوال اليوم؛ لأن أي خلل سينعكس على المهام الكثيرة التي يجب أن تنجزها بأقصى سرعة ممكنة؛ من العمل إلى الاهتمام بالمنزل إلى مراجعة دروس الأبناء إلى تحضير الطعام لليوم التالي، وهكذا تستمر الدائرة كل يوم.
وأضافت «نسيبة» قائلة: «منذ زمن بعيد توقفت عن التفكير بفعل أشياء أحبها؛ كالقراءة، أو تعلم العزف على آلة موسيقية، لا أجد وقتاً للقاء الأصدقاء، لأن معظم وقتي مشغول بالواجبات..هذا أمر مرهق، لهذا بدأت أعتمد على ابنتي الكبرى لتساعدني في بعض شؤون المنزل، لأنني لم أعد أستطع اللحاق بها وحدي، فمنذ التحقت بوظيفتي الحالية وأنا أعاني ضيق الوقت، فلم أعد أستطيع متابعة دراسة ابنتيّ كما ينبغي.
 ولم أعد أستطيع أن أطهو الطعام لأسرتي غالباً، فأضطر إلى اللجوء إلى الوجبات الجاهزة، لأن دوامي يستغرق معظم يومي، فإذا داومت في الصباح أقضي بقية اليوم في متابعة دروس أبنائي، وعند الانتهاء يصيبني الإرهاق فلا يمكنني الخروج مع زوجي، أو التفكير في زيارة أقاربي، أو حتى ممارسة التمارين الرياضية. يوم عطلتي يكون مزدحماً بالواجبات، أطهو فيه، وأتابع دراسة أبنائي للأيام المقبلة، أشعر بإرهاق كبير فحتى محاولاتي لتنظيم وقتي للقيام بالأنشطة التي أحبها فشلت فطبيعة الحياة و العمل، تفرض جدولاً يومياً يصعب تغييره.»

مشكلة عانت منها الانسانية
 ويرى المختصون في علم الاجتماع أن الجميع يمتلكون الوقت، الفرق في كيفية استغلاله لأن مسألة امتلاك الوقت واستخدامه، مشكلة قديمة واجهت الناس من جميع شعوب العالم، باختلاف ثقافاتها وإن كانت تختلف درجة أهميتها من ثقافة إلى أخرى، ومن مجموعة إنسانية إلى أخرى، حسب البيئة.
وقد حاول علماء النفس والاجتماع تفسير أسباب الشعور بأن الزمن يمر سريعاً أو بطيئاً، حيث رأى بعضهم أن موضوع الزمن وسرعته يرتبط بالعقل وتركيبته ارتباطاً وثيقاً، حيث أرجعوا ذلك إلى عاملين مهمين: عمر الإنسان وطبيعة البيئة التي يعيش فيها، والمدى الذي تفرضه هذه البيئة من ضغوط، فعادة ما نقيس الوقت من خلال الأحداث التي تمر بنا.
 ويعتقد بعض العلماء أنّنا نحسب الزمن الذي مضى بالنسبة لعمرنا، وفق قانون النظرية النسبية، فإيقاع الزمن بالنسبة لنا كبشر يتباطأ مع زيادة العمر، إضافة إلى أن اهتمامنا بالزمن يقل مع تقدم العمر، نظراً لكثرة الأدوار التي نؤديها كلما كبرنا، والتي تأخذ مساحة أكبر من تفكيرنا واهتمامنا.
 فزيادة ضغوط الحياة مع تغير الأدوار، التي يؤديها الإنسان أثناء مراحل حياته ومسؤولياتها، أدت إلى تقليل الشعور والإحساس بمضي الزمن، فيما يعتقد البعض أن سرعة مرور الوقت الآن مقارنة مع الماضي، سببه قانون الجاذبية الأرضية بكل تعقيداته، ما يجعلنا نستخلص  إلى أن فقر الوقت يخضع لكثير من العوامل الاجتماعية والنفسية، التي تشكّل حياتنا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024