“الشعــب” تستطلـع التحضـيرات لمتابعـــــة “كـان الغابـون”:

هبـة تضامنية تصنعها جماهـير “الخضـرا”

استطلاع :حكيم بوغرارة

 احتكار حقوق البث عمق اللحمة وهوّن من مساومة القناة
 الفرجة والفرحة قاموس جزائري والفريق الوطني خط أحمر
 شاشات عملاقة وشباب مخير بين المقاهي والساحات العمومية

ارتفعت حدة القلق والتوتر في معاقل جماهير “محاربي الصحراء”، بعد اعلان التلفزيون الجزائري عدم نقل مباريات “الخضر” في “كان الغابون 2017”، بسبب مبالغة مالك حقوق البث في مطالبه المالية التي فاقت 10 ملايين دولار، حيث استنفر الجزائريون أنفسهم لضمان مكان لمتابعة زملاء رياض محرز فبين المقاهي والخيمات، و«الداتاشو” في الأحياء الشعبية، والدعوات العائلية أو “العرضات” سيجتمع الجميع وراء راية واحدة بعد أن فرقتهم في وقت سابق مباريات “الريال”و”البارصا” واتحاد الجزائر ومولودية الجزائر.

وأصبح المنتخب الوطني لكرة القدم منذ سنوات عديدة ظاهرة اجتماعية حقيقية تؤثر في الحياة العامة للناس وتكسر الكثير من الروتين الذي فرضته التكنولوجيات الحديثة التي جعلت المجتمع يعيش في عزلة وكل واحد منطوٍ على نفسه أمام حاسوبه أو هاتفه النقال في عالم افتراضي بعيدا عن الواقع.
وبات “الأفناك” عاملا لجمع الجزائريين أمام شاشات التلفزيون لتكون أيام المقابلات الرياضية والمناسبات الرياضية الكبيرة متنفسا حقيقيا بعد محاولات زرع البلبلة والنيل من الاستقرار والسلم الاجتماعيين.
وبعيدا عن السياسية والاقتصاد وأسعار النفط والمضاربة وغلاء الأسعار لا حديث هذه الأيام إلا عن التشكيلة التي سيدخل بها الناخب الوطني “جورج ليكنس” وعن تأثيرات إبعاد فغولي واستدعاء بن ناصر وحول قدرة بونجاح وسعدي على قلب الموازين وحول عودة براهيمي القوية وعما سيقدمه رياض محرز قاهر الأفارقة في تصنيف أحسن لاعب إفريقي وغيرها من المعطيات التي ستميز مشاركة الجزائر في “كان الغابون”.
ويحدث هذا في ظل عمليات إنزال كبيرة للجزائريين على متاجر تشفير القنوات وفك الشيفرات لمشاهدة المنتخب الوطني لكرة القدم في ظل تضامن كبير في المجتمع على مساحات التواصل الاجتماعي لنشر القنوات التي ستبث مباريات “الكان” بالمجان.
المقاهي والخيمات قبلة مناصري “الخضرا”...
قامت “الشعب” بجولة في مختلف أحياء العاصمة أين وقفت على تحضيرات مكثفة تحسبا لاستقبال جماهير “الخضر” اليوم بدءا من الساعة الخامسة لمتابعة أولى مقابلات زملاء عيسى ماندي ضد منتخب الزيمبابوي.
وجهز مقهى “لوشالي” في شارع بوقرة بالأبيار نفسه لاستقبال جماهير الخضر، حيث أوضح صاحب المقهى أنه جهّز متجره بشاشتي”بلازما” عملاقتين تمكن مرتدي المقهى من متابعة اللقاء بأريحية أكبر فقط على الراغبين في ذلك المجيء باكرا في ظل عدم اتساع المكان لأكثر من 50 متفرجا.
وأشار صاحب المقهى إلى تعوده على توفير كل الظروف لمتابعة لقاءات كأس رابطة أبطال أوروبا والدوريات الأوروبية الأكثر متابعة وهذا في سياق المنافسة مع المقاهي الأخرى والعديد من الخيمات التي دخلت السباق على الخط.
وغير بعيد عن المقهى الأول يحضر “مقهى زكرياء” الذي كان في السابق يسمى مقهى “النجم الساحلي” لاستقبال وفود جماهير الخضر التي لم تتنقل إلى الغابون، مع العلم أن المقهى لا يفرض أية رسوم على المشاهدين فقط يدفعون ما يستهلكون من مشروبات ومأكولات.
وتوفر خيمة “مركو بولو” بالأبيار دائما فرصة لمشاهدة مقابلات الخضر بالمجان مع عرض مأكولات وأطباق تقليدية بأسعار معقولة وهذا كرد لجميل الزبائن المخلصين.
وتنطلق عمليات حجز الأماكن بباب الزوار بمقهى “الجوهرة” المتواجد قرب محطة الترامواي والذي يشهد إقبالا كبيرا بسبب توفيره لـ«الشيشة” ومختلف المشروبات وأنواع القهوة، كما أن موقعه الاستراتيجي يجعلك تسمع تجاوب الجمهور من أماكن بعيدة.
وكشف لـ«الشعب” ح. مكيرة 33 سنة موظف من حي 8 ماي 1945 أنه متعود على الذهاب مع زملائه وأصحابه لمقهى الجوهرة للتمتع بمشاهدة مقابلات “الخضر” لنسيان الضغوطات والمتاعب الاجتماعية وتبديل الجو كما قال رغم أنه يملك جهاز استقبال بالبيت يمكنه من مشاهدة المقابلة بأريحية.
وبخيمة “لالا مريومة” بسيدي يحي يجد الفرد نفسه محاطا بعديد لاعبي أندية القسم الأول الذين يقبلون على الخيمة لمشاهدة اللقاءات والالتقاء بالزملاء من الأندية الأخرى،وبذلك تعوض هذه المساحات الجو العائلي أو الجو الافتراضي ولو لساعات معدودة لكنها مفيدة نفسيا واجتماعيا من خلال التعاليق الفجائية ورأي كل طرف حول اللاعبين والمدربين في أجواء لا يحس بها إلا من عايشها.
«الداتاشو” و«العرضات” في الأحياء الشعبية...
تعرف الكثير من الأحياء الشعبية انتشار ظاهرة متابعة لقاءات المنتخب الوطني جماعيا، حيث تسهر جماعات من الشباب على توفير المستلزمات مثلما وقفنا عليه في حي “سوريكال” بباب الزوار أين يعمل مناصر مولودية الجزائر والمنتخب الوطني المدعو “تيتا” على تهيئة مكان المشاهدة وإقناع صاحب شاحنة تبريد على ركنها في مكان مناسب لتوجيه شاشة “الداتاشو” وضمان مشاهدة جيدة وبصورة مكبرة تجعل كل المناصرين في وضع مريح.
ويخلق هذا الأمر جوا جميلا خاصة وأن أطراف أخرى تجلب معها آلات موسيقية خاصة بالملاعب تجعلك وكأنك في الملعب وحتى “الفيميجان” يكون حاضرا ما يزيد من الحماس والإثارة.
ويجتمع الإخوة الأعداء في حي سوريكال من مناصري مختلف الفرق العاصمية من مولودية الجزائر واتحاد الجزائر وشباب بلوزداد ونصر حسين داي واتحاد الحراش وحتى شبيبة القبائل ووفاق سطيف ومولودية وهران جنبا إلى جنب فقط من أجل متابعة “الخضرا”، ولا يفوت الجميع الفرصة لاستفزاز”تيتا” المناصر المجنون بالمولودية من خلال مناصرتهم للمنتخبات الأخرى ويهددهم بقطع الإرسال ليتصالح الجميع فيما بعد ويهتفون باسمه واسم المنتخب فترجع ابتسامته العريضة.
وتكون لقاءات الخضر فرصة للعديد من الأقارب لدعوة بعضهم البعض لمشاهدة اللقاءات جماعيا حيث يكون لحضور الزوجات والبراءة نكهة خاصة للمشاهدة من خلال تفاعلاتهم المضحكة والمحزنة في نفس الوقت لنتأكد أن تأثير وتوغل كرة القدم في الجزائر بات أكثر من كبير وتفوقت على المقولة المشهورة “كرة القدم... أفيون الشعوب” فتعلق الجزائريين بالمنتخب الوطني بات لا يوصف وحتى الانتقادات اللاذعة وحالات التململ التي تتبع بعض النتائج السلبية للمنتخب الوطني تخفي وراءها حبا دفينا لزملاء رايس وهاب مبولحي.
طوارئ للبحث عن إحداثيات القناة التشادية؟؟؟
يتهافت الجزائريون بقوة على المتاجر المتخصصة في تركيب الهوائيات المقعرة واسترجاع القنوات الضائعة التي لا تشاهد كثيرا خاصة قناة “تشاد” التي قيل إنها ستبث مقابلات “كان الغابون” بالمجان، كما دخلت مساحات التواصل الاجتماعي المنافسة بقوة واجتهد كل طرف في بث القنوات التي ستبث المقابلات بالمجان في صورة تضامنية افتراضية فقط من أجل المنتخب الوطني.
ويجتهد المهندسون المختصون في التشفير، وضبط القنوات المستحيلة القرصنة في تزويد المواطن بكل الخدمات ويقدمون الاستشارات والحلول للجميع فالمهم مشاهدة “الخضر”، ولا تكلف تلك العمليات التي تتم بسرعة متناهية سوى 250 دج في أسوأ الحالات، وجاء هذا التحرك بعد قراءة البيان الرسمي لعدم نقل مباريات “الخضر” بعد تعثر المفاوضات مع القناة المالكة لحقوق البث.
الدكتور عامر عبد الرحمن: “بيين سبور” تنكرت للعرب والجزائر
تأسف الدكتور عمار عبد الرحمن لسلوك القناة القطرية المالكة لحقوق البث، ومطالبتها بمبالغ خيالية، ضاربة عرض الحائط كل الخصوصيات التي تربط الجزائريين بقطر،وقال في تصريح لـ«الشعب” لماذا يتم حرمان الشعوب العربية من متابعة مقابلات منتخباتها خاصة وأن هذه الكأس الإفريقية ستعرف حضور 4 منتخبات عربية وبالتالي كان من الأجدر على الجهة







المالكة لحقوق البث التعامل بليونة دون إهمال حقها في الربح.
وأشار في سياق متصل إلى انتشار صورة التضامن على مساحات التواصل الاجتماعي لتناقل القنوات التي ستنقل المقابلات بالمجان، يعتبر رد فعل سلبي بمعنى إيجابي لاسترجاع الحقوق من المحتكرين.
والثمن بالمقابل مظاهر التواصل والحميمية التي تطبع مشاهدة لقاءات المنتخب الوطني سواء على مستوى العائلات أو المقاهي والأحياء الشعبية في صورة تؤكد عودة الجزائريين إلى حياتهم العادية بعيدا عن الفضاء الأزرق والعالم الافتراضي الذي بدأ ينتج سلوكات سلبية قد تجعل من المجتمع منطويا وفردانيا، وهو ما يجب أن تتنبه له السلطات لأن التمادي في الانعزال سيخلق مشاكل وأمراض نفسية خطيرة.
الدكتور النفساني ولد محي الدين نبيل: “مقابلات الخضر... نوستالجيا للجو العائلي”
اعتبر الدكتور المختص ولد محيي الدين نبيل في علم النفس أن مقابلات المنتخب الوطني لكرة القدم باتت عاملا مهما لاسترجاع ذكريات الأسرة والعائلة الموسعة حيث يجتمع الجزائريون أمام الشاشة لمشاهدة موضوع واحد عكس الأيام الأخرى التي ينطوي فيها كل طرف في زاوية ويتابع عالمه المفضل افتراضيا.
وأضاف نفس المصدر في تصريح لـ«الشعب” أن نفسية الجزائري خاصة بعد الزواج تميل إلى الاستقلال عن العائلة والأسرة الكبيرة في ظل الظروف السائدة والتحول الكبير في العلاقات الاجتماعية ودخول الكثير من العوامل الجديدة في حياة الجزائريين وأهمها التكنولوجيات الحديثة، التي قللت كثيرا من التفاعل بين الأفراد وزادت من حجم الضغط الاجتماعي حتى ولو أنها تظهر بأنها حل للكثير من المشاكل لكن الوقت بين أن الكثيرين يحنون لذلك الزمن الجميل الذي كان يجمع الجزائريين على شاشة التلفزيون سواء على الأخبار أو المقابلات الرياضية.
ولم يخف نفس المصدر استعمال كرة القدم لأغراض سلبية مؤكدا بأن ما يعيشه المجتمع الجزائري من تناقضات هي ردود فعل، مؤكدا في نفس الوقت أن كرة القدم وبقدر ما هي متنفس اجتماعي إلا أن توظيفها السياسي لم يعد يخف على أحد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024